لا أحد يعلم كم يمضي عليه من وقت وهو جليس الجسر، كيف ينمو الليل على شرفة روحه ، وهو يتابع الأضواء المتوهجة هناك ،وأصوات لا يكاد يميزها لكنه موقن أنها تتلألأ من هناك و تناديه ،والحياة التي تتوقف ليلا حتى يفرغ الجسر القديم من هواء الليل ويستقبل الفجر بموعد جديد.
كل من يمر بالجسر ينخلع قلبه من الضباب المحيط به ،و الأصوات المفزعة التي يحدثها تلاطم الموج أسفله ،و هذا اللون الأسود الغريق الذي يدثره ،أو هكذا يخيل إليهم رغم سكون الموج و ركود حركته ، لا أحد يعلم بالتحديد متى ظهر هذا الجسر و لا من أقامه ، و الحديث الذي يتوقف على شفاه الكبار والمسنين إذا ما تجرأ أحدٌ من الصغار وسأل ،إلى أين يمضي هذا الجسر و إلى أين يصل طرفه الآخر ؟ يزيد من غموض هذا المكان الذي كأنه نبت فجأة في قريتهم ، يبدو أن الكبار أنفسهم لا يعلمون عنه شيئا ،و ما صمتهم أمام أسئلة الصغار إلا صمت متوارث جيلا بعد جيل .
من يستقبلهم الجسر يوميا لا يستطيعون العبور سوى خطوات دائرية فوق ممشاه ،بالكاد يعدون خطواتهم على أصابع اليد الواحدة ،ويصيبهم فزع شديد وتتصبب ملامحهم خوفا لمرأى امرأة منكوش شعرها ،تجر طفلا صغيرا في يدها ،وتغرق به خلف الضباب المحيط بالجسر ، لكن أحدا لم يتكلم يوما مع تلك المرأة أو يؤكد أنه شاهدها بالفعل لحما و دما ، جميعا يصفون شعرها الليلي الطويل ،والظلام حول عينيها و وجهها الشاحب غرقا في بياض مخيف و يصمتون عندما يتساءلون لماذا لم ينادها أحد من قبل أو يمضي خلفها ، والشباب يرمون بعضهم بعضا بالجبن أمام حضورها الذي لا يستغرق سوى لحظات لكن كأنها الدهر. الأمهات تقول إنها سبب ضيق الأرزاق في هذه البلدة ،ويحذرن أولادهنَّ من الاقتراب منها أو الحديث عنها ، تكاد حكاية هذه المرأة أن تكون فزاعة يستخدمونها عند النهي عن أمر لا يودون حدوثه .
لم يعد الآن أحدٌ يستغرب توقفه الدائم بالجسر ليلا أو صمته المحدق في وجه الضباب ، في بدء الأمر كانت دموعه التي لا تصمت تستحوذ على أفكارهم و تمتمات كلماته التي لم يستوعبوا شيئا منها يوما ، كانت دائما محل تأويل و تفسير البسطاء ولا أحد يصل لأمر حازم بشأنه ، فكما لا أحد يعلم سر هذا الجسر لا أحد يعلم سر هذا القابع أمام الجسر يظهر ليلا جالسا متأملا لأضواء يشير لهم عنها لكنهم لا يرون ما يصفه و الأصوات وحده من يسمعها ، جميعهم حدثه عن تلك المرأة التي يرونها تخرج من الضباب ،تجرّ في يدها طفلا صغيرا، ووحده الذي ينفي رؤيتها و يجيبهم عنها بعبرات لا يكادون يفهمون منها شيئا ،غير مزيد تفاسير لا طائل لها.
متى حضر إلى قريتهم لا أحد يعلم ؟ ماذا يعمل و بأي صنعة يشتغل و يملأ نهاره إذ يمضي ليله قابعا على طرف الجسر ؟ هم فجأة وجدوه ؛ وهو من نبَّههم إلى هذا الجسر المهمل ، أين كان هذا الجسر ؟ و كيف لم يلتفتوا إليه قبلا ؟ ، كأن هذا الجسر كان مختبئا بين الأحراش و بظهور الغريب ظهر الجسر واضحا أمام أعينهم أو ظهر الجسر ليظهر معه الغريب.
الخوف يجعلهم يربضون في بيوتهم بدءاً من نزوح الشمس عن جانب الجسر فيلزم كل واحد منهم بيته حتى يدق الفجر نوافذهم ، والحياة تسير رتيبة كأن عجلة الفلك ربطت أجسادهم في آلية عمل لا يتوقفون أمامه ، فجرا يخرجون جميعا باتجاه الأرض ، نهارا يبذرون و يحرثون و يسقونها ، و نساؤهم يحصين الأطفال كما يحصين أجولة الحصاد ، تمتلئُ القرية كل عام بحصاد جديد من الأرض ومن النساء ، دائما يرددون : نعمل من أجل أطفالنا حين يكبرون ، لنوفر لهم ما يأكلون و الجفاف القادم لابد له من حيلة ، والسماء بعيدة حين نمد إليها أيدينا بالبذور فلا تنصت لنا بالكاد تجيبنا ببضع زخات ، من أين للسماء بدموعها و هذا الضباب يغلف سماء القرية و لا ينزح عن أنفاسهم حتى مع الدعوات و الصلوات.
كان ظهور هذا الغريب حدثا أخرجهم عن دائرة الرتابة و فتح شهيتهم لأحاديث جديدة و تفاسير مطروحة من الجميع عن أصله و بلده و من أين هبط إليهم ، ذات ليل وجدوه مزروعا أمام الجسر الذي ظهر معه و لم يكن أحدٌ من قبل يعلم عن وجوده ، أتى هذا الغريب بالجسر و بالضباب و بهذه المرأة التي تجرجر طفلا في يديها ثم نهارا يغيب الجميع و تزداد كثافة الضباب حول الجسر كأنه يختبىء عن عيون الفضوليين .
ذات ليلة شهق الجميع على إثر صيحة مدوية ، هرعوا إلى خارج بيوتهم تاركين كل الخوف جانبا و لعله هو نفسه الفزع الذي تملَّكهم حين شاهدوا الغريب يصحب المرأة التي تجرجر طفلا في يديها و يرحلون من فوق الجسر الذي بدا لأول مرة واضح التفاصيل و لأول مرة يرون إلى أين يؤدي ممشاه الطويل و يسمعون أصواتا كان يتمتم بها و لا يصدقون ،،، يغادر الغريب مع المرأة و الطفل و الضباب و الجسر تاركين القرية بكل ساكنيها جاثين على ركب الفزع و صيحة عظيمة حصدت أرواحهم.
كل من يمر بالجسر ينخلع قلبه من الضباب المحيط به ،و الأصوات المفزعة التي يحدثها تلاطم الموج أسفله ،و هذا اللون الأسود الغريق الذي يدثره ،أو هكذا يخيل إليهم رغم سكون الموج و ركود حركته ، لا أحد يعلم بالتحديد متى ظهر هذا الجسر و لا من أقامه ، و الحديث الذي يتوقف على شفاه الكبار والمسنين إذا ما تجرأ أحدٌ من الصغار وسأل ،إلى أين يمضي هذا الجسر و إلى أين يصل طرفه الآخر ؟ يزيد من غموض هذا المكان الذي كأنه نبت فجأة في قريتهم ، يبدو أن الكبار أنفسهم لا يعلمون عنه شيئا ،و ما صمتهم أمام أسئلة الصغار إلا صمت متوارث جيلا بعد جيل .
من يستقبلهم الجسر يوميا لا يستطيعون العبور سوى خطوات دائرية فوق ممشاه ،بالكاد يعدون خطواتهم على أصابع اليد الواحدة ،ويصيبهم فزع شديد وتتصبب ملامحهم خوفا لمرأى امرأة منكوش شعرها ،تجر طفلا صغيرا في يدها ،وتغرق به خلف الضباب المحيط بالجسر ، لكن أحدا لم يتكلم يوما مع تلك المرأة أو يؤكد أنه شاهدها بالفعل لحما و دما ، جميعا يصفون شعرها الليلي الطويل ،والظلام حول عينيها و وجهها الشاحب غرقا في بياض مخيف و يصمتون عندما يتساءلون لماذا لم ينادها أحد من قبل أو يمضي خلفها ، والشباب يرمون بعضهم بعضا بالجبن أمام حضورها الذي لا يستغرق سوى لحظات لكن كأنها الدهر. الأمهات تقول إنها سبب ضيق الأرزاق في هذه البلدة ،ويحذرن أولادهنَّ من الاقتراب منها أو الحديث عنها ، تكاد حكاية هذه المرأة أن تكون فزاعة يستخدمونها عند النهي عن أمر لا يودون حدوثه .
لم يعد الآن أحدٌ يستغرب توقفه الدائم بالجسر ليلا أو صمته المحدق في وجه الضباب ، في بدء الأمر كانت دموعه التي لا تصمت تستحوذ على أفكارهم و تمتمات كلماته التي لم يستوعبوا شيئا منها يوما ، كانت دائما محل تأويل و تفسير البسطاء ولا أحد يصل لأمر حازم بشأنه ، فكما لا أحد يعلم سر هذا الجسر لا أحد يعلم سر هذا القابع أمام الجسر يظهر ليلا جالسا متأملا لأضواء يشير لهم عنها لكنهم لا يرون ما يصفه و الأصوات وحده من يسمعها ، جميعهم حدثه عن تلك المرأة التي يرونها تخرج من الضباب ،تجرّ في يدها طفلا صغيرا، ووحده الذي ينفي رؤيتها و يجيبهم عنها بعبرات لا يكادون يفهمون منها شيئا ،غير مزيد تفاسير لا طائل لها.
متى حضر إلى قريتهم لا أحد يعلم ؟ ماذا يعمل و بأي صنعة يشتغل و يملأ نهاره إذ يمضي ليله قابعا على طرف الجسر ؟ هم فجأة وجدوه ؛ وهو من نبَّههم إلى هذا الجسر المهمل ، أين كان هذا الجسر ؟ و كيف لم يلتفتوا إليه قبلا ؟ ، كأن هذا الجسر كان مختبئا بين الأحراش و بظهور الغريب ظهر الجسر واضحا أمام أعينهم أو ظهر الجسر ليظهر معه الغريب.
الخوف يجعلهم يربضون في بيوتهم بدءاً من نزوح الشمس عن جانب الجسر فيلزم كل واحد منهم بيته حتى يدق الفجر نوافذهم ، والحياة تسير رتيبة كأن عجلة الفلك ربطت أجسادهم في آلية عمل لا يتوقفون أمامه ، فجرا يخرجون جميعا باتجاه الأرض ، نهارا يبذرون و يحرثون و يسقونها ، و نساؤهم يحصين الأطفال كما يحصين أجولة الحصاد ، تمتلئُ القرية كل عام بحصاد جديد من الأرض ومن النساء ، دائما يرددون : نعمل من أجل أطفالنا حين يكبرون ، لنوفر لهم ما يأكلون و الجفاف القادم لابد له من حيلة ، والسماء بعيدة حين نمد إليها أيدينا بالبذور فلا تنصت لنا بالكاد تجيبنا ببضع زخات ، من أين للسماء بدموعها و هذا الضباب يغلف سماء القرية و لا ينزح عن أنفاسهم حتى مع الدعوات و الصلوات.
كان ظهور هذا الغريب حدثا أخرجهم عن دائرة الرتابة و فتح شهيتهم لأحاديث جديدة و تفاسير مطروحة من الجميع عن أصله و بلده و من أين هبط إليهم ، ذات ليل وجدوه مزروعا أمام الجسر الذي ظهر معه و لم يكن أحدٌ من قبل يعلم عن وجوده ، أتى هذا الغريب بالجسر و بالضباب و بهذه المرأة التي تجرجر طفلا في يديها ثم نهارا يغيب الجميع و تزداد كثافة الضباب حول الجسر كأنه يختبىء عن عيون الفضوليين .
ذات ليلة شهق الجميع على إثر صيحة مدوية ، هرعوا إلى خارج بيوتهم تاركين كل الخوف جانبا و لعله هو نفسه الفزع الذي تملَّكهم حين شاهدوا الغريب يصحب المرأة التي تجرجر طفلا في يديها و يرحلون من فوق الجسر الذي بدا لأول مرة واضح التفاصيل و لأول مرة يرون إلى أين يؤدي ممشاه الطويل و يسمعون أصواتا كان يتمتم بها و لا يصدقون ،،، يغادر الغريب مع المرأة و الطفل و الضباب و الجسر تاركين القرية بكل ساكنيها جاثين على ركب الفزع و صيحة عظيمة حصدت أرواحهم.