مولود بن زادي - ما لا تعرفه عن كوفيد 19!

شهدت البشرية في تاريخها الطويل أوبئة متعددة نشرت الموت والدمار والهلع في أنحاء العالم على منوال الطاعون الأسود والكوليرا. وها هو عالمنا اليوم يواجه أعظم أزمة صحية في العصر الحديث متمثلة في وباء كورونا الذي أصاب أكثر من 13 مليون شخصا ووفاة أكثر من نصف مليون شخصا وشل الحياة على وجه الكرة الأرضية.

من ميزات الفيروس المتسبب في هذا الوباء، المعروف باسم (كوفيد-19)، سرعة انتشاره، فقد استطاع اكتساح كل بقاع الدنيا في ظرف أسابيع قليلة، فضلا عن غرابة سلوكه مقارنة بفيروسات أخرى كثيرة. فهو إلى يومنا هذا يبقى لغزا محيرا أربك أكبر علماء الفيروسات في العالم.



مرضى بغير أعراض:

من عجائب كوفيد-19 أنّ ما يناهز نصف عدد المصابين لا تظهر عليهم أعراض وإن كانوا يحملون الفيروس! وهم بذلك يساهمون في نشر العدوى بين الأهل والأقارب والأصدقاء وزملاء الشغل وكل العالم من حولهم في صمت وهم لا يدرون. تشير الأبحاث التي أجريت على عينات من الجماهير إلى أن هذه الحالات قد تشكل نحو 40 إلى 50٪ من مجموع الحالات. وبعض الدراسات يتحدث عن احتمال ارتفاع الرقم إلى نسبة 80 بالمائة! وقد انتبهت الأمم المتقدمة إلى أهمية تشخيص هذه الإصابات في المجتمع لأجل عزلها وعزل كل الأشخاص الذين كان لهم احتكاك بها، للحد من انتشار العدوى. فقد شرعت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في بلدان كثيرة على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا في إجراء اختبارات "الأجسام المضادة" لاكتشاف الحالات المصابة. هذا النوع من الاختبارات يسمح بمعرفة عدد الأفراد الذين اجتازوا أو ما برحوا يجتازون المرض "في صمت"، ونسبة الإصابات غير المسجلة وإدراك مدى انتشار هذا الوباء بين أفراد المجتمع.



أعراض خفيفة مخادعة:

ومن عجائب كوفيد-19 أن معظم المرضى الذين تظهر عليهم أعراض، عادة ما تظهر عليهم آثار خفيفة شبيهة بأعراض داء الأنفلونزا! فقد تشمل هذه الأعراض السعال الجاف والحمى الخفيفة التي لا تصل إلى 37.8 درجة مئوية ، وقد يكون هناك أحيانًا القليل من السعال، وقد لا يوجد أثر للسعال. قد يشعر المرضى بالتعب أو الصداع أو آلام في العضلات. وقد يفقد المصاب حاسة الشم أو التذوق وقد يشعر المصابون بضيق خفيف في التنفس أو ربما شعور بالتنفس أكثر من المعتاد عند ممارسة الرياضة، لكنهم لا يلهثون عند قيامهم بالنشاط المنزلي العادي. وقد تكون للمصابين شهية طبيعية عادية إلى حد ما. وقد لا تتأثر نشاطاتهم اليومية من تنظيف وطبخ وأكل وشرب. ومن الأعراض التي قد لا تخطر ببال أحد شعور المصاب بالاكتئاب والرغبة في البكاء. وكلها أعراض لا تقرن عادة بأمراض خطيرة ولا تنذر المرء بأنه قد يكون مصاب بمرض معدي خطير في حجم كورونا!



يقسو على الكبار:

من غرائب كوفيد-19 تأثيره البالغ في المسنين. فحسب إحدى الدراسات، يتسبب الفيروس التاجي في وفاة نحو 13.4٪ من المرضى الذين تتجاوز أعمارهم 80 عامًا، مقارنة بـ 1.25٪ من الأشخاص في الخمسينيات، ولا يكاد يتجاوز حد 0.3٪ من أولئك في الأربعينات. يجتهد العلماء لأجل فهم أسباب هذه الظاهرة. ولعل من أسباب ذلك تأثير الأمراض المزمنة وضعف جهاز المناعة عند التقدم في السن حيث يحتوي الجسم على عدد أقل من الخلايا التي تنتج مواد كيميائية مقاومة للفيروسات. يقول الطبيب وأخصائي المناعة جانكو نيكوليتش زوديتش من كلية الطب بجامعة أريزونا: "كبار السن لا يحسنون التفاعل مع الكائنات الحية الدقيقة التي لم يصادفوها من قبل".



يعطف على الصغار:

وعكس ذلك تماما، تشير الإحصائيات العالمية إلى أنّ الأطفال أقل عرضة للإصابة بكوفيد-19. ففي بريطانيا، في الفترة الممتدة من 28 مارس/آذار إلى 29 مايو/أيار، فإنّ عدد الوفيات الناتجة عن كوفيد-19 بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و14 سنة لم تتعد طفلين! وحسب بيانات المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية، فإنّ الأطفال دون 19 عاما لا يمثلون إلا 2٪ فقط من حالات الإصابة التي سجلت حتى 20 فبراير/شباط. وحسب منظمة الصحة العالمية، فإنّ الحالات الخطرة لدى الأطفال لم تتجاوز نسبة 0.2. وبذلك يكاد يكون كوفيد-19 نسخة طبق الأصل للفيروس التاجي الشقيق السابق المعروف باسم "متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد" (بالإنجليزية: SARS)‏ الذي انطلق أيضا من الصين في عام 2002 قبل أن ينتشر في دول أخرى في العالم. فقد كشفت الدراسات من قبل أن الأطفال الذين أصيبوا بداء متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد كانوا أكثر مقاومة من الكبار، ولم ينقلوا العدوى إلى أطفال آخرين في المدارس ولم يؤثروا في الكبار!





أشد قساوة على المؤمنين:

يعتقد كثيرون في العالم لا سيما في المجتمعات العربية أن كورونا عقاب منزل من الله انتقاما من عباده الذين أسرفوا في ارتكاب المعاصي والذنوب. وإذا بالفيروس يتفشى أكثر في المساجد والكنائس والمعابد متسببا في إصابة أعداد كبيرة من المؤمنين. ويعد الترتيل في أماكن العبادة من أخطر طرق انتشار الوباء. فقد أكدت إحدى الدراسات أنّ معدل انبعاث الجسيمات أثناء الكلام البشري الطبيعي يرتبط ارتباطا وثيقا بارتفاع الصوت. فحسب هذه الدراسة ،فإن إطلاق صوت "آآه" لمدة 30 ثانية تطلق نسبة جزيئات بمقياس ميكرون تفوق تلك التي تخرج عند السعال لمدة 30 ثانية! فلا عجب أن الأماكن المغلقة التي يرفع فيها الأشخاص أصواتهم معًا مرارًا وتكرارًا أثبتت أنها أكثر مواقع تفشي المرض في العالم. وخير مثال على ذلك ما حصل في فرنسا في 18 فبراير 2020 حيث أصيب نحو 2500 شخص بالفيروس بعد إقامة الصلاة في الكنيسة الإنجيلية في مدينة تولوز، وانتقل الفيروس بعد ذلك إلى ألمانيا وسويسرا وغويانا وبوركينا فاسو. وهذا ما يبرر قرارات الحكومات اتخاذ إجراءات صارمة في أماكن العبادة من تباعد جسدي، وحظر السوائل الجسدية، ومنع تقبيل الأشياء الدينية بما في ذلك التوراة اليهودية، وقفل المساجد، وغلق الكنائس وإيقاف الخدمات الطقسية والقداسات والأنشطة الدينية، وغلق قاعات العزاء واقتصار أي جناز على أسرة المتوفي فقط، في عدد من البلدان، للحد من تفشي الوباء الذي يستمر في نشر الموت والهلع والاضطراب وتعطيل النشاط الاقتصادي وشل الحياة على وجه الكرة الأرضية.



مولود بن زادي أقلام مهاجرة حرة بريطانيا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى