مقتطف مقطع من رواية (حب في زمن الكورونا).. يرويها: محمد عارف مشّة / نيفين عياصرة / الروائي الأسير الفلسطيني كميل أبو حنيش

( 1 )

ما أصعب أن تستيقظ من نومك . تشعر بضيق واختناق ، ولا تعرف له سببا . تنهض من سريرك متعبا خائفا من لا شيء تعرفه . تخرج من بيتك . تبحث عن ذاتك . تسير بضعة خطوات . تتعثر بظلك . تنهض لاعنا ظلك . تقودك خطواتك إلى المجهول .
تجيء لك كلمات أغنية حزينة . تمزج كلماتها بدمع القهر ، وصمت الآه . تقف متوسلا قهرك أن يعتقك للحظة . يصر على الالتصاق بك كاسمك . كملامح وجهك . كأبيك الذي خرجت من صلبه ، ولا تستطيع الفكاك من اسمه الملاصق لاسمك .
أبو العبد أو أبو خالد ، ليس مهما . المهم أن تعرف مَن أنت ومن تكون ... أسماء كثيرة متعددة . شخوص كثيرة . آهات وجراحات . ظلم وغدر ومؤامرات تلاحقك ، في يقظتك ، وفي نومك كوابيس ورؤى لا تجد لها تفسيرا .
أبحث عني .. خالد أنا أم كميل .. أمونة أم نيفين . أسماء كثيرة تلتصق بي . وحوش كثيرة تطاردني . المرأة الشقراء أم الراقصة ؟ . أم كوفيد التاسع عشر . أم الخوف من الموت . أم الضيق والاختناق من الكمامات . أم ضيق زنرانة الحظر والسجن في شقة صغيرة ، وعمارة كبيرة .
بم يهمني اتساع العالم ، إن كان حذائي ضيقا . اتساع العالم لا يُفرحني ، ولا يزعجني إلا كحجر صغير في أسفل حذائي . لا يؤلمني ، لكنه يُزعجني هذا الضجيج في العالم المتسع ، كغابة موحشة مظلمة تمتليء بالحيوانات المفترسة والزواحف السّامة . لا تدري إلى أين تسير ، وإلى أين تسير بك خطواتك المتعبة ، في عالم مليء بالتناقضات والأحلام المخنوقة والسكرى بدماء لا تعرف مصدرها وصاحبها . أهو قاتل أم مقتول ، أو هو ظالم أم مظلوم . سارق أم مسروق .. الكل يبكي ويصرخ . الكل يدّعي أنه مظلوم . والكل تحوم حوله شبهات أن يكون قاتلا ، وسارقا . وسكّيرا بدماء الأطفال والشيوخ والنساء . ويصرخ أني المظلوم فانصفوني . والحقيقة أين ؟ .. إبرة في كوم قش عشعش فيه الخوف . الرعب . الكذب . اللامبالاة . ثرثرة عيون النساء بصمت . مصارعة طواحين الهواء ..العدو يرتدي ثوب الصديق . والأخ يطعن أخاه بسيف عدوهما .
أنا . أول من كسر حظر التجول ، فما أن انتهت منبهات بدء حظر التجول ، حتى بدأت بالصراخ على أولادي خوفا ـ للدخول إلى الشقة من مدخل العمارة ، فرفض أولادي الانصياع لأمري ، أخرج من جلدي . أتقيأ خوفي . وأجبرهم الانصياع لأمر الحظر . وخوفي من موت قادم ، أجهل مصدره .
أم سعيد زوجة أبي خالد جارتنا في الشقة ، تخرج من صمت ليل حزنها . تموت من أجل أن تحيا . هي ميتة منذ كانت طفلة، تلعب في بيت صديقتها ، ماتت منذ أحبت وجهلت . عشقت وحملت جنينها . وردة لم تتفتح بعدما حملت سفاحا ، الموت لا يخيفها . تجرعته كثيرا بكأس من يد الأب السّكير والأم المغلوب على أمرها . من الطفل المعاق جسديا من العلاقة المحرمة .
كسرت الحظر هي أيضا ، وخرجت تحمل أكياس القمامة لتضعها في الحاوية ،
كم من أكياس القمامة حملت يا أم السعيد ؟ كم حاولت تنظيف أرواحهم ، وقلوبهم ، وعقولهم ، فكانت قذارات عقولهم . وأوساخ قلوبهم . وروث أرواحهم ، أكبر من كل القاذورات التي حملتها أوزارها أنت بلا ذنب ؟ .
فوجئت أم السعيد بسيارة الأمن تقف مقابل العمارة ، خرجت من السيارة امرأة بزيها العسكري ، في محاولة لإلقاء القبض عليها ، ووضعها في السيارة العسكرية ، لتجاوزها الحظر .
ـ ما اسمك ؟ سألت الشرطية
ـ أم سعيد زوجة أبي خالد
ضحكت الشرطية ثم سألت : أم سعيد زوجة أبي خالد ؟ كيف ؟
القصة طويلة ، هل لديك وقت لسماعها ؟
ــ ( ...... )
*تزوجت زوجي الأول منذ ما يزيد عن أحد عشر عاما انجبنا طفلا معاقا أسميناه سعيدا ، وكان تفاؤلنا أن يكون أول الأبناء سعيدا ، فكان معاقا ، أنجبت بعده بنتا ، فكانت البنت معاقة جسديا ، ماتت بعد شهرين .. الثالث الرابع ... ماتوا جميهم وبقي سعيد ، فطلقني زوجي لينجب ابناء أسوياء .
ــ وما علاقة هذا بكسر الحظر ؟
انتظري يا سيدتي أرجوك . اسمعي قصتي . لم أجد أحدا يسمعني . يفهمني ، يشعر بألمي ... مرّت الشهور يا سيدتي إلى أن تقدّم لي أبو خالد بالزواج ، وافقت ، كان في البداية رجلا وزوجا وأخا وأبا لي ، فأحببته . لكنه لم يحبني قط . أحب لون جسدي . فتنته عيناي . لكن ظل جائعا للنساء ولم يكتف بي .
قطع منبه سيارة الشرطة متعة استمتاع الشرطية بقصة ابنة جنسها ، وكأنها قصتها . .. كل النساء يشتركن بخيانة عشاقهن ، يتمرد الرجل على نعيم المحبوبة ، ليبحث عن عشيقة أخرى ، بالخيال أو الواقع ، فكل الرجال يخونون في الخيال زوجاتهم . ربما همست الشرطية بهذا لنفسها ، قبل أن تسمح لها بإلقاء القمامة في الحاوية ، والعودة لسجن الحظر في شقتها ثانية .
ينظر أبو خالد من نافذة شقته ، فيجد سيارة الأمن قد غادرت المكان ، يتوجه لباب شقته ، ويعلن للجيران عصيانه ، يسمح بخروج أولاده في ممرات العمارة ، يخرج لباب العمارة . يدخن سجائره . يفتعل سعالا بصوت مرتفع .
يفتح أبو العبد نافذة شقته ، فيجد أولاد العمارة كلهم ، قد كسروا الحظر ، فيسمح لأولاده بكسر الحظر والخروج ، يفتح أبو العبد باب شفته . خائفا . حذرا . يتسلل لباب العمارة ، ثم يسأل جاره أبي خالد : هل حقا يوجد فيروس كورونا ؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى