محمد فرج المعالي - نسرين تلعب فوق الغيوم..

جلست قبالة جسد العجوز المحتضر، الراشح على سرير بالٍ ، جسد متهالك ، كومة من العظام وانفاس تصعد وتنزل بتثاقل.
منذ اكثر من عشر سنين وانا اسمع تنهدات واحتضار المسنين، امسك بايديهم البيضاء النحيلة ، أيدٍ ناعمة مرتجفة كجناحي فراشة اقبلت على الموتِ، انظر لعيون تستنفد اخر لحظات من النور قبل ان تنطفىء الى الابد . وجوه شاحبة لكن باسمة رغم امتلائها بالخيبة ، ولم يستنفد الم الخذلان حبهم للناس ، ولابنائهم ان كان لديهم ابناء قد خانوا العهد وماتت ضمائرهم امام باب دار العجزة والمسنين.
بدا الشحوب واضحاً على وجه ابو نسرين السبعيني المريض بالقلب ، وعيناه شاخصتان تحدقان بالسقف ، يمعن النظر بشغف غريب وتركيز عجيب ، بدأ جبينه بالتعرق واطرافه ترتجف وارتسمت على محياه ابتسامة جميلة ، وحرك شفتيه الذابلتين وحاول رفع يده المرتعشة، لكن عبثاً يحاول، لم ترتفع عن السرير اكثر من حركة بسيطة عاجزة لكنها كانت كافية لأدرك انها تشير الى شيء ما.

نهضتُ وسحبت المقعد الى جانب السرير اكثر حتى استطيع أَنْ اسمع ما كان يريد قوله، امسكت كفه التي بدت لي باردة وقلت : بصوت حنون ماذا يا عم ابو نسرين هل تريد قول شيء.
لم يستطع الالتفات اليَّ واكمل طقوس تحديقه المستمر بالسقف،و أخرجَ تمتمات خافتة لكنّها مسموعة.
قال : انظر انها زوجتي حبلى تجرجر جسدها بمحاذات جدار المطبخ.
انظر هناك ماذا تفعل نسرين تلف نفسها بملائة السرير ، هل ترى النجوم انظر جيدا.
وبدت عيناه تنطفيء وتحدق بالسقف اكثر واطرافه ترتجف اكثر واصطبغ وجهه بلون اصفر ويكرر كلمة النجوم النجوم عيون الله النجوم عيون الله، نسرين تلعب فوق الغيوم والنجوم عيون الله ، نسرين تلعب فوق الغيوم، وبدأ الصوت بالخفوت اقرب منه الى الهمس وقال كلمته الاخيرة : نسرين فوق الغيوم والنجوم عيون الله.

محمد فرج المعالي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى