المستشار بهاء المري - شرح جريمة التنمر

صدر القانون رقم 189 لسنة 2020 بإضافة المادة 309 مكررًا (ب) إلى قانون العقوبات، لمواجهة ظاهرة التنمر التي تُعد من الظواهر المتنامية، والتي تشكل خطرًا على المجتمع وعائقًا يحول دون تطبيق موجبات الحياة الكريمة، خاصة بعد انتشار تلك الظاهرة السيئة، والتي تؤثر سلبًا على المقومات الأساسية والأخلاقية التي يقوم عليها المجتمع، كما أنها تهدف إلى مكافحة العنف، وتحقيق العدالة والسلام الاجتماعي في المجتمع. ونُشر القانون بالجريدة الرسمية العدد 37 مكررًا (ب) بتاريخ 5 سبتمبر 2020.

- نص المادة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

- "يعد تنمرًا كل قول أو استعراض قوة أو سيطرة للجاني أو استغلال ضَعف للمجني عليه أو لحالة يعتقد الجاني أنها تسيء للمجني عليه كالجنس أو العِرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي بقصد تخويفه أو وضعه موضع السخرية أو الحط من شأنه أو إقصائه من محيطه الاجتماعي.
ومع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر يعاقب المتنمر بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على ثلاثين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وتكون العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة من شخصين أو أكثر، أو كان الجاني من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطه عليه أو كان مُسلمًا إليه بمقتضي القانون أو بموجب حكم قضائي أو كان خادمًا لدى الجاني أما إذا اجتمع الظرفان يُضاعف الحد الأدنى للعقوبة.
وفى حالة العودة تضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى".

- تعريف التنمر:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عرَّف المشرع التنمر بقوله: "يعد تنمرًا كل قول أو استعراض قوة أو سيطرة للجاني أو استغلال ضعف للمجني عليه أو لحالة يعتقد الجاني أنها تسيء للمجني عليه كالجنس أو العِرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي بقصد تخويفه أو وضعه موضع السخرية أو الحط من شأنه أو إقصائه من محيطه الاجتماعي.
والتنمر لغةً: تَنمر، أي أظهر تشبهًا بالنمر، وتَنمر لفلان، أي تنكر له وأوعده، ونمِرَ، أي غضب وساء خُلقه، وصار كالنمر الغاضب.
فالتنمر ظاهرة عدوانية تتم فيها ممارسة العنف والسلوك العدائي من قبل فردٍ أو مجموعة أفراد تجاه غيرهم.
- السلوك المادي للجريمة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقوم الركن المادي للجريمة على سلوك مادي قِوامه صورة أو أكثر من الصور التالية:

- القول أو التنمر اللفظي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التنمر اللفظي، يُعد أكثر صور التنمر شيوعًا لدى الجناة، ويمكن تعريفه بأنه أي هجوم أو تهديد من الشخص، يقصد به الأذى عن طريق السُخرية والتقليل من شأن الآخرين، وانتقادهم نقدًا قاسيًا، والتشهير بالأشخاص والابتزاز والاتهامات الباطلة، والإشاعات، وإطلاق بعض الألقاب المبنية على أساس الجنس، أو العِرق، أو الدين، أو الطبقة الاجتماعية، أو الإعاقة.
واللفظ أو القول الشفوي هو الأصوات التي تُعبِّر اصطلاحًا عن معنى، سواء كانت معروفة في لغة من اللغات، أم كانت صياحًا له في العرف أو بالنظر إلى الظروف التي صدر فيها دلالة معينة، ولا عبرة بحجم القول، فسواء أن يكون جُملاً عديدة أو جملة واحدة، أو جزءً من جملة أو لفظا أو مَقطعًا من لفظ، إذا كانت له دلالة ذاتية، ولا عبرة بشكله، سواء أكان نثرًا أم نَظمًا، ويعد من قبيل القول الصياح أيا كانت صورته سواء أكان صراخًا أم دمدمة أم ولولة أم صفيرًا (د. محمود نجيب حسنى: شرح قانون العقوبات القسم الخاص، طبعة نادي القضاة 1987ص 617).
وينصرف القول إلى كل ما يَصدر عن الإنسان من كلام، سواء بجملة أو أكثر، أو بمجرد لفظ من الألفاظ، سواء كان نثرًا، أو شِعرًا، أو بأسلوب الخَطابة (د. احمد فتحي سرور قانون العقوبات القسم الخاص الكتاب الثاني طبعة نادي القضاة 2016 ص 342).
ولا يشترط في القول أن يقع في حضرة المجني عليه، فلم يشترط القانون مواجهة شخص المجني عليه بما يؤلمه ويتأذى به من قول، وإنما بما يصاب به المجني عليه من جراء ما يشينه.
والقول إذا كان مُعاقبًا عليه متى وقع في حضرة المجني عليه، فإنه يكون من باب أولى مستوجبًا للعقاب إذا حصل في غيبته (الطعن رقم 189 لسنة 13 ق جلسة 4/1/1943 س 6 ص 78).
ويستوي أن يكون النطق بالعبارات التي تعتبر تنمرًا بشخص، بصوت مرتفع يسمعه عدد من الناس دون تمييز، ممن يتواجدون في المكان الذي حصل فيه القول، فإذا كان المتهم ردد القول الذي يعتبر تنمرًا في مجالس مختلفة بقصد إيذاء المجني عليه وتم له ما أراد، فإن إحدى صور الركن المادي للجريمة تكون قد قامت في حق الجاني.
وإذ كان الجاني وهو في محل خاص قد جهر بألفاظ التنمر ليسمعها غيره، توافرت كذلك هذه الصورة، فلم يشترط القانون القول في مكان عام أم في مكان خاص.
كما يستوي أن يكون القول بمجرد الصوت، أو بواسطة أداة أو جهاز ينقل القول ويتيح لمَن في مكان بعيد أن يسمعه.
فيقع القول بأي وسيلة أخرى تنقل الصوت مثل اللاسلكي، والتليفزيون، والكونفرانس، والفيديو، والقنوات المتاحة على يوتيوب أو شبكة الإنترنت عمومًا، وكذلك من خلال برامج المحادثات كالواتس آب، أو ما شابه، والمكالمات الصوتية أو الفيديوية، وعموما بأي جهاز من أجهزة الاتصال الحديثة يتحقق من خلالها إيصال القول الذي يُعتبر تنمرًا إلى المجني عليه.

- استعراض القوة أو السيطرة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القوة، تعنى في اللغة العنف قهرًا أو بالفعل، ومن ثم ينصرف مدلول القوة إلى جميع الأعمال التي من شأنها القهر، أو الإرغام، أو السيطرة على الآخرين.
ولا يَشترط القانون في القوة كصورة من صور التنمر استخدام سلاح، فقد تُستخدم القوة بدون سلاح كما في حالة حشد أعداد كبيرة من الأشخاص للتنمر بالمجني عليه.
فتقوم جريمة التنمر إذا استخدم الجاني الكلاب العادية أو البوليسية لاستعراض قوته على المجني عليه، ذلك أن هذا السلوك يبث الرعب والخوف في نفسه.
فمتى أظهر الجاني أي عمل من أعمال القهر أو الإرغام أمام المجني عليه، قام الركن المادي لجريمة التنمر بهذه الصورة من صور السلوك الإجرامي، ويستوي أن يَستعرض الجاني القوة بنفسه أو بواسطة غيره.
ولا يُشترط في استعراض القوة أن يقع عنف على جسم المجني عليه، وإنما يكفي إظهار القوة أمامه، ويستوي أن يقع سلوك استعمال القوة أمام المجني عليه فردًا كان أو جماعة
ولا يُشترط أن يأتي سلوك استعمال القوة الجاني نفسه، وإنما يصح أن يقوم به الغير متى كان مساهمًا معه في الجريمة بالمساعدة أو التحريض، كمن يستأجرون البلطجية لإتيان هذه الصورة من صور التنمر.
وصورة استعراض القوة كسلوك مادي لجريمة التنمر، تقتضي وقوع هذه الصورة بالفعل، ولا يَلزم تحقُّق نتيجة من استعراض القوة مثل إتلاف أموال المجني عليه أو إصابته بأذى، فسلوك الاستعراض في حد ذاته بدون تحقق نتيجة تقوم به الجريمة.
ويستوي أن يترتب على القوة المساس بجسد المجني عليه في التنمر ماديًا، كالضرب المبرِّح أو الجرح البالغ، أو أن يكون معنويا، مثل إحداث دوى انفجار هائل.

- التنمر البدني:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أما إذا حصل من الجاني اتصال بدني بالمجني عليه، فيمكن تسمية هذا السلوك بالتنمر البدني، ويقصد به إيذاء المجني عليه جسديًا، ويأخذ أشكالا مختلفة، منها الضرب ونحوه، والبَصق، وتخريب الممتلكات الشخصية.

- التنمر الجنسي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ويشمل التلميح بقول غير مرغوب فيه مثل النِكات الجنسية والصور، والتهكمات الجنسية، أو المُخلة بالحياء، أو الشائعات ذات الطبيعة الجنسية.

- استغلال ضَعف للمجني عليه أو لحالة تسيء له:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وتعني هذه الصورة من صور السلوك المادي لجريمة التنمر، إتيان أي صورة من صور السلوك المادي المكون لجريمة التنمر لعلم الجاني بضَعف المجني عليه، سواء الجسماني، أو المرضي، مثل ذوي الاحتياجات الخاصة، أو المُعوقين، أو طفل منغولي، أو لجنسه، أو عِرقه، أو دينه، أو أوصافه البدنية، أو حالته الصحية أو العقلية أو مستواه الاجتماعي، لوضعه موضع السخرية أو الحط من شأنه أو إقصائه عن محيطه الاجتماعي.
فتجريم التنمر يمثل نوعًا من السُمو، ودرجة متقدمة في نظرة المشرع للحماية الجنائية لحق الإنسان في سلامة الجسد، ذلك أن سلامة الجسد لا تتمثل فقط في إلحاق الضرر الجسماني، وإنما تشمل أيضًا الصحة النفسية للمجني عليه.
ومن أمثلة هذه الصورة من صور السلوك المادي لجريمة التنمر، التقليل من شأن المجني عليه، وتخفيض درجة إحساسه بذاته، أو بوضعه الاجتماعي.
كما تتمثل تلك الصورة في الاستهزاء والسخرية من عِرق أو سلالة، مثل التهكم على ملامح المجني عليه، أو لونه، أو دينه، أو عِرقه، أو نوع عمله، أو ما شابه، ويمكن تسمية هذا السلوك الإجرامي بالتنمر العنصري.
وجريمة التنمر تتفرد وتتميز عن جرائم الضرب، والضرب المفضي إلى عاهة مستديمة، كونها لا تترك أثرًا ماديًا ملموسًا على جسد المجني عليه، ولكنها تُخلف تأثيرًا نفسيًا كبيرًا.

- التنمر الإلكتروني:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قد يقع التنمر بالطريق الإلكتروني، أي باستخدام التقنيات الرقمية، فيرتكب السلوك المادي للجريمة بوسائل التواصل الاجتماعي، ومنصات التواصل، والهواتف المحمولة، وغيرها من أي أجهزة من أجهزة الاتصال الحديثة، وهو سلوك متكرر يهدف إلى إخافة أو استفزاز المستَهدفين به أو تشويه سمعتهم.
ويقصد بالتنمر الإلكتروني، استخدام التكنولوجيا الحديثة كوسائل التواصل الاجتماعي، وكافة الخدمات التي توفرها شبكة الإنترنت لمضايقة شخصٍ آخر، أو تهديده، أو إحراجه، أو التحرش به، مثل نشر معلومات شخصية، أو صور، أو مقاطع فيديو مُصممة لإيذاء شخصٍ آخر أو إحراجه.
ومن الأمثلة على ذلك أيضا، نشر الأكاذيب عن شخٍص ما، أو نشر صور مُحرجة له على وسائل التواصل الاجتماعي، أو إرسال رسائل تهديد مؤذية عبر منصات المراسلة، أو إرسال رسائل جارحة إلى المجني عليه.
ومن أمثلتها كذلك، التعليقات غير اللائقة اجتماعيًا وأخلاقيًا على صورة خاصة، أو مَقالة، أو فيديو منشور على الإنترنت، وتداوله بين أوساط المجتمع، والتصوير من غير علم الطرف الآخر، ونشر صور الشخص على وسائل التواصل المختلفة بهدف إلحاق الإيذاء به أو التهكم على الصورة أو السخرية منها، أو نشر صور حقيقية أو مُعدلة يبدو فيها الطرف الآخر في وضع لا يرغب في أن يشاهده. الآخرين.
ومن هذا القبيل أيضا، نشر شائعات، أو معلومات عن الطرف الآخر بهدف الإساءة أو تشويه السمعة، والتجسس من خلال تطبيقات مصممة بهدف اختراق الخصوصية، والدخول الغير مصرح به وغير القانوني للشبكات بهدف الإساءة للآخرين، والتحرش والابتزاز من خلال قنوات التواصل الإلكترونية المتعددة.
ومما يندرج تحت هذه الصورة من صور السلوك المكون لجريمة التنمر، نشر مشاركات إلكترونية مختلفة تسيئ للآخرين، وتسريب معلومات لا يرغب الطرف الآخر في اطلاع أحد عليها، والنبذ أو الاستبعاد الإلكتروني أو الإهانة عندما لا يرد شخص ما، على رسالة إلكترونية أو فورية بالسرعة التي يرغبها الجاني.

- الركن المعنوي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه الجريمة من الجرائم العمدية التي يقوم ركنها المادي على القصد الجنائي العام بعنصريه العلم والإرادة، فيجب أن يكون الجاني عالمًا بأن من شأن سلوكه المادي إحداث إساءة للمجني عليه، ثم تتجه إرادة الجاني رغم ثبوت هذا العلم لديه إلى إتيان السلوك المادي المكون للركن المادي لجريمة التنمر.
وفضلا عن القصد الجنائي العام على النحو سالف الذكر، فقد تطلب المشرع في جريمة التنمر، هو تخويف المجني عليه، أو وضعه موضع السخرية، أو الحط من شأنه، أو إقصائه من محيطه الاجتماعي.
فيتعين أن يكون سلوك الجاني صادرا منه عن باعث أو غاية تحرك إرادته وتدفعه إلى سلوك مادي من شأنه إحداث هذا الأثر في نفس المجني عليه، ومن ثم يتعين توافر نية خاصة لدي الجاني على النحو مار البيان.

- النتيجة
ــــــــــــــــــ

تتحقق نتيجة السلوك المادي في جريمة التنمر، متى أسفر سلوك الجاني عن تخويف المجني عليه، أو الحط من شأنه، أو إقصائه من محيطه الاجتماعي، أو الإساءة إليه من حيث جنسه أو عِرقه، أو دينه، أو أوصافه البدنية، أو حالته الصحية، أو العقلية، أو مستواه الاجتماعي، أو متى أسفر ذلك السلوك المؤثم عن وضع المجني عليه موضع السخرية، أو كان من شأن ذلك الحط من شأنه أو إقصائه من محيطه الاجتماعي، وتحقق النتيجة من عدمه هي مسألة موضوعية تفصل فيها محكمة الموضوع.
- العقوبة:
ـــــــــــــــــــــــ
- عقوبة الجريمة في صورتها البسيطة هي الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على ثلاثين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
- الظروف المشددة للعقاب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولا: تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف أو بإحدى هاتين العقوبتين في حالتين هما:
(1) إذا وقعت الجريمة من شخصين أو أكثر.
(2) أو كان الجاني من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه أو كان مسلما إليه بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي أو كان خادما لدى الجاني.
ثانيا: يضاعف الحد الأدنى للعقوبة في حالة اجتماع الظرفين السابقين، وهما كون الجاني شخصين فأكثر، وتوافر صفة معينة في الجاني على النحو السابق.
- في حالة العود:


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- تضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى