محمد أبوالعزايم - (2) الزمان : قُبيل غروب شمس أحد أيام صيف سنة 1988.

(2)
الزمان : قُبيل غروب شمس أحد أيام صيف سنة 1988.
المكان : قرية نائية في أطراف محافظة الشرقية ، حديقةُ بيتٍ كبيرٍ مُربعِ الشكل يُحيطها سياجٌ من أشجار الكافور العالية التي تمتد بمحازاة سور الحديقة ليُشكِّلا معًا ثلاتة أضلاعٍ لمربعٍ كبيرٍ كان رابعُ أضلاعه البيتُ المبنيُّ من طابقين ، ويفصل هذه الحديقة عن البيت سورٌ أخرُ صغيرٌ لا يعدو ارتفاعه عن الأرض مترًا واحدًا ، ثم "ڤرندة" مستطيلة الشكل طويلة ، تمتد من بوابة البيت حتى آخر السور الكبير ، تُظِلُّ هذه الـ" ڤرندة " تكعيبة عنبٍ كبيرة ،
وفي أحد أركان الحديقة طلمبة متصلة بموتور يستخدمهما أهل البيت في الحصول على المياه ، حيث لم يكن مرفق المياه قد وصل إلى تلك القرية النائية بعد.
كان البيت لمهندسٍ في وزارة الأشغال والموارد المائية ، وكان يبلغ من العمر في هذه الأثناء ما بلغتُه أنا في اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور..
كان لا يعتاد النوم نهارًا ، إنما _بعد أن يعود من عمله ويتناول الغداء مع أسرته ويصلي العصر_ يدخل الحديقة ليتعهدها برعايته مثلما تتعهد الأم الحنونُ صغيرها ؛ يسقي ما احتاج من نباتها إلى السُّقيا ، ويجمع ما تناثر على أرضيتها من أوراق جافة ، أو ما ألقاه الهواء فيها مما يعكر مِزاج أخضرِها ، أو يقتلع ما شب فيها من نباتٍ غير مرغوب فيه .
ثم بعد ذلك يجلس لقراءة ما حمله في طريق عودته من العمل ، الصحف اليومية ، أو مجلات أسبوعية كان يحرص على قراءتها ، مثل اللواء الإسلامي ، والوعي الإسلامي ، أو الشهرية مثل مجلة الأزهر ، أو مجلة العربي. أو يقرأ في كتاب من الكتب التي كان يحبها.
وفي جلسته هذه للقراءة كنت أنا طفلَهُ الذي جلس إلى جانبه ، ليسأله الوالدُ عما حفظه اليوم في الكُتاب ، وقبل أن أجيبه بادرتُه بسؤالٍ كان يعتمل داخلي منذ رجعت من الكُتاب في الصباح ، والحقُّ أنَّ السؤال كان يشغلني من قبلها بفترة ليست بالقصيرة ، ولكن رغبتي في الحصول على إجابة لسؤالي كانت قد وصلت في هذا اليوم إلى ذروتها..سألته عن الشهادة الدراسية التي يحملها " الأستاذ " كما كنا نناديه نحن تلاميذه ، أو " الحاج عبدالمحسن" كما كان يناديه الكبارُ ( على غير عادة عموم الناس من غير أهل القرية حين ينادون شيخ الكتاب بألقابٍ أخرى من مثل " سيدنا " أو " عم الشيخ" أو ما شابه ) ولعل أبي قد التقط بسرعة بديهةٍ ما دعاني لهذا السؤال فابتسم في رقَّةٍ ، ثم قال لي : ولماذا تسأل هذا السؤال ؟ فقصصت عليه ما كان من حديث "الحاج عبدالمحسن" لي عندما أخطأت في قراءة كلمة ( فتأتيَهم) إذ قرأتُ ياءها ممدودة لينة دون أن أُظهر عليها علامة النصب ...... يتبع

# محمد أبوالعزايم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى