عمرو الشيخ - السّحابُ تاريخُ ميلادي.. شعر

إهداءٌ إلى الشتاء و فريدة ..
..

ابنُ الصّيف العاقُّ أنا
و فخورٌ جدّاً بعقوقي
خدعتني أمي صيفاً
ذات شتاءٍ في حُلمٍ كان يطاردني إذ كنتُ جنيناً
و بكلّ سذاجة مولودٍ غرٍّ ..
قذفتني لهفتُهُ - بحراسة أمي - آخر يوليو
هذا ميلادي الخطأُ الجاثمُ فوق تواريخي الصيفية زوراً
أُنكرُهُ
و لذلك ..
أولدُ كلّ شتاءٍ
قابلتي حُلمي غيرُ المكتمل
تعرفني رائحةُ المطر
تخبرُني سرّاً أنّي بعد هُنيهاتٍ أولدُ
تصطفُّ بباب الحُلم سحاباتٌ
تُرضعُني كلٌّ منها برذاذٍ مثل السرسوب
يُعيدُ لمومياوات الشعر طفولتها
تنقشُ فوق عيوني قطراتٍ
و على عدسات النظارة
ترسُمُ بالماء إلى النور ممراتٍ
كي يرقص نشوانا
تنكشفُ طواعيةً شفرةُ أشعاري ،
تنفلتُ سنابلُ قلبي من معتقل الصيف الأصفر
و ككلّ سجينٍ ..
تنفرطُ الممنوعاتُ و إفراجٓ المطر :
عصافيرُ ، و سبعُ سماواتٍ كاملةٍ تستقبلُ مني الدعوات بلا شرطٍ ، و الفقراءُ طوابيرُ ، فقلبي سيوزّع دفء محبته ..
تنفتحُ ميادينُ بشعري :
تنتصبُ مقاهٍ تحرسُها أشجارٌ تؤنسُها توقيعاتُ العُشّاق كتذكارٍ لا يهدأُ عطراً
فأجالسُ أحباباً رحلوا
كيف لأبخرة الشايّ شتاءً أن تجمعني في المقهى و " المتنبي " و " حليم " و " عبد القاهر " و " ابن عروسٍ " و " بليغ " و " دنقل " و " المنشاويّ " و " بيبو " ؟!
أُبصرُني طفلاً بحذاءٍ جلديٍّ يبلُغُ منتصف الساق عسى يحميني ..
صنعوه خصّيصاً لحماية أقدام الحمقى من المطر !
أو يحمي المطر القادم عبر بحارٍ و رياحٍ و سحابٍ
أن تلمسٓهُ أقدامُ الجبناء البلهاء
أُبصرُني طفلاً يتخوّٓضُ في الماء سعيداً
مُنتشياً
حتى يصل الماء إلى جوف حذائي
و يوشوشٓهُ :
أمُّك في البيت ستضربُك
- تضربُني .
بللتٓ المريلةٓ الصفراءٓ ، و لبسٓ الألعاب بأسفلها
- تضربُني .
كتب المدرسة هي الأخرى غرقت
تضربُني
أنا لا أهتمُّ نهائيّاً ..
و أعودُ صباحاً كي أُثبت مزهّواً
نسبي للمطر
........
...........
أُبصرُني شابّاً
تغريه قصائدُهُ بالحبّ ،
و تغري الحبّ و هنّ به
حدّثهنّ كثيراً عن قصّته تحت الأمطار
و كيف تُوضّأُ كلُّ خلاياه و تُصلّي شعراً و حياةً تحت المطر
لكن - و بدون مبالغةٍ - يُسكرُهنّ حديثي
ينسدل الشّٓعرُ حريراً جنب عيونٍ ناعسةٍ ، فوق خدودٍ راقصةٍ ،
كُنّا على وشك القبلة ..
و البحرُ لئيمٌ جدّاً
يعطيني امرأةً تلو امرأةٍ
لا يخشين سوى المطر !
ستسيلُ الألوانُ ، و تفسدُ مكواة الشّٓعر
فأخلعُ بسذاجة ريفيٍّ مسكوناً ممتلئاً
بشهامة "كاظم" ، و جنون "نزار"
كلّٓ معاطف أملكها تلو معاطف ..
..
ألمحهنّ الآن يعذّبُهُنّ صقيع الحكمة
ما أبشع أن تتأبّط عاشقةٌ خائنةٌ رجلاً من طابور العقلاء !
لا وقت لديه ليسمع " كاظم " أو يتصفّح شعر "نزار"
حتى لو خلع المعطف لا جدوى
فالدفء غدا سرّاً مُقتسماً مابين الشعر و بين الأمطار
الدفءُ ..
أُوزّعُهُ و صغيراتي
في وجه الريح ، أمام البحر ، و زخّات المطر..
أشعرُ ساعتها ..
أنّي عصفورٌ يرتعشُ أمام الماء لأوّل مرة
لا حيلة لي إلا الموسيقى
أشعرُ ..
أنّي بٕرعمُ عودٍ مٓنسيّ ، مٓزويّ وسط نخيلٍ في الأحراش ، فيقصده اللّهُ برحمته
لا حيلة لي إلا الأخضر
أجري ...
ألعبُ و صغيراتي
أجري ..
هذا إذنُ اللّه إليّ ، و موسيقى الماء ، و ميلادٌ يتجدّدُ سحراً
و تناديني يا "عمرُو" ، " فريدةُ" بنتي !!
و تُحذّرُني !!
و تهندمُ ثوبي !
فالماءُ سيبلُغُ منتصف الساق ،
و يدخلُ جوف حذائي ،
و يغرقُ مريلتي ( الخضراء )

..
.............................عمرو الشيخ .................................

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى