مولود بن زادي - الأديب والإعلامي الإسباني خوان مارسيه كاربو يصور الواقع الاجتماعي الكتالوني!

رحل صبيحة يوم الأحد 19 فبراير/كانون الثاني 2020 الأديب الكتالوني الإسباني خوان مارسيه كاربو في مستشفى سان باو عن عمر 87 عامًا. كان خوان مارسيه أحد أعضاء مجموعة (جيل الخمسينات) إلى جانب كتاب معروفين أمثال خايمي خيل دي بيدما، وخوان جويتيسولو، وكارلوس بارال، وخوان جارثيا أورتيلانو، ومانويل باثكيث مونتالبان، وتيرينسي مويكس، وإدواردو مندوثامن، ويعدُّ إحدى قامات الأدب الإسباني في القرن العشرين.


ابن كتالونيا

ولد خوان فانيكا روكا في مدينة برشلونة بإقليم كتالونيا بإسبانيا يوم 8 يناير/كانون الثاني 1933، ونشأ في منطقة مزدوجة اللغة والثقافة تمتزج بين سكانها الهوية "القشتالية" الناطقة بالإسبانية والهوية "الكتالانية" الناطقة باللغة الكاتالونية. توفت والدته أثناء الولادة حيث تبنته عائلة مارسيه التي حمل اسمها. لم يستطع خوان مارسيه مواصلة مشواره الدراسي حيث غادر المدرسة في سن الثالثة عشرة، وراح يشتغل في ورشة مجوهرات لدعم أسرته. وما لبث أن غادر إسبانيا إلى فرنسا حيث عمل في معهد بالستور، كما عمل مدرسا للغة الإسبانية، ومترجما، قبل عودته إلى إسبانيا لاحقا.


مشوار أدبي عظيم

استهل مارسيه مشواره الأدبي في عام 1958، وهو لم يتعد بعد سن الرابعة عشرة حيث شرع في نشر كتاباته في مجلات أدبية مثل مجلة (إنسولا) Insula ومجلة السينما. وكان في ذلك الوقت يجتهد للتوفيق بين الكتابة والعمل لكسب لقمة العيش وإعالة الأسرة حيث كان يشتغل صانع مجوهرات. وسرعان ما بدأت كتاباته تخطف الأنظار، وهو ما تجسد بفوز إحدى قصصه بجائزة (سيسامو) Sésamo المرموقة.

نجاح هذه الكتابات شجعه على الولوج إلى عالم الرواية، حيث نشر روايته الأولى في عام 1960 بعنوان (محبوسون بلعبة واحدة)

Encerrados con un solo juguete. وقد حققت هذه الرواية نجاحا باهرا منذ البداية حيث تأهلت لجائزة (ببليوتيكا بريفي) وهي جائزة أدبية تمنحها سنويًا مؤسسة النشر (سيس بارال) في شهر فبراير/شباط لرواية غير منشورة باللغة الإسبانية، وتبلغ قيمة الجائزة 30.000 يورو، فضلا عن نشر العمل الفائز. تروي (محبوسون بلعبة واحدة) قصة أطفال ينتمون إلى الطبقة المتوسطة في المجتمع الإسباني، من أبناء العائلات التي عانت من ويلات الحرب الأهلية. تدور أحداث القصة في فترة ما بعد الحرب، وتسلط الأضواء على فئة من الشباب خاب أملهم في واقع أفرزته الحرب التي شنها آباؤهم، ولم يكن لهم دخل فيها، والتي لم تسمح لهم بصقل هويتهم الخاصة وتحقيق طموحاتهم وأهدافهم.


تصوير الذاكرة التاريخية

توثق مؤلفات خوان مارسيه الذاكرة الحية للبيئة التي نشأ فيها وترصد بدقة وتفصيل الواقع الاجتماعي ومعاناة الإنسان. وتكشف كتاباته عن قدرة الكاتب الفائقة على تصوير التحولات الاجتماعية التي عاشتها إسبانيا أواخر القرن الماضي، مصورة بدقة متناهية جزيئات هذا الواقع المثقل بالصراعات والتناقضات والهموم الاجتماعية. كتب خوان مارسيه بأسلوب ممتع وشيق، تتدفق فيه المعاني بزخم وانسيابية، مع ثراء التعابير المفعمة بالصور البيانية. كتابات خوان مارسيه ترحل بنا إلى إسبانيا، وبالتحديد إلى مدينة برشلونة، في حقبة ما بعد الحرب الأهلية (1936-1939)، فنلمس من خلالها آثار هذه الحرب المادية والنفسية وانعكاساتها في حياة المواطن الكتالوني. أعمال خوان مارسيه تتسم أيضا بتنوع الشخصيات في إطارها الحكائي، وهي شخصيات مأخوذة من سياق الواقع المعيش، نابعة عن احتكاك المؤلف بالمجتمع وهو الكاتب المخضرم الذي عاش حقبتين مختلفتين، قبل الحرب وبعدها، وشهد التأثيرات السلبية للحرب الأهلية والتحولات العميقة التي عرفتها إسبانيا بعد هذه الحرب، والتي كان لها عميق الأثر في صقل فكره وبلورة أدبه. وقد وظف الكاتب في رواياته شخصيات من بيئات متعددة، انطلاقا من الحي الأكثر فقرا إلى البيئة البرجوازية الكتالونية.


متعدد النشاطات

لم يكن مارسيه روائيا وصحفيا فحسب بل أيضا مترجما ساهم في ترجمة العديد من السيناريوهات. وكان نفسه كاتب سيناريو، وهو من كتب سيناريو (القصة الغامضة لابنة العم مونتس) La oscura historia de la prima Montse

وكتب أيضا قصة (إذا أخبروك أنني سقطت) Si te dicen que caí التي نشرها في المكسيك بسبب الرقابة الفرنسية آنذاك. وكان لهذه القصة صدى واسع بعد أن فازت بجائزة الرواية الدولية.

ومع أنّ خوان مارسيه بدأ الكتابة في سن مبكرة إلاَّ أنه لم يحقق شهرة عالمية واسعة إلاَّ بعد نشر رواية (الأمسيات الأخيرة مع تيريزا)

Últimas tardes con Teresa عام 1965، وتعدُّ اليوم من أبرز أعماله. تروي هذه القصة سوء المغامرة لمراهق من الطبقة العاملة البسيطة يسعى لكسب فتاة من الأوساط الثرية الراقية في برشلونة.


سجل حافل بالجوائز

يعتبر خوان مارسيه اليوم واحدًا من أعظم الرواة الإسبان المعاصرين وقد تم تقديمه مرارًا وتكرارًا مرشحًا خارجيًا لجائزة نوبل للأدب. وإن لم يفز بجائزة نوبل العالمية فقد فاز بالعديد من الجوائز المرموقة مثل جائزة بلانيتا للروايات المكتوبة باللغة الإسبانية (1978)، وجائزة النقاد القشتاليين (1993)، والجائزة الوطنية للرواية (2001)، وجائزة النقاد القشتاليين (2001).

وفي عام 2008، نال خوان مارسيه جائزة ثيربانتس وهي أكبر جائزة أدبية إسبانية، أطلقت عام 1976، وتعد أعلى تكريم أدبي للكاتب باللغة الإسبانية عن مجمل إنجازاته. وتهدف هذه الجائزة إلى تقييم أعمال الأدباء الذين يكتبون بالإسبانية وإسهاماتهم العظيمة في إثراء التراث الثقافي الإسباني والإرث الأدبي العالمي.


من رواد الأدب الواقعي

رحل خوان مارسيه مخلِّفا إرثا أدبيا واقعيا زاخرا مثقلا بالهم الاجتماعي في إسبانيا ما بعد الحرب الأهلية، بكل ما حملته هذه الحرب من أبعاد نفسية وفكرية وشعورية ومادية على منوال كتاب (العاشق مزدوج اللغة) The Bilingual Lover إصدارات عام 1993، الذي صوّر فيه أزمة اللغة والهوية في منطقة كتالونيا وصراع الهويتين "القشتالية" الناطقة بالإسبانية و"الكتالانية" الناطقة بالكاتالونية. ولا تكاد أعمال خوان مارسيه تخلو من الواقع الاجتماعي الذي نلمسه في مختلف أعماله وصولا إلى رواية (هذه العاهرة المميزة)

Esa puta tan distinguida التي اختتم بها مشواره الروائي عام 2016، وهي انعكاس للذاكرة الشخصية للأديب والذاكرة الجماعية معا، صوّر لنا من خلالها ما عاشه في برشلونة أثناء طفولته، وجمع فيها ذكرياته الخاصة وأبرز ذكريات في سجل التاريخ الإسباني وحقبة ما بعد الحرب ونظام فرانكو وما تبع ذلك من تحولات ديمقراطية في إسبانيا.



مولود بن زادي – أقلام مهاجرة حرة بريطانيا


1595524029644.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى