لا يمر يوم على )وحيد( إلا ويجلس فيها معاتبا نفسه على اختياره لمكان إقامة منزله النائي عن البلدة. لكن ماذا كان بمقدوره أكثر من ذلك! لم يكن معه مالٌ كافٍ لحرية الاختيار، ورغم نصائح البعض له لعلمهم بتاريخ تلك الأرض بكونها كانت مقابر في الماشي وتم تسويتها إلا إنه قرر شراءها.. وأقام بيتا يمارس فيه الحياة فوق أرض محشوة بأجساد الموتى، الجميع يتشاءمون من زيارته ويعتبرون القيام بذلك فألا سيئا. وكان رفقاؤه يمزحون معه دائما:
«سوف نأتي لك في الأعياد»
فكان يضطر للذهاب إليهم دوما ثم يعود لحفظ جسده في منفاه الذي شيده بإرادته. محملة رأسه بالأسئلة لماذا يخشى الأحياء الأموات؟ لماذا كل هذا الرعب من الاقتراب منهم؟ يظل هكذا حتى يخلد للنوم وتعبئ السماء أسودها بنور الصباح، فيخرج لشرفته يستنشق هواء معبأ بذرات أبدان خلق الله، ثم يقرأ الفاتحة لأرواحهم ويطلب لهم المغفرة من دون سابق معرفة.
ذات يوم طُرق بابه.. فزع لوهلة؛ لأن هذا لم يحدث من قبل، اقترب من الباب في توجس متسائلا «من الطارق؟» أجابه صوت ناعم: «أنا روحية »
مد يده إلى المقبض وفتح الباب بهدوء، فإذا بمرأة هادئة الملامح مبتسمة تسأله: «هل هذا منزل الحاجة وفاء» أجابها بالنفي ووجهه مبتسم. أما هي فقد بدت عليها ملامح اليأس، وسألته: «هل تستطيع أن تدلني عليه» أجاب: «في الحقيقة أنا لا أختلط بأحد كي أعرف »استأذنته أن يحضر لها كوب ماء فلقد مرت ساعات طويلة وهى تبحث عن منزل الحاجة وفاء.. فدعاها للدخول لتستريح قليلا إن أحبت .رحبت روحية بالفكرة، ودخلت المنزل على استحياء. يحضر وحيد الماء ويدعوها للجلوس محدثا نفسه: «آه لو علمت على أي أرض تجلسين لفررت مثل الجُرَذِ المذعور من هرة» تلف )روحية( نظرها بالمنزل وتعبر عن إعجابها به: «منزلك رائع ويعج بالحيوية والهدوء ،حتى حديقة المنزل مزهرة بشكل مبهج.. يبدو أنك تهتم بها كثيرا» يجيبها مبتسما: «أجل فكل أسمدتها طبيعية» تنظر إليه باستحياء وتسأله:
«إذا فكرت ببيعه سأكون أول من يقدم على شرائه»
يصمت للحظة ويفكر ويقول في نفسه: «هذه فرصتك يا وحيد وللتخلص منه لا تفوتها، لن تعوض ذلك العرض» يجيبها: «في الحقيقة أنا فعلا كنت على وشك بيعه لكن السعر لم يعجبني فغيرت رأيي» سألته: «كم تطلب فيه» فيجيبها: «ألن تشاهديه أولا قبل أن تقرري شراءه؟» قالت: «الجواب يظهر من عنوانه، فالمساحة تبدو مناسبة لشخص يسكن وحده وأنا سأعيش هنا وحدي» ارتبك وقرر أن يصارحها، فقد شعر بمرارة وحدته هنا وكان يظن أنها ستسكن مع أسرة تؤنسها فقال بصوت متحشرج: «أريد أن أعلمك أمرا قبل أن تقرري شراءه، هذا المنزل مشيد على مقابر، وكما تعلمين لا يفضل الكثيرون هذا الأمر، والبعض أيضا يشعر بالخوف» يصمت منتظرا إجابتها. تمط حروفها قائلة: «في الحقيقة لا أرى داعيا إلى هذه المخاوف» يرجع إلى الوراء مستندا على ظهر المقعد بارتياح متعجبا .
18
تكمل حديثها: «ماذا يمكن أن يفعل الموتى بالأحياء؟ هل سمعت يوما عن ميت سرق جثة حي ليقيم عليها تجاربه الطبية والتشريحية؟ الموتى يا سيدي اكتفوا من الحياة فلا صراعات أو منازعات، ما يجب أن يخشاه الأحياء الأحياء أنفسهم» قال لها )وحيد(: «اسمحي لي أن أحييك على وجهة نظرك التي هي وجهة نظري أيضا» سألته: «ولماذا تفكر في بيعه ما دمت مقتنعا بهذا؟!» أجابها بسرعة: «لبعده عن مكان عملي» قالت: «هذا من حظي»
نهضت من مقعدها بهدوء وقالت له: «اتفقنا» ثم مدت يدها لتصافحه فمد يده ليصافح الهواء.
«سوف نأتي لك في الأعياد»
فكان يضطر للذهاب إليهم دوما ثم يعود لحفظ جسده في منفاه الذي شيده بإرادته. محملة رأسه بالأسئلة لماذا يخشى الأحياء الأموات؟ لماذا كل هذا الرعب من الاقتراب منهم؟ يظل هكذا حتى يخلد للنوم وتعبئ السماء أسودها بنور الصباح، فيخرج لشرفته يستنشق هواء معبأ بذرات أبدان خلق الله، ثم يقرأ الفاتحة لأرواحهم ويطلب لهم المغفرة من دون سابق معرفة.
ذات يوم طُرق بابه.. فزع لوهلة؛ لأن هذا لم يحدث من قبل، اقترب من الباب في توجس متسائلا «من الطارق؟» أجابه صوت ناعم: «أنا روحية »
مد يده إلى المقبض وفتح الباب بهدوء، فإذا بمرأة هادئة الملامح مبتسمة تسأله: «هل هذا منزل الحاجة وفاء» أجابها بالنفي ووجهه مبتسم. أما هي فقد بدت عليها ملامح اليأس، وسألته: «هل تستطيع أن تدلني عليه» أجاب: «في الحقيقة أنا لا أختلط بأحد كي أعرف »استأذنته أن يحضر لها كوب ماء فلقد مرت ساعات طويلة وهى تبحث عن منزل الحاجة وفاء.. فدعاها للدخول لتستريح قليلا إن أحبت .رحبت روحية بالفكرة، ودخلت المنزل على استحياء. يحضر وحيد الماء ويدعوها للجلوس محدثا نفسه: «آه لو علمت على أي أرض تجلسين لفررت مثل الجُرَذِ المذعور من هرة» تلف )روحية( نظرها بالمنزل وتعبر عن إعجابها به: «منزلك رائع ويعج بالحيوية والهدوء ،حتى حديقة المنزل مزهرة بشكل مبهج.. يبدو أنك تهتم بها كثيرا» يجيبها مبتسما: «أجل فكل أسمدتها طبيعية» تنظر إليه باستحياء وتسأله:
«إذا فكرت ببيعه سأكون أول من يقدم على شرائه»
يصمت للحظة ويفكر ويقول في نفسه: «هذه فرصتك يا وحيد وللتخلص منه لا تفوتها، لن تعوض ذلك العرض» يجيبها: «في الحقيقة أنا فعلا كنت على وشك بيعه لكن السعر لم يعجبني فغيرت رأيي» سألته: «كم تطلب فيه» فيجيبها: «ألن تشاهديه أولا قبل أن تقرري شراءه؟» قالت: «الجواب يظهر من عنوانه، فالمساحة تبدو مناسبة لشخص يسكن وحده وأنا سأعيش هنا وحدي» ارتبك وقرر أن يصارحها، فقد شعر بمرارة وحدته هنا وكان يظن أنها ستسكن مع أسرة تؤنسها فقال بصوت متحشرج: «أريد أن أعلمك أمرا قبل أن تقرري شراءه، هذا المنزل مشيد على مقابر، وكما تعلمين لا يفضل الكثيرون هذا الأمر، والبعض أيضا يشعر بالخوف» يصمت منتظرا إجابتها. تمط حروفها قائلة: «في الحقيقة لا أرى داعيا إلى هذه المخاوف» يرجع إلى الوراء مستندا على ظهر المقعد بارتياح متعجبا .
18
تكمل حديثها: «ماذا يمكن أن يفعل الموتى بالأحياء؟ هل سمعت يوما عن ميت سرق جثة حي ليقيم عليها تجاربه الطبية والتشريحية؟ الموتى يا سيدي اكتفوا من الحياة فلا صراعات أو منازعات، ما يجب أن يخشاه الأحياء الأحياء أنفسهم» قال لها )وحيد(: «اسمحي لي أن أحييك على وجهة نظرك التي هي وجهة نظري أيضا» سألته: «ولماذا تفكر في بيعه ما دمت مقتنعا بهذا؟!» أجابها بسرعة: «لبعده عن مكان عملي» قالت: «هذا من حظي»
نهضت من مقعدها بهدوء وقالت له: «اتفقنا» ثم مدت يدها لتصافحه فمد يده ليصافح الهواء.
مَنْزِل وَحِيد..قصة : عزة رياض
لا يمر يوم على )وحيد( إلا ويجلس فيها معاتبا نفسه على اختياره لمكان إقامة منزله النائي عن البلدة. لكن ماذا كان بمقدوره أكثر من ذلك! لم يكن معه مالٌ كافٍ لحرية الاختيار، ورغم نصائح البعض له لعلمهم بت…
sadazakera.wordpress.com