محمد عمر المصري - طبائع.. قصة قصيرة

اعتدتُ الجلوسَ بشُرفةِ بيتنا ساعةَ الأصيلِ، أتأملُ حديقتنا الغناء، وهي تحتضن وجهَ البيتِ، بأشجارها وأزهارها وحشائشها وهوامها، منتظراً غروبَ الشمسِ في شفقها الأحمر، وهي تزحفُ ببطءٍ نحو مستقرها، كأنما أثقلَ كاهلها تراكمات النهارِ وصراعاته التي لا تخمد أبداً!
في تلك الأثناءِ، ظهر اثنان من الخلقِ يتناوشان، يتحسسُ أحدهما جَسارةَ الآخرِ وإقدامه، يُرسلا من أعينهما شرراً يبدو كبرقٍ متهاوٍ يُفزعهما معا! وعندما تعتمل حركة الشجاعة في نفسيهما، يثبُ أحدهما على الآخر بلا هوادة، فتارة تكون الغلبة لهذا، وتارة تكون لذاك!
أطلقتُ صفيراً مسموعاً علَّه يفرق إصرارهما على النزال، لكنَّ غلبة التشفي أقوى من كل صوت! فظلا على هذه الحال من المناوشات والضربات حتى أدميَا بعضهما البعض، ولا حيلة لخمسيني قعيد كرسيه المتحرك، أن يسارع فيلبي نداء نفسه، ويفض تلك المشاجرة، فغاية همتي أن أصدرتُ صرخات كلامية غير مفهومة لعلهما ينزجران فينصرف كلٌ منهما عن الآخر، بيد أن الطباع المتصارعة تأبى إلاَّ أن تنتقم!
في الحقيقة لا أدري علامَ يتقاتلان بهذه الضراوة! لماذا لا يتعايشان في سلامٍ وهدوء، هل سلب أحدُهما حق الآخر في الحياة، لماذا يتربص أحدهما دائما بالآخر ليقتله؟ ربما يتقابلان بجسديهما للمرة الأولى، لكنها الغرائز التي مهما تم ترويضها، فلطبائعها الغلبة! أخيراً هدأ الوطيس، ولم يستمر بنا الوقت طويلاً، حتى رأيت الثعبان جثةً هامدةً بين فكي الكلب الذي أثخنته الجراح وأنهك جسده السم، فمكث غير بعيدٍ يلفظُ أنفاسه هو الآخر!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى