علاء بن دردف - لقاء مؤنس في تونس

في رحلة طويلة سافرتها برا إلى تونس..للحصول على التأشيرة المصرية من تونس...كان ذلك عام 2015..
كان الجو شتاء..وأنا أعبر الحدود التونسة..متوغلا في تلك الديار..عبر قرى ومدن..شكلها وطرازها أليف من ناحية وغريب من نواحي أخرى...
بن قردان..جربة..مطماطة..مدنين..قرقور..محرز..قابس..صفاقس..وهكذا..
بل وتوقفنا في مدن لها أسواق ومساجد..حملتني إلى أجواء القرون الوسطى !
كنت المرة الأولى التى أدخل فيها تونس للأقامة بعض الأيام...فقد قصدتها أكثر من مرة سابقا..وكانت رحلات عبور فقط.إلى غيرها.. مالطا..والمغرب..ونواكشوط..!
قبل سفري خطر ببالي شخص واحد فقط في تونس أود ان أراه.. ولا أعرف في البلاد غيره...بحثت عن قصاصة صغيرة أعطاها لي بها اسمه وعنوانه ورقم هاتفه..بحثت..فلم اجدها.. فسافرت وكان لي معه قصة أخرى..
هي كالتالي:
في ترددي الكثير على الندوات والمؤتمرات التي تقيمها الجامعات الليبية وغيرها من المؤسسات البحثية..حيث كنت اشارك بها بأوراق بحثية..وحوارات وغيرها..في شتى العلوم الإنسانية..
كنت أراه ملقيا لأبحاثه الهادئة العلمية الرصينة..لم انتبه إليه كثيرا..وإن كان اسمه..طرق سمعي ..في بعض مواد الدراسات العليا..
في احدى الندوات..طلب الجلوس معي بأحدى ردهات المبنى الضخم الفخم..أخبرني أنه بصدد اجراء دراسة حول الاقتصاد والسوق...وانه يريد مني أن أشركه في بحثه..وأنه سيتكفل بمصاريف التنقل من ليبيا الى تونس..والاستضافة..
وأن الدراسة ستكون بالمناصفة..بيني وبينه..أو قريبا من ذلك ؛ وهو بروفسور معروف في الاوساط الأكاديمية ..فهو "ابن خلدون" عصره وبلده(وهو كذلك)..وربما ستترجم الدراسة الى اللغة الفرنسية ..وباحث مبتدئ مثلي..يحبو اولى خطواته في ميدان البحث العلمي ..ودنيا رجال الثقافة والمراكز والسلطة ستكون هذه فرصة جيدة له..وسيستفيد منها ترقية..وغيرها...
في الواقع كان العرض مغري..ويتناسب مع ميولي البحثية..والرجل..لاتدل سيماه إلا على الخير والطيبة والشغف المعرفي.
قلّبت الأمر سريعا..ولم تكن هذه المرة الوحيدة التي يطلب مني تعاون من هذا القبيل..فقد سبقه العديد.. وماكنت أكره ذلك..وإن أحسست أن حقي كان يختلس مني أحيانا. لكن لاضير..!
لقد كانت تلك الفترة ..لها سماتها الخاصة..فالزمن غير الزمن والتضاريس غير التضاريس..وجغرافيا المكان وملامح الزمان.لها طقوس خاصة..تقتضي من المرء أن يعرف أين يضع قدميه..وكذلك كنت..
فلست من مثقفي السلطة..وكذلك لم أكن من خصومها...
وكنت ولازلت أحب أن أكون صديقا للجميع..بما فيها السلطة. . ومثقفيها ومخالفيها!!
وأن أنظر للجزء الملآن من الكوب..ولا أحب النقد المتواصل ولا السباب والشتائم والتطاول على المسؤولين والكتاب والمثقفين والاعلاميين وغيرهم..فالدنيا اوسع من أن أحشر نفسى في زاوية تصنيف ضيقة..وأبدأ في تصنيف الناس بناءا على مزاجي الضيق...او سوء أدبي.
اعتذرت منه في لباقة وكياسة..ولاأنكر أني شعرت بشئ من الكمد حينها، ولعله خامره هذا الشعور.
أعطاني قصاصة عنوانه..وانصرف كل لشأنه
...........
بالعودة إلى تونس 2015..ذلك الصباح البارد ..من شهر يناير..أنزلنا"اللواج" بوسط المدينة..دخلت أقرب "نزل" .. فندق..واضعا حقيبتي.. واجراء "دش" ساخن..والاسراع الى اول سيارة أجرة..تقلني إلى شارع :
" محمد الخامس" حيث السفارة المصرية..
...وحتى أنني من اثر السفر .والليل الذي لم أنمه..لم أتفرس في أحد..
ما إن اقترب من السفارة..حتى اشار لي السائق إليها..وبينما السيارة تتوقف..لمحته يمشي حاملا حقيبته..بهدوء وأناة..يالله. إنه هو..ماغيره..
نقدت السائق أجرته...وذهبت مسرعا خلف صاحب الحقيبة..واجتزته..وسبقته بمسافة قليلة..ثم استدرت راجعا..حتى نتقابل وجها لوجه.. ولاتفزعه انفاسي المبهورة في ذلك الصباح البارد..
_السلام عليكم..
_صباح خييير..
صافحته...
_كيف حالك يادكتور..
_ لاباس..يعيشك..
_ هل عرفتني؟ انا فلان..التقينا قبل سنوات في ندوة.....
تفرس بابتسامته الجميلة النيرة...
_ آهه...عرفتك..عرفتك...تغيرت شوية..
_ ياسيدي أقسم لك بالله أني دخلت تونس للتو..وأقسم أني نويت أن ابحث عنك بالجامعة..وأقسم أنك اول شخص أراه وأحادثه...!!
_صادق..أ.علاء..صادق..
ما رأيك..نلتقي بعد المحاضرة..اي بعد العاشرة..هذا رقم هاتفي..اتصل بي..
_ وهو كذلك..إلى اللقاء..
وأحسست..أن علاقة روحية تشدني إلى هذا الرجل الوديع..وإلى بلاده الهادئة. وأنني لن أتوقف عند هذا الحد..ولقد كان لي مع كتبه شأن آخر..
.................
والتقينا بعد ساعات..في مقهى انيق.بحى "اللافيات"...أمامنا أكشاك ..لبيع الزهور..كأني بفرنسا القديمة...وتلاه لقاء في العشية..بالمدينة القديمة.. وكانت السماء تهطل مطرا غزيرا مدرارا..حينها ألتقينا..بجوار جامع الزيتونة العريق..مقاهي.. وتراث..و"مقروض"...رجعت محملا منه بالهدايا الجميلة ..والأحاديث الشيقة. وكتاباته المفيدة..والتي كتبها بمبضع جراح..وكاتب اجتماعي عميق الغور...
..لعله لو سنحت الفرصة ..سأتناول كتاباته..ومأثارت من جدل...وربما سأرتدي لها عدتها..وأمتشق لها حسامها.



L’image contient peut-être : une personne ou plus et personnes assises

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى