أ. د. عادل الاسطة - امتياز دياب ومحمود درويش: " ميلاد الكلمات" ٢٠١٩

حسنا فعلت امتياز دياب بنشر كتاب " ميلاد الكلمات " ٢٠١٩ الذي يضم رسائل كتبها درويش قبل العام ١٩٧٠ إلى أصدقائه وصديقاته ورسائل تلقاها منهم ، ويضم صورا ، له ولقسم منهم ، وشهادات أصدقاء الشاعر فيه كما عرفوه قبل هجرته.
ولا أدري إن كان الشاعر سيرضى عما فعلته امتياز دياب ، فهو لم ينظر بعين الرضا لكثير من أشعاره المبكرة وحذف منها ديوانه الأول وقصائد عديدة من " أوراق الزيتون " ١٩٦٤ و " عاشق من فلسطين " ١٩٦٦ ودواوين أخرى . ولم ينظر بعض إخوته بعين الرضا إلى نشر الكتاب " ميلاد الكلمات " ، كما أن الملاحظات التي دونتها على صفحة الفيس بوك الخاصة بي أثارت جدلا بين القراء الذين انقسموا بين مؤيد ومعارض ، لدرجة طلب مني قسم من القراء أن أترك الشاعر يستريح في قبره ، وأضاف آخر أننا ظلمنا درويش في حياته وموته .
ما تجدر الإشارة إليه ابتداء هو أنني شخصيا أكتب عن الشاعر بمقدار ما تجيزه لي المناهج النقدية ، وأنني أستطيع ان أدافع عما أكتب عدا أنني أكتب عن أشعار الشاعر نقدا " متعاطفا " ، فأنا قاريء تروق له أشعاره حتى ليمكن القول إنه واحد من شعرائي المفضلين ، إن لم يكن أفضلهم .
الاهتمام بكتابات الشاعر الأولى والمبكرة تكمن في صلب بعض المناهج النقدية وفي صلب النقد الأدبي الغربي قبل شيوع البنيوية والتفكيكية والمناهج النصية ، وهي مهمة جدا للدارسين والأدباء الشباب ، فالدارسون يعتمدون عليها في تتبع مسيرة الشاعر منذ بداياته ويرصدون تطوراته فكريا وجماليا ، والشباب يستمدون منها العزم لمواصلة طريقهم الأدبي إذ يدركون أن الكاتب - إلا من ندر - لا يولد مكتملا ، وإنما " يولد على دفعات " ، وهي عبارة الشاعر .
لقد أفدت من الكتاب مبدئيا في إضاءة قصائد الشاعر عن علاقته بالفتيات اليهوديات . وفي قراءة بعض القصائد قراءة جديدة تخالف قراءات أنجزها النقاد العرب ورسخت في أذهان متلقي شعر درويش .
في الفصل الثالث الذي عنوانه " رسائل حب من وإلى محمود درويش
رسائل تمار بن عامي " نقرأ رسالة مختصرة " بليغة ورفيعة المستوى " من " شولا " ، والوصف لامتياز التي أضافت " نحن لا نملك معلومات عمن هي شولا هذه " ونص الرسالة :
" أيها الشاب الغالي ، سعيدة كنت بمعرفتك ،
موجوعة أنا لفراقك ،
في الحقيقة هل للكلمات من تأثير؟ "
وتاريخ الرسالة ٢٤ / ٣ /٦٧ .
و" شولا " هي ( شولميت ) التي كتب عنها الشاعر قصيدة طويلة أورد فيها الاسمين " شولا " و ( شولميت ) ، وتلخص حكايتها مع الشاعر ومع صديقها الجندي سيمون ، وقد أتيت عليها من قبل في كتابين . " شولا "منفتحة وتكره الحرب والعنصرية وترى في القوميات كلها قشرة موز ، وفي أثناء غياب سيمون في الجبهة تتعرف إلى محمود وتعجب بمنطقه وتقع في حبه ولا ينجح صديقها في إنقاذها من محمود ، وعدا " شولا " فإن " ميلاد الكلمات " يطلعنا على علاقة الشاعر بتمار بن عامي ، و يذكر ( ايرينا ) التي خصها بقصيدة . وأغلب الظن أنها ريتا التي شاع اسمها ، والتفتت امتياز إلى رواية توفيق فياض حول الموضوع . وأما الجانب الثاني ففيه
يقدم الكتاب ، بخط الشاعر ، الصياغات الأولى لبعض القصائد والتعديلات المجراة عليها ، وهذا يخدم الناقد التكويني ، وهو أصل كتابي " جدل الشعر والسياسة والذائفة ؛ دراسة في ظاهرة الحذف والتغيير في أشعار محمود درويش " (٢٠١٢ / ٢٠٠٠ ) ، والنقد التكويني منهج فرنسي درس الفرنسيون اعتمادا عليه روايات ( بلزاك ) . إن قصيدة " عن حب قديم " ظهرت في الكتاب بصياغتين تختلفان عن صيغة " عاشق من فلسطين " وهذا يمكننا من تقديم قراءة جديدة للقصيدة .
الصياغة الأولى كان عنوانها " عن حب قديم " ونصها :
" على الأنقاض ، وردتنا
ووجهانا على الرمل
إذا مرت رياح الصيف
أشرعنا المناديلا
على مهل ... على مهل وغبنا طي أغنيتين كالأسرى
لنشرب قطرة الطل
تعالي مرة في الظن يا أختاه
إن أواخر الليل
تغريني من الألوان والذل
وفي عينيك ، يا قمري القديم
يشدني أصلي
إلى إغفاءة زرقاء
تحت الشمس والنخل !
بعيدا عن دجى المنفى
قريبا من حمى أهلي ".
وأما الثانية فكان عنوانها " ايرينا " :
" على الأنقاض ، وردتنا
ووجهانا على الرمل
رأيتك تلعبين النرد في مقهى
وكنت ألوب في الظل
تعالي ! إن في عينيك
شيئا يشتهي ذلي وشديني إلى زنديك شديني أسيرا آخر الليل مدينتكم تدحرجني حنينا
ضائع الأهل
على الأنقاض ، وردتنا ووجهي غاص في الظل من الأنقاض فر الليل
هذا الصوت من غابة ". ويتبع الصيغتين عبارة
" أبيعك كأس " واسم " ايرينا " .
والقصيدة التي كتب إن الضمير فيها يعود إلى فلسطين أو امرأة فلسطينية وحد الشاعر فيها بين المرأة والأرض هي هنا مكتوبة بالأصل لفتاة يهودية ، يقترب اسمها من ( ايريت ) التي يذهب توفيق فياض إلى أنها ريتا .
سألت الفرنسية ( لير ادلير ) الشاعر عن ريتا فأجابها بأنه اسم مجازي وأنه عرف عدة فتيات يهوديات ( انظر دراستي : " بين ريتا وعيوني بندقية " في كتابي " أدب المقاومة " ١٩٩٨ ) .
والكتابة تطول .

الاربعاء الخميس والجمعة والسبت ٢٤و -٢٨ أيلول ٢٠١٩



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى