خليل حمد - غزوة الفقع الثانية.. ادغال وادي قانا.

من سرى باع واشترى. عملا بهذا المثل الشعبي، الذي سمعته لأول مره من صديقي اياد دويكات، ويقول ان المرحوم والده كان يردده باستمرار، اقنعت صديقي الدكتور ماهر أبو كشك ان نسري سروة الى ادغال وادي قانا هذا اليوم، لعلنا نكون أحسن حظا هذه المرة، ونعود بحصاد وفير من الفطر الجبلي اللذيذ خاصة ان وسائل الاتصال الاجتماعي، نقلت خلال الأيام الماضية صورا لتلال من الفطر في كفل حارس وجنين ودير غسانة أي في مناطق ما عرفنا انها تكرم على الناس بالفطر بتلك الكميات، على عكس احراش واد قانا التي اعتدنا عليها كمصدر رئيسي للفطر في فلسطين كما هي جماعين المجاورة مصدر رئيسي لحجارة البناء.

استجاب الدكتور ماهر لطلبي وفعلا تواعدنا وارتديت انا عدة القتال الجبلي، وحملت عصاي وتوكلت على الله.
وقبل صعودي الى السيارة لاحظت ان العجل الأيمن الخلفي هابط ويكاد الحديد يلامس الأرض، فاعتبرت لا اراديا ذلك فال شر، وشاهدت في صفحات خيالي معركة خاسرة في الماسورة مع الخنازير البرية.
وكدت اتصل بالدكتور ماهر لألغي المغامرة الجديدة خاصة ان المحلات مغلقة ولا يمكن العثور على محل لإصلاح البنشر. واتصلت به فعلا معلنا الخبر، لكنه أقنعني ان بإمكاننا إصلاحه عند أبو العبد صاحب محل البنشر عند مفرق بلدة صرة، وحيث ان المنفاخ قد فعل فعله وأعاد العجل الى حالة الامتلاء توكلت على الله من جديد ووافقت على السير قدما بمغامرتنا الجديدة.
وسرنا انا والدكتور ماهر خلفي على درب المحبة من جديد كل امتطى فرسه ام أربع عجلات، واتجهنا الى وادي قانا عبر بيت وزن صرة ثم الى هناك والى غزوة جديدة لجني الفقع.
لم نكن نعرف إذا كان الحاجز على مفرق صرة سيعيدنا بسبب الاغلاق، لكننا قررنا المحاولة، وعلى اعتبار ان الجبل والهواء الجبلي النقي أفضل من الجلوس المرضي في البيوت.
وقبل وصولنا الى الحاجز وجدنا محطة الوفاء تقدم خدماتها للجمهور فقمت على تغذية خزان الوقود بكمية جديدة.
ثم سرنا على بركة الله، وعند وصولنا الحاجز وجدنا الشرطي يقلب أوراق سيارة كانت تقف امامنا، فتشاءمت صراحة من الامر، وظننت ان مسلسل الشر لن ينتهي بتلك البساطة، واخذت أهيئ نفسي لخيبة امل العودة القصرية.
وتقدمت بمجرد ان تحركت السيارة التي امامي، وكنت على وشك التوقف، لكن الشرطي أشار الي بالاستمرار في الحركة من المعبر المفتوح، وكانت ترتسم على وجهه ابتسامة عريضة، فعرفت انه عرفني من طاقيتي الزرقاء وعصاتي، وانه من محبي مغامرات درب المحبة ومتابعيها حتما، فعبرنا الحاجز دون سؤال او جواب.
والصحيح ان هذا الموقف يتكرر في نفس المكان لكن مع شخص اخر حيث كنا يومها عائدين من كفل حارس وتفاجأت يومها ان الضابط يعرف اسمي ومكان عملي وسكني ومغامراتي على درب المحبة، وعندما سألته ان كان سيسمح لي بالمرور فأخبرني انه يسمح لي بالذهاب الى حيث اشاء.
وما هي الا دقائق حتى وصلنا وادي قانا وركنا السيارات امام خشة أبو خالد منصور كما هي العادة حماية لها من العابثين المحتملين هناك كوننا سنصعد الجبل ونتركها خلفنا.
استُقبلنا استقبالا جميلا كالعادة من أبو خالد واسرته، وحملت الحجة الدكتور ماهر سطل دهان كبير على امل اننا سنعود بصيد وفير وأطن انه حماه خجلا فهو ليس مغرم بالفطر بل بجمعهم يلقيه جانبا كمن يصيدالسمكه ثم يعيدهاالى الماء.
سرنا باتجاه الجبل وبمحاذات الأشجار من الأسفل محاولين الوصول الى مناطق تظللها أشجار البلوط حيث الصيد الذي ننتظره. وما ان بدنا رحلة الصعود باتجاه الأشجار الكثيفة حتى سمعنا شخص سبقنا الى الجبل يحذر من وجود خنزير في المنطقة التي كنا نسير باتجاهها، فقمنا فورا على تغيير خط سيرنا وقررنا ان نظل في المناطق المفتوحة والمكشوفة ، كي لا نتعرض لهجوم خنازيري مفاجأ. لكننا لم نترك شجرة او حجر الا ونظرنا اسفله بناء على توصية أبو خالد والذي أعلمنا عند لحظة الانطلاق نحو الجبل ان أبناؤه ملئوا أربعة اوعية من نوع الدول الكبير في اليوم السابق، مما بعث الامل في قلوبنا للعثور على بعض الأقراص.
