محمود محمد حسن عبدي - شروق

(1)

هرول الخادم على ضجة صدرت من غرفة الأمير، التي دخلها و القلق يرتسم على ملامح وجهه الذي ترك الزمن عليه أخاديد عميقة، تمتم بصوت لا يخلو بالحرص: ماذا حدث لك سيدي … هل هو نفس الحلم ؟! بعد ان ترك برهة بين السؤالين .

لم يمر وقت طويل حتى اندفعت إلى داخل الغرفة السيدة الأم، ألقت بنفسها قريبا من فتاها،و أخذت تحضنه بكثير من الخوف و تمسح قطرات العرق الكبيرة التي غطت جبينه و أنفه، كأن شيئا ما سيختطفه منها، تردد بشكل شبه لا أرادي، ماذا بك يا ولدي ؟! لا تقلق سيكون كل شيء على ما يرام …وهو يتمتم بتوتر شديد يا إلاهي إنه نفس الحلم،لاهثا يتفصد العرق من جبينه
أخذت الإبريق الذي يقع قريبا من فراشه و صبت له الماء، وهي تهمس اشرب يا ولدي، و ارتح ..
كان الخبر يرتج في جنبات البيت الكبير، و قد سرى نشاط مرتبك في كل أرجائه، في تلك الساعة المتأخرة من الليل .


في الجانب الآخر من ( البيت الكبير )، كان ( السيد ) كعادته في ذلك الوقت من الليل، داخل مستودع البرديات ـ المكتبة ـ مع كاتم سره ( دلمرDalmar ) يقلب فيها لفافته على نور مصباح زيت صممه بنفسه، لألا يحدث وتحترق ثروته تلك من الكتب التي يعشقها، و هما يتناقشان في محتواها، من شعر وعلوم وأساطير دينية، وأخرى تتحدث عن نشأة الشعوب كعادتهما في انتظار الصلاة الصباحية .. حين دخلت إحدى الوصيفات مضطربة، وقفت بجانب الباب في هدوء مشوب باللهفة، حتى لا تقطع الحوار الذي كان دائرًا لا يخلوا من الحماسة بين السيد و صديقه …
مرت هنينهة حتى انتبها لوجود الفتاة واقفة هناك ..
مبتسما التفت السيد إليها: ماذا هناك بنيتي؟
سيدي.. السيدة الأم ترغب في رؤيتك ..
اتسعت ابتسامة السيد وأشار لصاحبه مستأذنا … وهو يهم بالخروج إليها …
ومن فوق كتفه نظر خلفه إلى حيث (دلمر)، كأنه يبوح بشيء يسعده: أنهن النساء ياصديقي … وغاب خلف الباب .
كانت الوصيفة تكاد تسبق سيدها و هي التي يفترض أن تسير خلفه … أبطأ قليلا حتى وازته وهي لا تشعر .. وقف وسألها بحزم، هل هو حلم الأمير ؟
توقفت بارتباك كأنها شعرت بتسرعها … نعم سيدي نفس الحلم .
وأين هي سيدتك الآن ؟ .. أنها في مخدعها قلقة جدا …
إذهبي إلى عملك إذًا الان بنيتي فأنا أعرف الطريق ..
لم يتوجه ( سماله Samaale ) مباشرة إلى حيث توجد زوجته الحبيبة، بل خرج من القصر ـ البيت الكبير ـ مهرولا إلى الحديقة …
مر بعض الوقت قبل أن يدخل عليها … كانت تجلس هناك على أريكة من جلد البقر، حاسرة الرأس، ولا شيء من زينتها المعتادة عليها … مطأطأة وحزينة في صمت ..
اقترب منها و هي لا ترفع رأسها، جلس بجوارها يخفي شيئا خلف ظهره …
اقترب أكثر حتى لامس كتفها صدره المفتول العضلات …
ماذا بك سيدتي .. كل هذا القلق من مجرد حلم …
نظرت إليه بعصبية متسائلة: مجرد حلم ! ثلاثة أيام وابننا يستيقظ مذعورا مختلط الأفكار …
يبدو كالمحموم.. أنا خائفة عليه كثيرًا .
رد السيد بصوت هادئ وواثق: سيكون بخير أنا متأكد من ذلك .. لا تقلقي حبيبتي لا أريدك أن تتعبي نفسك بكثرة التفكير، فأنا أيضًا أخشى عليكما كثيرا .
شعرت بالصدق والسكينة تتسلل إلى قلبها، وهي تنظر إلى عينيه الواثقتين و الهادئتين ..
أردف وهو يهز رأسه بحركة طفولية: و لدي شيء لك أيضا أعلم أنك تحبينه …
وأخرج باقة الريحان التي زال ندى السحر عليها، أحضرتها لك … حبيبتي .
بدا في عينيها ذلك الوميض الذي أعادها عشرين سنة إلى الوراء، يغمرها شعور يعرف هو دائما كيف يحييه فيها .
أحبك قالت له وتسللت دمعة لتنساب على خدها الأيسر، مسحها بإبهامه في رقة وتركها تتوسد صدره وهو يطوقها بذراعيه، ويشتم عبير شعرها .
لحظات قليلة وأصبحت تتسلل من الغرفة رائحة بخور ملكي جميلة، عطرت الردهة التي تقع عليها …
وهدأت الحركة في القصر كله .


محمود محمد حسن عبدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى