خرج هائمًا على وجهه لا يدري ماذا يفعل لمواجهة عبث الأقدار، باحثًا عن قبلته، بعدما تبددت آماله وزادت آلامه، صار غير قادر على احتمال تبعات الإخفاق، وأصبح محسوراً بين نظرتين تلاحقه، نظرة مليئة بعين الشفقة علي حاله، وأخرى مصحوبة بداء الشماتة.
انطلق كالسهم مختبئا عن الأعين، بحثا عن ذاك الملاذ الآمن، الذي ينعم فيه باسمي معاني الراحة المفقودة، راحة الجسد وراحة البال.
حاول العثور علي ضالته أملا في التقاطها ليستريح ولو قليلاً، أشار عليه عقله، أن يعود إلي الجذور، إلي موطنه الأصلي حيث قريته، الشاهدة علي أعذب ذكريات الطفولة وبدايات رحلة الكفاح.
لكن اعتبر مجرد التفكير في هذا الخاطر بمثابة الانتحار، عادت أمامه ذكريات الماضي تراوده، حين وهبه الوهاب الجاه والسلطان، عاني خلال تلك الرحلة أبواه أشد المعاناة حيث ذاقا مرارة الكفاح، لم يكف فيه الأب عن مواصلة العمل الليل بالنهار، وأمه من خلفه تتضرع للرحمن بالدعاء آناء الليل وأطراف النهار، أن يحقق لابنها حلمه الأثير، في أن يصبح واحداً من مشاهير دنيا المال والأعمال، وبعد أن بدأ في جني ثمار النجاح، نسب الفضل لنفسه، وتنصل من الأهل والصاحب وذكريات البلد الآمين قريته كما يطلق عليها أهلها، واستمر في العزف علي قيثارة الجحود، حين كال الاتهامات لأصحاب الفضل والمعروف، للدرجة جعلته يضع أبواه في قفص الاتهام، أثناء قدومها لزيارته، بعد أن انقطعت أخباره زمنا ليس بالقصير، لم يقدر خلالها الأبوان علي تحمل فيض الخاطر المصحوب بوابل من هواجس الشيطان، ظنا منهما أنه قد أصيب بسوء بالغ، لم يقدر من بعده علي التواصل معهما، حملا الأبوان زادهما، مستعدين لحط الرحال في قاهرة المعز، حني يبددًا تلك المخاوف، ويقطعا أدبار الشك بحقائق اليقين، لكن مفاجأة نزلت كالصاعقة، كاد الأب أن يسقط طريحا علي الأرض كما الأموات، وشعرت معها الأم وكأنه أصيبت بالشطط والجنون، لولا أن أدركنهم رحمة الرحمن لكانا من الهالكين، حيث لم يدر بخلدهما أن يشاهدًا ما شاهدًا، اعتقدا أن ما يرونه ويسمعونه هو من دروب الخيال، حيث منّ الله علي ابنهما بوافر المال ووهبه من النفوذ ماجعله يؤمر فيطاع وإشارته دائما رهن الإجابة، وصار من ساكني القصور، التي تشبه في عظمتها قصور كسري وقيصر، لكنهما لم يتصورًا أن يمنعهما حٌراس القصر من دخوله، وحين صمما علي الدخول، أبلغه الرابضون علي أبواب قصره عبر الهاتف، شخصان يطلبان الدخول لمقابلتك، زاعمين أنهم أبوك، حاولنا منعهما، غير أنهما تمسكا بعدم المغادرة، مصممين علي رؤياك، طلب من حراس القصر أن يسمحا لهما بالدخول في هدوء لعدم لفت الأنظار، وأن يجلسا في حجرة أحد أفراد الأمن لحين قدومه، وبعد أن طالت ساعات الانتظار، شعراً الأبوان خلالها، وكأنهما نزلاء في أحد السجون، عبر معاملة جافة لدرجة الجفاء، وأوامر بعدم التحرك يمينا ويسارًا، وفجأة دخل الابن، بوجهً عبوس قمطريرًا، هّم الأب بمصافحته و همت أمه بتقبيله، غير أنه رفض أن يبادلهما تلك الشعور دفيء الحنان، ليتملك الذهول كلا من منهما، وقبل أن يستفيقا من هول الصدمات، فتح الابن نيرانه صوب أبويه، ناكرًا فضلهم، ومستنكرًا قدومهم لقصره، بحجة أن حياته الجديدة تحتم عليه التبرؤ من جلده القديم، لم يصدق الأبوان ماسمعا، غير أن الأب تحامل علي نفسه، وتوجه إلي السماء شاكيا وداعيا ، أن يجعل ابنه عبرة لأولي الأبصار، لكنه مالبث وتنصل من دعاءه، بعد أن تمكن منه إحساس الأبوة، أن يعيد ابنه إلي رشده وعقله، وعادًا الأبوان إلي بيتهما الريفي في القرية، بيأس وخيبة أمل ورجاء لاتتحمله أعتي الجبال، ولم تمضي سوي أيام معدودات، حني دخل الأب في دوامة المرض، لكن هزمه المرض شر هزيمة، لينتقل إلي جوار ربه، وتبقي الأم وحدها تعاني مشقة الحياة.
لاحقت بعدها الأزمات الابن الضال، لايخرج من أزمة حني تلاحقه الأخرى، انفصل عن شركائه، وحاصرته الخسائر، وبدأت شمسه في الاتجاه نحو الغروب، حاول الاستناد علي رفقاء الأمس، أعطواه جميعهم ظهورهم، وصار بلا أنيس من البشر يشكو له حاله اليائس، أو ونيس من تلك الأموال التي اقترفها من عمله، وذهب نفوذه إلي غير رجعة. أدرك أن ما أصابه هي استجابة الخالق دعاء أبيه.
غير أنه قد حسم أمره، مصمما علي الذهاب إلي قريته، يستدر عطف أمه ورضاها، ويذهب لقبر والده طالباً منه العفو، وحين حط بقدمه داخل قريته، وجد نفسه زائر غير مرحب به،شعر وأنه ضيف ثقيل، مما جعله يفكر في أن يعود من حيث أتى، غير أنه صمم علي زيارة قبر والده، وبدأ يخطو خطوات ثقيلة، ولحظات تمضي كالسنوات، حني وقف أمام قبر والده، شعر بشعور أغرب من الخيال ، وكأنما القبر يرفض دعاءه معطيا له ظهره، وأباه أمامه ينطق بكلمة واحدة أرحل غير مأسوف علي دعاءك، أدرك معها أن ضل في العنوان، وأن عليه البحث عن عنوان آخر.
لكن فجأة دقت أجراس المنبه إيذانا بإشراقة يوم جديد، استيقظ معها الابن من منامه الطويل مستعاذاً بالله من همزات الشيطان، مدركاً أن مغزى الحلم رسالة أشبه بالعنوان، وأن العنوان السليم ليس قصر يشيده علي أنقاض مبادىء راسخة كالجبال أو أموال يجمعها، لكنه بر الوالدين وصلة الأرحام، وأن فعل الخيرات هي الحصن المنيع من الوقوع في براثن الشرور، وذهب الغبن كالمعتاد وقبل يد أبواه، وانطلق لجامعته حاملا بداخله العنوان الحقيقي الحياة.
انطلق كالسهم مختبئا عن الأعين، بحثا عن ذاك الملاذ الآمن، الذي ينعم فيه باسمي معاني الراحة المفقودة، راحة الجسد وراحة البال.
حاول العثور علي ضالته أملا في التقاطها ليستريح ولو قليلاً، أشار عليه عقله، أن يعود إلي الجذور، إلي موطنه الأصلي حيث قريته، الشاهدة علي أعذب ذكريات الطفولة وبدايات رحلة الكفاح.
لكن اعتبر مجرد التفكير في هذا الخاطر بمثابة الانتحار، عادت أمامه ذكريات الماضي تراوده، حين وهبه الوهاب الجاه والسلطان، عاني خلال تلك الرحلة أبواه أشد المعاناة حيث ذاقا مرارة الكفاح، لم يكف فيه الأب عن مواصلة العمل الليل بالنهار، وأمه من خلفه تتضرع للرحمن بالدعاء آناء الليل وأطراف النهار، أن يحقق لابنها حلمه الأثير، في أن يصبح واحداً من مشاهير دنيا المال والأعمال، وبعد أن بدأ في جني ثمار النجاح، نسب الفضل لنفسه، وتنصل من الأهل والصاحب وذكريات البلد الآمين قريته كما يطلق عليها أهلها، واستمر في العزف علي قيثارة الجحود، حين كال الاتهامات لأصحاب الفضل والمعروف، للدرجة جعلته يضع أبواه في قفص الاتهام، أثناء قدومها لزيارته، بعد أن انقطعت أخباره زمنا ليس بالقصير، لم يقدر خلالها الأبوان علي تحمل فيض الخاطر المصحوب بوابل من هواجس الشيطان، ظنا منهما أنه قد أصيب بسوء بالغ، لم يقدر من بعده علي التواصل معهما، حملا الأبوان زادهما، مستعدين لحط الرحال في قاهرة المعز، حني يبددًا تلك المخاوف، ويقطعا أدبار الشك بحقائق اليقين، لكن مفاجأة نزلت كالصاعقة، كاد الأب أن يسقط طريحا علي الأرض كما الأموات، وشعرت معها الأم وكأنه أصيبت بالشطط والجنون، لولا أن أدركنهم رحمة الرحمن لكانا من الهالكين، حيث لم يدر بخلدهما أن يشاهدًا ما شاهدًا، اعتقدا أن ما يرونه ويسمعونه هو من دروب الخيال، حيث منّ الله علي ابنهما بوافر المال ووهبه من النفوذ ماجعله يؤمر فيطاع وإشارته دائما رهن الإجابة، وصار من ساكني القصور، التي تشبه في عظمتها قصور كسري وقيصر، لكنهما لم يتصورًا أن يمنعهما حٌراس القصر من دخوله، وحين صمما علي الدخول، أبلغه الرابضون علي أبواب قصره عبر الهاتف، شخصان يطلبان الدخول لمقابلتك، زاعمين أنهم أبوك، حاولنا منعهما، غير أنهما تمسكا بعدم المغادرة، مصممين علي رؤياك، طلب من حراس القصر أن يسمحا لهما بالدخول في هدوء لعدم لفت الأنظار، وأن يجلسا في حجرة أحد أفراد الأمن لحين قدومه، وبعد أن طالت ساعات الانتظار، شعراً الأبوان خلالها، وكأنهما نزلاء في أحد السجون، عبر معاملة جافة لدرجة الجفاء، وأوامر بعدم التحرك يمينا ويسارًا، وفجأة دخل الابن، بوجهً عبوس قمطريرًا، هّم الأب بمصافحته و همت أمه بتقبيله، غير أنه رفض أن يبادلهما تلك الشعور دفيء الحنان، ليتملك الذهول كلا من منهما، وقبل أن يستفيقا من هول الصدمات، فتح الابن نيرانه صوب أبويه، ناكرًا فضلهم، ومستنكرًا قدومهم لقصره، بحجة أن حياته الجديدة تحتم عليه التبرؤ من جلده القديم، لم يصدق الأبوان ماسمعا، غير أن الأب تحامل علي نفسه، وتوجه إلي السماء شاكيا وداعيا ، أن يجعل ابنه عبرة لأولي الأبصار، لكنه مالبث وتنصل من دعاءه، بعد أن تمكن منه إحساس الأبوة، أن يعيد ابنه إلي رشده وعقله، وعادًا الأبوان إلي بيتهما الريفي في القرية، بيأس وخيبة أمل ورجاء لاتتحمله أعتي الجبال، ولم تمضي سوي أيام معدودات، حني دخل الأب في دوامة المرض، لكن هزمه المرض شر هزيمة، لينتقل إلي جوار ربه، وتبقي الأم وحدها تعاني مشقة الحياة.
لاحقت بعدها الأزمات الابن الضال، لايخرج من أزمة حني تلاحقه الأخرى، انفصل عن شركائه، وحاصرته الخسائر، وبدأت شمسه في الاتجاه نحو الغروب، حاول الاستناد علي رفقاء الأمس، أعطواه جميعهم ظهورهم، وصار بلا أنيس من البشر يشكو له حاله اليائس، أو ونيس من تلك الأموال التي اقترفها من عمله، وذهب نفوذه إلي غير رجعة. أدرك أن ما أصابه هي استجابة الخالق دعاء أبيه.
غير أنه قد حسم أمره، مصمما علي الذهاب إلي قريته، يستدر عطف أمه ورضاها، ويذهب لقبر والده طالباً منه العفو، وحين حط بقدمه داخل قريته، وجد نفسه زائر غير مرحب به،شعر وأنه ضيف ثقيل، مما جعله يفكر في أن يعود من حيث أتى، غير أنه صمم علي زيارة قبر والده، وبدأ يخطو خطوات ثقيلة، ولحظات تمضي كالسنوات، حني وقف أمام قبر والده، شعر بشعور أغرب من الخيال ، وكأنما القبر يرفض دعاءه معطيا له ظهره، وأباه أمامه ينطق بكلمة واحدة أرحل غير مأسوف علي دعاءك، أدرك معها أن ضل في العنوان، وأن عليه البحث عن عنوان آخر.
لكن فجأة دقت أجراس المنبه إيذانا بإشراقة يوم جديد، استيقظ معها الابن من منامه الطويل مستعاذاً بالله من همزات الشيطان، مدركاً أن مغزى الحلم رسالة أشبه بالعنوان، وأن العنوان السليم ليس قصر يشيده علي أنقاض مبادىء راسخة كالجبال أو أموال يجمعها، لكنه بر الوالدين وصلة الأرحام، وأن فعل الخيرات هي الحصن المنيع من الوقوع في براثن الشرور، وذهب الغبن كالمعتاد وقبل يد أبواه، وانطلق لجامعته حاملا بداخله العنوان الحقيقي الحياة.