سرنا، وسرنا، وسرنا بين الأشجار والاشواك، نصعد ونهبط. صار العرق يتصبب علينا، الشمس كانت حارقة، والأرض وعرة، والمسير صعب والإحباط من وجود الخنزير استولى علينا.
قطعنا سفح اول جبل وقطعنا الواد وعبرنا الى سفح الجبل الثاني، وفي الطريق عثرنا على عدد من الأقراص من صنف خشم العجل كما يسميها الأستاذ عبد الحافظ الحوارات ونسميها نحن زقم العجل، وضعها الدكتور ماهر في الدلو الضخم الذي ينتظر ان نملأه فطرا.
شاهدنا مناظر خلابة وعجيبة، واخذنا الصور في مناطق بعينها، لفتت انتباهنا وكأنها عيون ينابيع تفجرت من قلب الصخور الصلدة. كان المسير في أحيان صعب للغاية ومخيف كوننا كنا نتحسب لهجوم خنازيري، وقد جلسنا اثناء العبور الجبلي مرتين تناولنا فيها الطعام والماء واسترحنا لنتابع بتركيز المقاتل الذي يجب ان يحافظ على اتزانه ورباطة جأشه وقوته.
امضينا وقتا طويلا وقطعنا مسافة واسعة لكننا لم نحصد سوى خيبة الامل، من ناحية ما كنا ننظره من محصول الفقع. وقررنا العودة عبر الواد المحاذي للطريق الواصل الى خشة أبو خالد لعلنا نجد فيه ضالتنا قبل العودة خائبين فيما يخص محصول الفقع.
وفعلا تركنا الجبل خلفنا وما ان اقتربنا من الواد المحاذي للشارع حتى سمعت شخص يوشر ويتحدث بانفعال وينادني باسمي وكأنه عثر على كنز.
ثم أوقف ذلك الشخص السيارة ونزل منها واتجه نحوي وهو مبتسم منشرح الصدر، ويحمل في يديه قرص فقع ضخم لم ار قرص فقع بحجمه في حياتي وسلمني إياه وكأنه يعطيني اياه. وما لبث ان آتا بدلو ممتلئ الى الحلق بالفطر الجميل ووضعه في حضني فكانت الصورة.
يا للهول...ها نحن نمضي النهار في الجبل دون ان نعثر على قرص فقع واحد من الأنواع الشوا والبيضوي ضالتنا، ولولا تلك الإقراص من زقم العجل التي أدخلت الفرحة الي قلوبنا، لعدنا بخيبة كاملة، ولم نحصد الا الفراغ.
كان هذا الشخص وهيب منصور ابن أبو خالد منصور وهو صديقي على الفيس وما ان التقانا حتى أخبرنا انه يتابع رحلاتنا البرية انا والدكتور ماهر لحظة بلحظة وصار يتحدث معي وكأنه يعرفني منذ دهر رغم انني لم التقيه ابدا قبل هذا اللقاء.
طلبت منه ان يبقي لنا ما نستطيع شراؤه منه وفعلا تركنا وسبقنا الى البسطة لكنه ترك القرص الأسطوري معي.
عدنا الى حيث بسطة والده وهناك ابتعنا البرتقال والفطر من وهيب الذي ادخل الفرحة الى قلوبنا، أولا لأنه من عشاق رحلاتنا البرية ويتابعها كما يقول بتفاصيلها المملة وثانيا لأنه وفر لنا فرصة ان لا نعود بخيبة الامل ووفر لنا فرصة جعلت غزوتنا مثمرة ولو بدفع المال مقابل الفطر.
وحينما استفسرنا وسألنا من اين لك هذا؟ أخبرنا وهيب ان اخوته الاشبال الذين اختبرناهم في الغزوة السابقة وكانوا يتصرفون كالأسود، قد جنوا المحصول من مناطق ملاصقة للمستوطنات الجاثمة على رؤوس الجبال، أي انهم قاموا بمناوره شبه عسكرية كان يمكن ان تودي بحياتهم...لكل ذلك لم يعد سعر الفطر مهما ولو كان بألف دينار.
حملنا بضاعتنا ودفعنا ثمنها لكن الثمن لم يشمل ذلك القرص الضخم الذي اهداني إياه وهيب عربون الصداقة وتقديرا منه لمسارات درب المحبة.
وقبل المغادرة اطل شخص من شباك سيارته وهي واحدة من بين عدد هائل من السيارات التي تدفقت على الواد ليسألني " معقول وصلت الى هون كمان؟!" ليتبين لي انه هو أيضا من محبي مسارات درب المحبة.
غادرنا المكان وانا في غاية التأثر والسعادة، وعلى قناعة أعمق من أي وقت مضى بان زارع المحبة سيظل يجني المحبة أينما ذهب، ولن يخيب امله ابدا.
وان كنا حصدنا المحبة فما حاجتنا بالفطر والذهب؟!.
شكرا وهيب والشكر موصول للوالد والاسرة جميعها خاصة الأسوود الذين خاطروا بحياته لحققوا لنا حلمنا بالعودة محملين بالفقع الجبلي.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى