البرفيسور عادل الاسطة - أنا والجامعة : جامعة الحصار والانتصار ( ٤١ ) :

لم تكن الظروف التي مرت بها جامعات الأرض المحتلة بعامة ظروفا سهلة وميسرة ، فقد عانت من الاحتلال حيث كانت الحواجز في أيام كثيرة قبل العام ١٩٩٤ تحول دون سير الدراسة بانتظام ، فكلما تظاهر الطلاب معبرين عن موقف سياسي يدعو إلى إنهاء الاحتلال ويؤيد سياسات منظمة التحرير الفلسطينية كانت الحواجز تقام على الطرق المؤدية إلى الجامعة . مجرد دورية فيها خمسة جنود تحول دون وصول سبعة آلاف طالب إلى قاعات تدريسهم وتعيدهم من حيث أتوا ، غير آبهة بما يعانونه ويكابدونه من مشقة الوصول ومن التكاليف التي يدفعها أولياء الأمور من دم القلب ، وهكذا لم تنتظم العملية التعليمية ولم ينتظم العام الدراسي ، فلم تكن تعرف متى يبدأ العام الدراسي ومتى ينتهي ، خلافا للجامعات في دول العالم كله .
ومن المؤكد أن الأمور لم تكن غالبا تمر بانتظام ، فأحيانا كان الطلاب يشتبكون بالحجارة مع قوات الاحتلال وقد ينجم عن ذلك جرحى وقتلى ، بل إنه نجم ولكني للأسف لا أملك إحصائية ولا قائمة بأسماء الطلاب الذين جرحوا أو استشهدوا ، ولا أظن أن الجامعة لا تملك مثل هذه الإحصائية ، ولكن عددا من الطلاب الذين علمتهم في الجامعة أو في المدرسة استشهدوا في مقاومة الاحتلال.
مرة كتبت قصة عنوانها " أين ذهب فيصل ؟ " وفيصل فيها هو أحد طلابي الذين استشهدوا في مقاومة الاحتلال . لم يكن فيصل الوحيد فهناك غيره عديدون ولكنه الوجيد الذي خصصته بقصة قبل استشهاده.
في صيف العام ١٩٩٢ حوصرت الجامعة لمدة يومين ، ولحسن الحظ أو لسوئه أنني قبل أن تحكم عليها السيطرة غادرتها بساعة لأسافر إلى القدس وأحرر صفحة "الشعب الثقافي " في جريدة " الشعب " المقدسية ، وكنت أغامر بالذهاب إلى القدس ، فلم يكن يسمح لنا بدخولها إلا بتصريح يصعب الحصول عليه . عدت بعد عودتي من ألمانيا إلى المشاركة في العمل الثقافي وإلى المساهمة في العمل الصحفي وتحديدا في الجريدة نفسها مع اختلاف ظروف العمل واختلاف ظروف علاقة سلطات الاحتلال بالمدينة المقدسة ودخول أهل الضفة الغربية وقطاع غزة إليها .
حوصرت الجامعة في صيف ذلك العام لمدة أيام عانى فيها آلاف الطلبة من قنابل الغاز المسيل للدموع ومن قلة النوم والطعام معاناة كبيرة ، وإن لا تكا تذكر قياسا لمعاناة الفلسطينيين بعامة في عام النكبة وحرب أيلول والحرب الأهلية في لبنان وحروب غزة ولاحقا معاناة أهل مخيم اليرموك والمخيمات الفلسطينية في سوريا .
أطلق على الجامعة منذ ذلك اليوم اسم " جامعة الحصار والانتصار " وصار الاسم يتكرر باستمرار كما لو أنه لازمة مضافة إلى اسم الجامعة أو عنوان فرعي لها.
حقا إن الجامعة حوصرت وفك حصارها ولكني غالبا ما كنت أرى في إطلاق هذا الوصف عليها ضربا من المبالغة التي لا ضرورة لها ، فالجامعة إن حوصرت ، وقد حوصرت لأيام ، فعلام انتصرت وما هو الانتصار الذي حققته.
أحيانا كثيرة نستخدم مفردات كبيرة لإنجازات صغيرة جدا ، ونطرب لهذه المفردات ويبدو أنها تعبر عن خلل في تفكيرنا أو أنها ضرب من التعويض عما نفتقده .
مرة كتب الشاعر الشهيد علي فودة :
" بقلبي أريحا
وكنا نحن ولو مرة
لانتصار "
ومن قبله كتب شاعر أندلسي :
" مما يزهدني بأرض أندلس
ألفاظ مقتدر فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها
كالهر يحكي انتفاخا هيئة الأسد "
وأعتقد أن إطلاق هذا الوصف على الجامعة لحصار استمر بضغة أيام كان في غير موضعه ، وغالبا ما كنت أعبر عن امتعاضي وأنا أصغي إلى مذيعي إذاعة الجامعة وبعض مسؤوليها وبعض الدكاترة يرددونه دون أن يفكروا فيه حقا وفي حصار لا يكاد يذكر إذا ما نظرنا إلى حصار بيروت في ١٩٨٢ أو إلى حصار غزة بعد العام ٢٠٠٧ وفي أثناء الحروب عليها .
حكايات الجامعة كثيرة وعديدة وحكايات الإعلام فيها تحتاج إلى إمعان نظر فيها أيضا .
مرة خاطبت مذيعة الشباب والشابات في الجامعة وقالت للأولين يا شباب إذا أردتم أن تتشبشبوا ف... واعترضت على لغتها وكتب على الفيس ، فما كان من المذيعة والعاملين معها إلا أن هاجموني مرارا بحجة أنني ألحقت بها ضررا كان يمكن أن يؤدي إلى فصلها من عملها .
وكنت أتساءل :
- لماذا لا يتعب إعلاميونا على أنفسهم ؟ لماذا لا يهتمون بلغتهم ؟ لماذا لا يثقفون أنفسهم ؟
ومن مآخذي عموما على الجامعة وجامعات الأرض المحتلة أنها غالبا ما تلجأ إلى سياسة مديح الذات والافتخار بإنجازاتها كما لو أنها تسلك سلوك شعراء النقائض في الشعر العربي ؛ مبالغة في مدح الذات وهجاء مبطن يقلل من قدرات الجامعات الأخرى ، وفيما عرفته فإن افتتاح برنامج الدكتوراه في جامعة النجاح الوطنية قصد من ورائه السبق للتفاخر بأن الجامعة فيها برامج دكتوراه ، مختلفة بذلك عن غيرها ومتميزة عنها أيضا .


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى