جعفر الديري - ليس كما تظن.. قصة قصيرة

انكشف المستور وتبدَّت الحقيقة واضحة دون رتوش. ولا مجال الآن للتبرير، فإن الزوج التعس اعترف في مكان عام بجرمِه القبيح، كأنَّما أراد أن يعذَّب نفسه بعد إدانتها. غير أنَّ سَوط عذابه، لم يصبه لوحده، بل أصَاب قلبها وكبرياءها، فهي تنزف بغزارة من نظرات الناس وشماتتهم، وهي التي عاشت طوال عمرها حريصة على اسمها ومكانتها.
أمَّا العمل الذي أجهدت نفسها فيه، حتَّى حقَّقت بمثابرتها ما عجزت عنه الأخريات، فيوشك أن يفلت من بين يديها.
كيف لا والرئيس البغيض للنفس، لا يتوانى عن تحقير كُلَّ إنجاز تصنعه بجهدها وذكائها، ولا يكذّب َ أيٍ من تقارير سكرتيرته الوقحة.
إنُّهما ينتهزان الفرص للنيل منها، وها هي فرصة لا تُعوَّض تأتيهما على طبق من ذهب، وبيد مَن؟! زوجها، ووالد أبنائِها، سكنُها الذي تعيش معه في بيت واحد!.
رنَّ الهاتف، فأيقظها من هواجسها.
رجف قلبها، وأحسَّت أنَّ الخيط الواهيَ على وشك الانقطاع.
تماسكت، أخذت نفسَا طويلا، ثم أمسكت بالسماعة:
- نعم..
- كيف حالك سميره؟
كان صوت السكرتيرة، كما توقَّعت. تشمت بها لا شك، لكن هيهات أن تترك لها الفرصة...
- أنا بخير.
قالت السكرتيرة بدلع:
- آهٍ يا سميرة.. كم أنا آسفة لأجلِك.. كان على زوجك أن..
قاطعتها بحِدَّة:
- أهذا سبب اتصالك؟
سكتت السكرتيرة لحظات، قبل أن تجيب بحنق وقد أثارتْها لهجتها..
- لا.. أردت أن أنقل لك كلام الرئيس.
أمسكت أعصابها بإرادة حديدية...
- ماذا يريد؟
- يقترح أن تخرجي في إجازة تريحي فيها نفسك.
ليس الإجازة ما أراد، تعلم جيدا أيُّ نفس خبيثة يحمِل بين جنبيه.
- أرجو أن تسامحيني.. ليس لي دخل بالأمر.
بل لكِ دخل لا شك، لكني لن أمكِّنكما من رقبتي.
قالت ذلك لنفسها، ثم رمت بالسماعة، وانطلقت لمكتب الرئيس.
فتحت الباب فوجدت السكرتيرة، لا تزال ممسكة بالسماعة، متفاجأة من دخلوها، ودون أن تُعنى بها فتحت باب الرئيس، فرفع هذا رأسه عن الأوراق التي أمامه، متفاجأ مما يحدث.
قالت وأعصابها تكاد تفلت منها:
- أخالك تبحث عن سبب لفصلي.
التزم الصمت، وإن ران على فمه شبح ابتسامة ساخرة.
- لا ذنب لي بجريرة زوجي، ورغم ذلك لا تتورّع عن ظُلم موظفة قديرة، مُخلصة لعملها.
- أرجوكِ.
قاطعته مُحتدَّة:
- لمَاذا تُصرُّ على مُحاربتي؟ أيُّ أذيَّة بدرت منّي في حقِّك؟
- سيدتي..
- اسمع.. إذا تخيَّلت أنَّك قضيت علي، فأنت واهم.. لست مِمَّن يستسلمون بسهولة.. إنّ لديَّ من الشهادات والخبرات ما يفتح لي آفاقا أرحب من هذا العمل، وسوف تسمع عن قريب ما يشفي غليلك.
ثمَّ أغلقت الباب بقوَّة، ومضت غير عابئة بنظرات السكرتيرة الذاهلة.
استقلَّت سيارتها، ثم أمسكت بجوالها.
جَاءها صُوت الرجل مُرحِّبا من الجانب الآخر:
- أهلا سميرة.. كيف حالك؟
- أنا بخير.. إسمع.. ألا يزال العُرضُ قائِما؟
رد باهتمام:
- طبعا.. هل غيَّرت رأيك؟
- نعم.. أنا في الطريق إليك.
- أهلا بكَ في أيِّ وقت.. سأنتظر مجيئك.
أغلقت الجوال، وانطلقت بسيارتها، عاقدة العزم على أن تُريَ الناس أيُّ موظَّفة قديرة، جديرة بالتكريم هي.
تمت​
السبت 29 أغسطس 2020

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى