عماد علي قطري - الرَّابِيَة.. شعر

كانَ يبكي على طفلةٍ من دماءٍ الوطن
قالَ : بنتي .. و بحر البقر
ما الذي بعثر النَّبضَ
ألقى على الماءِ سِرَّ التَّجَلِّي ؟
مَنْ سَرَى بالنَّدَى من رُبَى الضَّوءٍ
حتى تِلَال الرَّدَى في جبال " المِلِيزْ " ؟
يا صَدِيقِي : انتَبِهْ !!
ما اسْتَوَى في الرَّدَى
مَنْ مَضَى شاهراً سيفه
بالذي غَاَلَهُ الغَدْرُ
أو بالذي ...
أو مَضَى مُدْبِرَا
أو بالذِي ...
أو تَشَظّى بِلَغَمٍ جَبَان
وَحْدَهَا الرَّابِيَة ْ
ليسَ لي غيرها البَاقِيَة
طَلقَة لا تَخُونَ الزِّنَادْ
خُوذَةٌ لم تَعُدْ صَاَلِحَةْ
في اللَّيَالِي أَرَاهَا دُمَىً كَاَلِحَةْ
عُهْدَةٌ .. دَفتَرٌ مَزَّقَتهُ الشّظايا
وَأَلقَت على وَجْهِنَا لَطْمَةً مَالِحَةْ
في الأَمَاسِي أَراهًا تَحِنُّ اشْتِيِاقَاً
لِرَأْسٍ تَشَظَّى ..
وَتَمضِي على الرَّمْلِ تسقي ضُلُوعِي
مُدَىً ذَابِحَةْ
ليسَ لي غَيرهَا البَاقِيَةْ
خُطْوِةٌ لا تَبِيع الثَّرَى للغَريِبْ
امتَطى صَهْوَةَ الرِّيحِ نَحْوَ البَلدْ
دمعةٌ لا تبيع العيونَ التي أنجبتها
لسيفِ الرَّمَدْ
ليسِ لِي ..
وَالمَسَاءُ الذي عَلّبَ الصَّمْتَ لم يَصطَحِب هَمْسَةً
تَصْطَفِى وَجْهَ جُنْدِ أَحَدْ
ليسَ لِي غَيْرُهَا ...
حُفْنَةٌ من دقيقِ البلادٍ البعيدة
خُصْلَةٌ خَضَّبَتْهَا دُمُوعُ الوَدَاعْ
طِفلَةٌ لا تَعِ غَيْرَ صَدْرٍ يُجيِدُ الحَنَانْ
نَخلَةٌ إن أَمُتْ لا تَخُنْ ظِلَّهَا
أو تَبِعْ تَمْرَهَا للريَاحْ
ليسَ لي غَيْرُهَا البَاقِيَة
وَحْدَهَا الرَّابِيَة
والمَدى مُثْخَنٌ بالظنونْ
بالبلادِ التِي علّمتنَا اليَقِينْ
بالسِّكُونِ المُدَوّي ورَاءَ الرِّمَال
مُثقَلٌ بالدُّخَانِ الذي يُشْبِه الأُفْعُوَانْ
بارتعاشٍ سَرَى ليسَ يُفضِي إلى دِفئِهَا
قِيْلَ عنها السَّكِينَةْ
وَحْدَهَا الرَّابِيِةْ
والرَّدَى طَلقَةٌ لا تُبَالِ بِأُمٍّ هناكَ وطفلٌ صَغيِرْ
لستُ أَخْشَى الرَّحيلْ
كُلُّنَا رَاحلٌ يا رَفيقْ
إنَّمَا هَاجِسٌ : كيفَ ذاكَ الرَّحيِلْ ؟!
وَحدَهَا الرَّابيَة
ليسَ لي غَيْرُها البّاقيَةْ
حِفنَةٌ من تُرَابٍ مُنَدّى بِنِيلٍ بَعِيدْ
ثُلَّةٌ من رِفَاقٍ مَضَوا للسَّمَاءْ
ذِكْرَيَاتُ الدِّمَاءْ
صُورَةٌ خَضّبتها دموعُ اشْتِيَاقْ
رُقْيَةٌ لم تَمُتْ في الضُّلُوعْ
كِسْرَةُ الخُبْزِ والمِلْحِ وَ الأُمنِيَاتْ
وَعْدُ حُرٍّ يَصُوُنُ الرُّفَاتْ
حُفْنَةٌ من إِبَاءٍ تَشَظّى
يُكَفْكِفُ دَمعَاً سَرَى
فَاعتَلَى السَّارِيَةْ
يا دَمِي ..
كنتَ لي مُنقِذِي فاستَوَى وَالنَّجَاة الهَلَاكْ
والجِرَاحُ التِي لَم تَكُنْهَا
أَكَانَتْ سِوَاكْ ؟
وَحْدَهَا البَاقِيَة
رَابِيَةٌ .. سَاريَةْ
والْجَبَلْ ؟
لَا جَبَلْ ..!!
كانَ يَجري وراءَ البَغَايَا بسَيْفٍ وَكَاَبْ
يَا حَكيِمَ السِّبَاقِ العِنَاقَ العِنَاقْ
كَانَ .. قِيْلَ استَوَىَ فوقَ صَدْرٍ وَذَاقْ
فَارْتَوَىَ ثَمَّ ...
هَل هُنَا والرِّمَالُ استَبَدَّت هُنَا
مِثْلَ حِضْنٍ هُنًاكْ ؟
رُبَّمَا دَعوَةٌ من نَخِيلِ البِلَادِ اصْطَفَتْهَا السَّمَاءْ
استَوَت شَاهقَةْ
فَصَارَت سَمَاءاً تَصُدُّ الرَّدَى
والرَّدَى طَلقَةٌ خَارِقَةْ
جُثَّةٌ سَامِقَةْ
ما ارْتَضَت طِيْنَهَا يَوْمَ أَمْسَت شَظَايَا
فَصَارَت ضُلُوعَاً أَبَتْ طَلْقَةً حَارِقَةْ
رَدّدَت خَلفَ مَاَءِ النُّبُوءَاتِ يَا رَب هَب لَنَا
مَا رَوَتْ جَدَّتِي : نُصْرَةٌ أَو شَهَادَة
رَبَّنَا يَا الَّذِي في السَّماءْ
مَلّ قلبي دُعَاءُ البَغَايَا بِنَصْرٍ سَرَابْ
مَلّ صَوتُ المُذِيعَاتُ تَتلُو أَغَانِي الغِيَابْ
كَاَفِرٌ بالرِّوَايَاتِ تَتْرَى وَتَرْمِي عَلينَا
حَدِيِثَ النُّكُوُصْ
نَزْفنَا طِيْنِةٌ من جنوب البلاد
قِيْلَ : " إِسْنَا "
وَقِيْلَ البداري احتفت بَعد قُوُصْ
كُلّمَا قلتُ مُتْنَا تَجِيءُ الشُّمُوسْ
وَحْدَهَا مِصْرُ كانت بقلبي
وَقلبي هُنَاك
وَحْدَها الرابية
لم تنم أو تخونُ الصَّبَاحْ
حَظّها أنَّهَا لم تَكُن في رَثَاءِ المُعَزِّين
أو طوّفت في العَرَاء
وحدها الرابية
في صُدور المُقِيمِينَ فيها
بِلَا أُغنِيَاتٍ كِذَابْ
فالمُغنُّونَ كانوا سُكَارى
فما أدركوا سِرَّ قَلبٍ يغني وحيداً
وَ حِ يْ دَ اَ
وَ حِ يْ دَ اً عَلَى الرَّابِيَةْ .


1967م
.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى