مازن دويكات - رعويات شكيم.. شعر

1
أبجديةٌ لم تُكتشفْ بعدْ
تحملُ ألواحها غزالات الوقت ِ
تعدو في منحنيات ٍمن دُفلى* وحنينْ
تئنُّ وتشهقُ متعبةٌ
تسقطها في غاباتٍ لم تتلقحْ بعدْ
ويمرُّ عليها رذاذُ الصبح ِ
تبتلُّ وتربو
تصعدُ منها زهرةٌ
ذاتُ بتلاتٍ أربعْ
في كلِّ واحدةٍ حرفُ
تستحيلُ رفّ طيور ٍ
تمدُّ مناقيرها القرمزيةُ
وتغرزها في قلبي
وحينَ تتمُ مهمتها وتغادرُ
يقرأ العالمُ اسمكَ يا شكيم

2
لنا في هذه الغابة شجرٌ
تكسرتْ ظلالهُ على غرتينا
والحفيفُ استأذن الريحَ
والأغصانْ
أردها على الشفاهِ مدرجةً
بأريج ٍ ورذاذْ
لكَ أيها الخريفُ طريقٌ ومنحنى
ولنا طريقٌ يفضي
إلى أفق البرتقالْ
لنا خُضرة ٌ
ومروجٌ أعفت الربيعَ
من نسج ِ حلّتها
ولنا من هذا الشتاء مغزلٌ
لبساطنا المفروشِ
في شرفة ِ عينيك. يا شكيم

3
كثيرةٌ هي الطرقات التي
تفضي إليك ِ
والعابرون يغيّرون مسارهم
كمنّ تذكر هويته في مسرب ٍ
يوصلُ لحاجز جنود
على كلّ مفرقٍ سهمٌ في اتجاهك ِ
وعند كل منحنى شارة ٌ وعلامة
وفي كلّ قبّو
كوةٌ تظلٌّ عليك ِ
وفي كلّ شرفة ببغاء في قفص
ترددُ:
هناك الأسيرة
هناك البعيدةُ البعيدة
وفي كلّ قلبٍ مضغة ٌ
بداخلها خريطةٌ تشيرُ أين أنت ِ
ولكنًّ الذين يحبون الوصول
لم يولدوا بعد يا شكيمُ

4
وأريدُ من دمي المتبقي
أن يتحصّنَ في أوردتي
وأن يرتدي بدلته الواقية
فهذه السماء لم تعد تمطرُ
إلا سهاماً مسننّةً
والأرضُ تغصُّ بالدم ِ والجماجمْ
ليكنْ هذا الموتُ
أبطأ مما يريدون
وهذا الميلادُ
أسرعُ مما نريدْ
لأن أمامنا ما لا ينتهي بعمرين
لنا في السماءِ سحابٌ ينتظرْ
وفي الأرضِ بذورٌ قديمة
وعلينا أن نجيدَ الحصادْ
ربما نملكُ تذكرةَ
لحقول ِ عينيك ِ يا شكيمْ

5
شكيمُ, ما تبقّى من الشرفات
آخرُ قصب ٍ لمزامير الطفولة
عواءٌ في القلب ِ
دوزنةٌ لإيقاع الخرافةِ والجنون ِ
في عرس ِ الرمم ِ البائدة
شكيمُ, موجُ حنين ٍ تكسرَ في الروح ِ
وبوابةٌ مشرعةٌ
للذي يدرجُ على الأقواسْ
فضاءٌ تدلّتْ من أبراجه ِ
أرجوحةُ النعاسْ
شكيمُ, آخر ما كانَ
وأولُ ما سيكونْ

.................
من ديوان " المسرّات "

* شكيم: الأسم الكنعاني الأقدم لنابلس . شكيم في الواقع المعاش, آثار بائدة لأمة كانت سائدة, حجارة منتصبة ومنها ماهو تحت الأتربة, معبد حجري كان حصان الطفولة وأريكة شغب لطيش المراهقة ومشهد رومانسي لجموح الشباب, وتظل شكيم في الذهن والذاكرة عوالم مدهشة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى