سليم جداي - فرنسا وخطابات الأمننة :صدام الحضارات بمنظور آخر .

إن الساحة السياسية في فرنسا وما نتج عنها من إنسداد إقتصادي ،وظهور نتوءات وشرخ عويص في السياسة المنتهجة والحالية ،قد أجبر صناع القرار علي تغيير إستراتيجيتهم من داخلية والمتمثلة في القمع والترهيب إلي خارجية وهي توهيم وإيهام الشعوب بالعدو المستقبلي ،الذي طرحه صامويل هنغتنون في أطروحته صدام الحضارات ،غير أن هنتغنون الذي أوهم العالم أن هذا الصدام سيكون بين الحضارة الغربية والإسلامية من جهة ،وبين الحضارة الغربية والصينية من جهة أخري ،قد راي أن الصراع الإقتصادي هو بين الصين والغرب والصراع الحضاري والثقافي بين الغرب والمسلمين ،غير أن صناع القرار في فرنسا قد أخطأوا في تحديد جهةالتهديد من خلال عجزهم علي مواكبة ما يمر العالم به اليوم من أزمة خانقة تدور مخرجاتها حول المدركات الإقتصادية ،فتحاول فرنسا الأن أن تبرهن لشعبها الثائر والمنادي بتخفيف القيود الضريبية عليه ،أنها تسعي إلي البحث عن العدو الذي أنهك إقتصادها ،ومرد شعبها ،وبالتالي هي الأن أمام فكين إما الإنصياع إلي ما يريده الشعب ،أو توجهيه وتلغيمه بالطريقة الثقافية والتي محتواها فك الحصار علي سياسة ماكرون وحاشيته ،غير أن الرئيس الفرنسي صاحب التوجهات اللينة في مساره قد برهن أن الغرب وجهته واحدة ولكن دوافعه متغييرة ،فالمنظور الحضاري ما زال يشكل تهديدا عويصا لدول الإتحاد الأوروبي بما فيهم فرنسا التي أصبحت تزرع بذور الحقد بين الثقافات وذلك برهان واضح علي سياستها المستقبلية ،حيث تري في الإسلام هو المحدد الأول والعدو الرئيسي ،والمنافس في التغيير في فرنسا ،كما أن فرنسا تحاول أن ترضي شعبها الثائر هي كذلك تحاول أن لا تخبر مستعمراتها القديمة بما فيها الجزائر ودول إفريقيا ،فهي نستخدم الجانب الصلب إتجاه الإسلام أمام شعبها ،ولكنها تخفيه أما م الدول العربية والإفريقية ،وهذا دليل علي أنها تلعب علي حبل المصلحة من جهة ،وحبل ترقيع السياسة الداخلية من جهة أخري ،فالعصبية التي تتبناها فرنسا الأن في سد نتوءاتها السياسية ،وإخفاقاتها الإقتصادية والإستراتيجية ،قد تكلم عنها عالم الإجتماع العربي إبن خلدون ووصفها بالزائلة ،يعني هي تصنع بذور فنائها أثناء ولادتها وهو كمفهوم شامل للدولة ككل وليس للسياسة كما يفعل ماكرون الآن ،فالخطابات المتطرفة التي تستخدمها فرنسا وتريد تمريرها ضمن منظومتها السياسية وجعلها كقانون شرعي وعرف لا يمليه الواقع الأليم الذي تعيشه فرنسا الأن ،ماهو الا نتيجة شرخ سياسي إقتصادي أملته االظروف وطبقته جائحة كورونا .
ان حرية الدين والمعتقد والعقيدة التي تمليها الدساتير الفرنسية من كتابات مونتيسكيوا (روح القوانين),الي يومنا ،وما ترسخه علمانتيهم من فصل الدين عن السياسة والدولة ،قد بينته خطاباتهم انها عبارة عن حبر في ورق ،وأن السياسة من تحكم القانون وليس القانون من يحكم السياسة ،فهل يعقل في دولة تدعي العلمانية والفصل بين السلطان وفصل الدين عن القضايا السياسية ،ان تهاجم دينا يمثل اهله في فرنسا ثلثها علي الاقل ، إن صناع القرار في فرنسا يريدون بهذه الخطابات زرع الفتنة بين الشعوب المتعايشة من اجل إلهائها علي ما هو اصلح لها ولحياة الأجيال بعدها .
ففوكوياما الذي يري في الديمقراطية علي انها هي النسق الأحسن والتي تجد فيها كل الشعوب راحتها ومستحقاتها الاقتصادية والثقافية ،قد نسي ان الدين هو الاخ الاكبر والمرافق للملك والرئاسة دائما .
كما أن صامويل هتنغتون قد رآي أن معيار الفصل بين الحضارات هو الدين وليست السياسة ،والذي وضع في أطروحته وقسم العالم إلي محور شر ومحور خير ،قد ترك الأثر لصناع القرار الأن من اجل مهاجمة الدين وفرض توجهاتهم الأيديولوجية والمتطرفة أمام عجزهم التسييري للسياسة والاقتصاد. فالقاعدة العلمية تقول إذا ظهر التطرف فأنظر إلي السياسة أو الإقتصاد .
إن ما تراه الدول والقوي الخارجية في الاسلام مغاير تماما لما نراه نحن ،فكيف لهم أن يستنبطوا كل هذه التهديدات الغير مرئية لنا ،كيف يستطيع دين ان يقف في وجه حضارات وأديان وثقافات كاملة ،وسط التهديدات والخطابات المتتالية ،ورغم ذلك لا يستطعيون ،مجاراته ولا برهمنة فرضياتهم ،إنهم يعلمون خطره علي كيانهم ،لأن كيانهم بني علي اساس الكذب والخرافة والتزوير ،وأما الاسلام فقد بني علي اساس متين قوامه السلام ،ولبه التعايش وسنامه التفاهم وتقديم البرهان علي الخرافة ،إن مانجومتري رايت والذي قدم كتابا عنوانه يناقض الخطابات المتطرفة الأن وهو(فضل الحضارة العربية علي الغرب)،قد برهن فيه أن كل ما يحوزه الغرب الأن من ثقافة وأيديولوجيا قد بني أساسه الأول من الإسلام وحرف بعد ذلك ليأخذ طريقا آخر نحو الهيمنة وحب "الأنا".
فكيف لدين ان يهدد دولة تعد الثالثة في العالم ،الا اذا كان يمثل لها تهديدا مستقبليا او بشكل بوادر فنائها ،لذلك فصناع القرار في فرنسا قد بادروا في خطابات الكراهية والتي مفادها ان خرافاتهم بدأت تزول ،وان معيار التوافق والحوار والتعايش بين الأديان والحضارات اصبحت من الماضي ،فمن هو الذي يزرع التطرف ياتري هل نحن أم هم ،ان هذا السؤال ينبغي ان يطرح نفسه امام وقبل كل القضايا السياسية :لماذا الاسلام مستهدف من قبل الغرب ،هل لانه أسقط نظرياتهم المزعومة ،ام انه اصبح بشكل خطرا أمام هياكل الخرافات التي زرعوها وهم الان ضمن حصادها

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى