محمد على عزب - مجرد رأى فى بنية السرد الحداثى الراهن

لم يعد السرد الذاتى بضمير المتكلم واللغة الشعرية خصصيتن جوهريتين للسرد الحداثى فى القصة القصيرة والرواية . وإذا اتفقنا على ان الحداثة كما قدمها منظروها فى أبهى تجلياتها هى وعى فكرى روحى جمالى بالذات والعالم والآخر وتعبير المبدع عن تجربته بأدوات فنية معاصرة . سنفرق بين جوهر الحداثة ومظهرها مع الاتفاق مقدما على ان المظهر هو انعكاس للجوهر . فيظل الجوهر واحدا وتتنوع المظاهر باعتبارها انعكاسات جمالية للجوهر من حين لآخر . فى العشر سنوات الأخيرة أصبح السرد بضمير الغائب هو المنظور الأكثر سيطرة على السرد الروائى . وهو فى كل الحالات ليس راويا عليما بل ربما يكون راويا راصد يلعب دور المخرج للمشاهد الروائية وقد يكون السرد بضمير الغائب صورة من صور السرد الذاتى وضمير الغائب قناع فنى يرتدية الراوى لا ليخفى ملامحه بل ليجعل منه شاشة بيضاء عاكسة لما فى أعماق ذاته والذوات التى تشبهه .
أما لغة الرواية والقصة الحداثية الراهنة لم تعد جميعها لغة شعرية تتكئ على المجاز والاستعارة والتصوير الشعرى فإلى جانب ذلك هناك تيار حداثى يستخدم اللغة الحكاءية لرسم صورة سردية قائمة على حدثية وحكاءية السرد عبر الجمل السردية المتتالية لرسم مشهد قصصي او روائي . وهذا التيار متواجدا جنبا إلى جنب مع التيار الذى يستخدم المجاز والاستعارات فى لغة السرد .
وذلك مع ملاحظة ان هناك مظاهر أظنها شديدة اللصوق بالجوهر وأبرزها بنية او شكل الزمن الروائي والقصصى . فالقصة والرواية التقليدية يسير فيها الزمن فى خط مستقيم للأمام أما القصة والرواية الحداثية فالزمن ياتى فيها متقطعا عبر الدمج بين الحاضر والماضي 'فلاش باك ' او الاستباق او الاضمار الضمنى وهو حذف فترة زمنية ما ووضع ثلاث نقاط بدلا منها او فاصل نصى او مساحة بيضاء بين الفقرة والتى تليها ويقوم القاريء بربط تلك الفقرات التى تعبر عن انحرافات فى مسارات الزمن الفنى ببعضها البعض .. وإلى جانب شكل الزمن الفنى الذى تعبر عنه اللغة فى السرد الروائي والقصصى واعتباره مظهرا ملتصقا بالجوهر فى السرد الحداثى فإن الرؤية الواقعية هى الأخرى مظهرا ملتصقا بالجوهر الحداثى فإن كان السرد التقليدى فى تبنيه للواقعية ينقل الواقع نقلا حرفيا على الورق فإن السرد وأيضا الشعر وجميع أنواع الإبداع الأدبى والفنى للحداثة فى تبنيها الواقعية تقوم بتفكيك الواقع وإعادة بناءه فنيا وصبغة بوجهة نظر الكاتب فيصبح واقعا فنيا رمزيا يشير إلى ذاته أولا ويشير إلى الواقع المعبش الحقيقى كما يراه و يصوغه الأديب والفنان

محمد على عزب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى