هاشم غرايبه - الكرسي..

بدأت حرفة النجارة في القرية الأردنية بسيطة لكنها متعددة الأغراض: فقد كانت أدوات العمل من أهم مخرجات النجارة كصنع المحراث اليدوي، والنير الذي يوضع على رقبة الفدان ليجمع الثورين اللذين يجران المحراث أو العربة أو اللوح الخشبي المرصع بالحجارة لدرس المحصول، كما يصنع المذراة الخشبية، والرحت الذي يكشط به البيدر، أو يستعمل لتنظيف الأرض تحت الدواب، كما يصنع النجار المعالف للماشية،على شكل مثلث طويل مرفوع على أربع قوائم، وتكون عادة على شكل قائمتين متصالبتين من كل جهة، ويوضع في المعلف التبن والشعير، وتصطف الأغنام حوله لتنال طعامها في الشتاء، وصناعة الهودج للعروس، وصناعة الشاغر أو الشداد الذي يوضع حول سنام الجمل ليسهل امتطاؤه أو تحميله بالأحمال الثقيلة،كلها من اختصاصات النجار.. ويصنع النجار سرير الطفل أيضا الذي يرتكز إلى قائمتين خشبيتين على شكل قوس، ليسهل على الأم تحريكه بقدمها لهدهدة الطفل فيما هي تعجن العجين، أو تقشر البصل..

وأدوات النجار الريفي بسيطة تعتمد على المنشار، والمثقب اليدوي، والفأرة، التي تصقل السطح وأزاميل لعمل التجاويف، وحجر خشن للتلميع.. وصار فيما بعد يستعمل ورق الصنفرة.
من أهم مخرجات النجارة قديما كان صناعة مايسمى الكوارة وهي صندوق لحفظ الطحين باسفله فتحة مغطاة بباب ينزلق للأسفل فيغلق الكوة، او يرفع لأعلى ليفتح الكوة وينزل الطحين.
وهناك المطوى وهو مستطيل خشبي بارتفاع نصف متر تطوى عليه البسط واللحف، وحشيات الصوف، وعادة ما يزود بدرج أو أكثر في بطنه لحفظ الملابس الخفيفة.
أما السبت وهو الصندوق المرصع بالصدف وتحفظ به المرأة متاعها وحليها،. كذلك النملية وهي خزانة المطبخ التي يحفظون فيها الأطعمة، ومواد التموين الأساسية، فقد كان يصنع عند نجارين مهرة في المدن.
بعض أواني المطبخ كانت تصنع عند النجار أيضا، مثل الباطية، وهي صحن خشبي كبير، ومثل الملاعق الكبيرة والصغيرة، وجرن طحن القهوة والمهباش.. كذلك السلم الخشبي والقاعدة الخشبية لزير الماء أو جرة الزيت، أو الكرسي الصغير متعدد الاستعمالات كلها كانت من اختصاصات النجار في الريف الأردني.. وإذا كان الحديث ذو شجون فقد قادنا الشجن للتفصيل في موضوع الكرسي:
إنه كرسي الفلاح الأردني، كرسي متواضع، وبسيط جدا، لا يتجاوز ارتفاعه ربع متر، وسطحه مستطيل بمساحة 20/30 سم، وسطحه مجور قليلا في الوسط، ولون خشبه لامعا بلون الدبس، لتعدد وظائفه، وكثرة ما مر عليه من أشياء. فقد كان رغم حجمه الصغير يقدم خدمات واسعة تنوء بحملها الكراسي الفارهة..
كان الفلاح الأردني يستعمل الكرسي ليتكئ عليه.. يضع عليه مخدة الصوف، ويغز كوعه عليه، ويضع راحته تحت رأسه، ويغني يا ليل.. أو يمدد ساقيه على الطراحة، ويسرد الحكايا.
ومن الممكن أن يصير هذا الكرسي مكتبا، يتربع أمامه، ويخط عليه رسالة لولده المغترب، أو يفرد عليه قواشين الأرض، ويراجعها. أو يوقع عليه عقد بيع، أو ضمان مع طرف ثان.
وفي رمضان تحديدا ترى الفلاح الأردني يجلل الكرسي بالمصلوة، ويضعه أمامه، ثم يفتح المصحف الشريف فوقه، ويتلو القرآن، وهو يهز جذعه إلى الأمام وإلى الخلف برتابة. أما المسن الذي يضطر أن يصلي جالسا.. فيضع الكرسي أمامه ليسجد عليه.
هذا الكرسي الصغير، كان يستعمل مفرمة: يفرم عليه الفلاح الأردني تبغه، ويقطع عليه اللحمة في عيد الأضحى، وكانت ربة البيت تنقي عليه العدس، وتفرم عليه الخبيزة، وتقطع البطاطا عليه أيضا..
أما البصل فكانت تفرمه بطريقة فذة لكنها انقرضت: تمسك البصلة بيد، وتضربها ضربات سريعة قوية بالسكين، ثم تفرم باليد الأخرى الجزء الذي تشقق، وتعيد الكرة حتى القمعة.)
وكان الكرسي يتنقل مع الفلاح حسب المواسم، فيجلس عليه أمام الدار في الظل أيام الصيف، ويجلس عليه مسندا ظهره للحائط الشمالي مستمتعا بدفء الشمس في الشتاء.. وكان يستعين بالكرسي ليقف عليه، ويتناول شيئا عن رف الشاشية، أو من فوق الكواير.
كما كان يستعمل الكرسي للاستحمام أيضا: يضع لقن الغسيل بعتبة البيت، وسطل الماء الساخن والمغرفة بجانبه، ثم يأتي بالكرسي ما غيره يضعه باللقن ويخلع ملابسه عليه ثم يجلس فوقها ويستحم.. وحين كان يحلق ذقنه، كان يقلب الكرسي على جنبه، ويركز المرآة على خشبته..ويضع *مغرفة الماء الساخن، وصابونة المفتاحين، والفرشاة المبقعة قاعدتها ببقايا طلائها الأسود، وقد تآكل وبرها، فوق الكرسي..)
وكان الفلاح الأردني يستعمل الكرسي ليتكئ عليه.. يضع عليه مخدة الصوف، ويغز كوعه عليه، ويضع راحته تحت رأسه، ويغني يا ليل.. أو يمدد ساقيه على الطراحة، ويسرد الحكايا.
ومن الممكن أن يصير هذا الكرسي مكتبا، يتربع أمامه، ويخط عليه رسالة لولده المغترب، أو يفرد عليه «قواشين» الأرض، ويراجعها. أو يوقع عليه عقد بيع، أو ضمان مع طرف ثان.
وفي رمضان تحديدا ترى الفلاح الأردني يجلل الكرسي بالمصلوة، ويضعه أمامه، ثم يفتح المصحف الشريف فوقه، ويتلو القرآن، وهو يهز جذعه إلى الأمام وإلى الخلف برتابة. أما المسن الذي يضطر أن يصلي جالسا.. فيضع الكرسي أمامه ليسجد عليه.
هذا الكرسي الصغير، كان يستعمل مفرمة: يفرم عليه الفلاح الأردني تبغه، ويقطع عليه اللحمة في عيد الأضحى، وكانت ربة البيت تنقي عليه العدس، وتفرم عليه الخبيزة، وتقطع البطاطا عليه أيضا..
أما البصل فكانت تفرمه بطريقة فذة لكنها انقرضت: تمسك البصلة بيد، وتضربها ضربات سريعة قوية بالسكين، ثم تفرم باليد الأخرى الجزء الذي تشقق، وتعيد الكرة حتى القمعة.)
وكان الكرسي يتنقل مع الفلاح حسب المواسم، فيجلس عليه أمام الدار في الظل أيام الصيف، ويجلس عليه مسندا ظهره للحائط الشمالي مستمتعا بدفء الشمس في الشتاء.. وكان يستعين بالكرسي ليقف عليه، ويتناول شيئا عن رف الشاشية، أو من فوق الكواير.
كما كان يستعمل الكرسي للاستحمام أيضا: يضع لقن الغسيل بعتبة البيت، وسطل الماء الساخن والمغرفة بجانبه، ثم يأتي بالكرسي ما غيره يضعه باللقن ويخلع ملابسه عليه ثم يجلس فوقها ويستحم.. وحين كان يحلق ذقنه، كان يقلب الكرسي على جنبه، ويركز المرآة على خشبته.. ويضع « مغرفة» الماء الساخن، وصابونة المفتاحين، والفرشاة المبقعة قاعدتها ببقايا طلائها الأسود، وقد تآكل وبرها، فوق (الكرسي..).
لا شك أن الفلاح الأردني استفاد من خدمات هذا الكرسي باستعمالات أخرى فاتنا التقاطها، لكنا رغبنا أن نقدم صورة لهذا الكرسي الشعبي البسيط متعدد الاستعمالات الراسخ في الذاكرة الشعبية.
* كاتب أردني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى