المستشار بهاء المري - لو حَد يخلصنا منه؟!.. "حكاية تحريض على قتل قاض"(*)

أحمد الخازندار بك، قاض مصري جليل، عالي القَدر، رفيع الذِكْر، حميد الأثر، تُرديه أيدٍ مصرية، لا لسبب إلا ضيقًا بقضائه، وضجرًا من قيامه بواجبه.
عن واقعة اغتياله، يقول الدكتور عبد العزيز كامل عضو النظام الخاص للإخوان المسلمين، ووزير الأوقاف الأسبق، وعضو مكتب الإرشاد إنَّ حسن البنا قال:
"إنَّ كل ما صدر منه من قول أمام عبد الرحمن السّندي تعليقًا على أحكام الخازندار في قضايا الإخوان "لو ربّنا يخلَّصنا منه" أو "لو نخلص منه" أو "لو حَد يخلصنا منه" لم يقصد به تكليف بالقتل، ولكن السّندي فهِم هذه الأمنية أمرًا واتخذ إجراءاته التنفيذية، وأنه (أي البنا) فوجئ بالتنفيذ أما السّندي فقال: "عندما يَتمَنَّى المرشد الخلاص من الخازندار، فرغبته في الخلاص أمرٌ منه"(1).
ويُضيف عبد العزيز كامل: إنها المرَّة الأولى التي يجلس فيها عبد الرحمن مجلس المُحاسبة والمؤاخذة أمام البنا وقيادات النظام، إلى الدرجة التي قال فيها البنا لعبد الرحمن:
- أنا لم أقل لكَ، ولا أحمِل المسئولية.
وعبد الرحمن يرد:
- لا، أنتَ قُلتَ لي، وتتحمَّل المسئولية.
ويقول الكاتب محسن محمد(2): "قال لي فهمي أبو غدير المحامي، عضو الهيئة التأسيسية:
- لو كنتُ فتيًا قويًا لقتلتُ الخازندار. وأضاف:
- اعتدى رجل في أسيوط على طفل اعتداءً مشينًا فحكم الخازندار على المتهم بالحبس سنة مع وقف التنفيذ.
وهذه الأحكام الهيِّنة تقابلها أحكام قاسية على الذين يريدون عزة مصر بقذف الإنجليز بالقنابل، إن الخازندار يَحل قتله، فهو يقتل دعوة تضم الملايين!
ـ قلتُ: وما موقف الشيخ حسن البنا من هذه الجريمة؟
ـ قال: نُسب إلى الشيخ البنا إنه قال: "ربنا يريحنا من الخازندار" أو "ربنا ينتقم منه" وذلك بعد إصدار الأحكام العنيفة ضد شباب الإخوان.
- محمود الصباغ ومصطفى مشهور يَعلمان بالحادث قبل وقوعه:

*****

علِمَ محمود الصباغ المسئول في التنظيم الخاص، بتكليف عبد الرحمن السّندي لحسن عبد الحافظ، ومحمود سعيد زينهم بقتل الخازندار، وفي ذلك يقول:(3)
"زارني الأخ حسن عبد الحافظ بمنزلي قُبَيل وُقوع مَقتل الخازندار وصارَحَني بأنَّ الأخ عبد الرحمن السّندي اختاره مع أخ آخر لقتل الخازندار بك، لمِا ظهَر من جُحوده للشعور الوطني وتَعاطفه مع القَتلة والسَّفاحين في أحكامه، وقد ذُهلتُ لهذا الخبَر وأصدرتُ أمرًا صريحًا إلى الأخ حسن عبد الحافظ باعتباري أمير مجموعته إلى ما قبل سفري إلى فلسطين، ألا ينُفذ تعليمات عبد الرحمن في هذا الشأن، ولكن يبدو أن حسن لم يستطع أن يُقاوم رغبته الشخصية في الإتيان بعمل مَرمُوق، فلم يَمتثل لأمري واستجاب لعبد الرحمن، وقد شاء القدَر أن يزورني في اليوم التالي لزيارة الأخ حسن عبد الحافظ لي الأخ مصطفى مشهور، فأبلغته بما دار بيني وبين حسن، وقلتُ له لولا مَرَضي لذهبتُ إلى عبد الرحمن لأمنعه عن هذا العمل ورَجوته أن يَنوب عنِّي في ذلك، ولكن إرادة الله الغالبة حالت بين لقاء مصطفى، وعبد الرحمن في الوقت المناسب، فوقع قضاء الله لحِكمة لا يعلمها إلا الله ".
- النظام الخاص يحاكم عبد الرحمن السندي ويبرر له جريمته:

*****

في يوم الحادث دعا البنا إلى اجتماع عاجل بمنزل عبد الرحمن السندي رئيس النظام الخاص للإخوان، وسأل السندي لماذا قتل القاضي الخازندار قبل العرض على مجلس إدارة النظام، فأجابه السندي بأنه استطلع رأيه في حاكم ظالم يحكم على الناس بغير ما أنزل الله ويوقع الأذى بالمسلمين، ويمالئ الكفار والمشركين والمجرمين، وأنه أجابه بالآية الكريمة "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ........" وأنه اعتبر هذه الإجابة إذنًا بقتل الخازندار(4).
ويضيف محمود الصباغ: "عقَدَت قيادات النظام الخاص مُحاكمة لعبد الرحمن السّندي، وحضَرها حسن البنا، وباقي أفراد قيادة النظام، والدكتور عبد العزيز كامل، ومحمود الصباغ، ومصطفي مشهور، وقد أكدَّ عبد الرحمن في المحاكمة أنه فَهِم من العبارات السَّاخطة التي سَمعها من المرشد العام ضد أحكام المستشار الخازندار المُستهجَنة، أنه سَيَرضَى عن قتله له، وأنه نفَّذ القتل فعلاً، وقد تأثر المرشد العام تأثرًا بالغًا لكلام عبد الرحمن لأنه يعلم صِدقه وأجهش بالبكاء.
وتَحقَّق للحاضرين أنَّ عبد الرحمن قد وقع في فهم خاطئ، فرأوا أن يُعتبر الحادث قتلاً خطأ حيث لم يقصد عبد الرحمن ولا أحد من إخوانه سَفك نفْس بغير نفْس، وإنما قصدوا قتل روح التبلُّد الوطني في بعض أفراد الطبقة المثقفة من شعب مصر أمثال الخازندار بك!!
ولما كان هؤلاء الإخوان قد ارتكبوا هذا الخطأ في ظل انتمائهم إلى الإخوان المسلمين وبسببه، فقد حقَّ على الجماعة دفع الدِّية كعقوبة على القتل الخطأ، وأن تَعمل على إنقاذ حياة المتهمَين البريئين من حَبل المشنقة، ولمَّا كانت جماعة الإخوان المسلمين جُزءًا من الشعب، وكانت الحكومة قد دفعَت بالفعل ما يُعادل الدِّية إلى ورثة المرحوم الخازندار بك، حيث دفعَت من مال الشعب عشرة آلاف جنيه، فإنَّ من الحق أن نُقرر أنَّ الدّية قد دفعتها الدولة عن الجماعة، وبَقيَ على الإخوان إنقاذ حياة الضَّحيتَين الأخرتين محمود زينهم، وحسن عبد الحافظ، واستراح الجميع لهذا الحكم دون استثناء وكانت براءة عبد الرحمن من القتل العمد إجماعية وبَقيَ في موقعه مَرضيًا عنه من الإمام الشهيد (يقصد حسن البنا)!!


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- الهوامش:
(*) (القتل باسم الوطن والدين. محاكمات شهيرة وبطولات زائفة) تحت الطبع بالهيئة المصرية العامة للكتاب.
(1) د. عبد العزيز كامل: في نهر الحياة. المكتب المصري الحديث. الطبعة الأولى 2006 صـ 47 وما بعدها.
(2) محسن محمد: مَن قَتل حسن البنا، مرجع سابق صـ 382.
(3) محمود الصباغ: حقيقة التنظيم الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين، مرجع سابق صـ 139 وما بعدها.
(4) الدكتور محمود عساف: مع الإمام الشهيد، مرجع سابق، صـ 146.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى