هدية حسين - امرأتان وكرسي واحد..

امرأتان، وقلبان يخفقان لشيء واحد، تتنازعان الذكرى، وتستدرجان بعضهما، لعل احداهما تتنازل عن هذا الكرسي القابع في القبو منذ سنين، والذي لم يعد متحركا كما كان.. جلس عليه زوج المرأة الاولى عندما اصيب بالشلل، وغاب عن الحياة.. اما زوج المرأة الثانية فقد استخدمه بعد سقوط قذيفة طائشة سقطت على الطريق العام بينما كان عائدا من عمله فبترت ساقاه.

وأصل الحكاية يعود الى زمن ابعد مما نحكي عنه الان.. تقول المرأة الثانية:
- كنا على عجلة من امرنا بشراء هذا البيت ذي الواجهة الرخامية والسياج العالي، باع زوجي قطعة الارض التي يملكها ودفع العربون، ثم بعت كل ما املك من حلي ذهبية لتوفير المبلغ.. همست لزوجي بينما كانت صاحبة البيت تعد الشاي:
- انه لقطة.. لن نجد بيتا بهذا الثمن.
راودت زوجي الشكوك، فالبيت يستحق اكثر بكثير من المبلغ الذي طلبته صاحبته، قال زوجي بصوت خفيض:
- اخشى ان تكون ثمة مشكلة، او ان يكون متنازع عليه، او.. لم يكمل، دخلت المرأة بصينية الشاي وهي تكرر ترحابها بنا.. سألها زوجي:
- هل لنا ان نعرف لماذا تفرطين بهكذا بيت جميل؟
تبددت الشكوك التي ملأت رأسه قبل قليل حين قالت:
- اعرف انه يساوي الكثير، ولكن الوقت ادركني.. لدي عقد عمل في كندا ولا اريد تفويت الفرصة.. انني احقق امنية زوجي المرحوم.
***
انتقلنا الى بيتنا الجديد بعد اسبوعين، وكانت فرحتنا لا توصف، فهو اول بيت نمتلكه بعد سنوات من السكن بالايجار.. وذات مساء رن الهاتف فرفعت السماعة، واذا بالمرأة التي لم تعد صاحبة البيت ترجوني بصوت متوسل ان احتفظ بشيء عزيز على قلبها بقي داخل قبو البيت، حتى تتدبر من تبعثه لنا ليأخذه، او نحتفظ به حتى يأذن الله بعودتها.. لم اعرف ذلك الشيء فقد انقطع الاتصال بيننا.
نزلت وزوجي الى القبو الذي لم ندخله منذ انتقالنا الى هذا البيت، فاذا به كرسي متحرك من ذلك النوع الذي يستخدمه المعاقون.. ضحكت ساخرة وقلت لزوجي:
- يا لها من تحفة ثمينة.
رد زوجي ممتعضا.
- هل سنحتفظ به الى وقت طويل؟ اننا بحاجة الى القبو.
وتركنا الامر حتى نبحث عن مكان نخبيء به الكرسي، ونحول القبو الى استراحة او غرفة نوم للضيوف.. ولكن الامر ظل كما هو عليه لعدم وجود مساحات او زوايا فائضة في البيت.. ثم حدث ما لم يكن واردا بالحسبان، فقد شاءت الظروف ان يستخدمه زوجي لاكثر من ثلاث سنين.. كنت فيها أساعده على الجلوس عليه او النهوض عنه او الخروج الى الحديقة، فغزلت حزني مع ذكرياتي بمصاحبة هذا الكرسي حتى غاب زوجي عن الحياة ولم يغب عن رأسي وعن الكرسي الذي حمل ذكريات المه ومعاناته، فماذا افعل؟
بكت المرأة الاولى، وفعلت الثانية الشيء نفسه.. تمسكت كل واحدة بحقها في الذكريات.. قالت الاولى:
- انه جزء من حياتي.. انا التي احضرته واجلست عليه زوجي، انا التي كنت امضي به الى المستشفى واعود به الى البيت محمولا عليه.. احركه من زاوية الى اخرى، اقبض على مسنديه كأنني احتضن زوجي، واقبض على جمرة العشق الاولى التي توجرت في روحينا.. وحين غيبه الموت توزعت ذكريات زوجي على كل شيء، ولكن هذا الكرسي احتفظ بالحصة الاكبر، بدموعي وحرقة قلبي وآلام زوجي، أليس من حقي الاحتفاظ به؟
كل منهما تتوسل الثانية، وتدرك ماذا تعني الذكريات للنساء، وكل منهما ترى انها الاحق بامتلاك الكرسي وتريد الاحتفاظ به دون ان تجرح مشاعر الثانية.. والقصة ما تزال معلقة بلا نهاية، وبانتظار من يفتي بأحقية احداهما.. او بنهاية معقولة استعصت على كاتبة هذه القصة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى