محمد السيد محسن - علاء بشير... ذاكرة الكراسي ورائحة البلاد..

السلطة والوطن والطمأنينة في موضع واحد
ذاكرة الكراسي عنوان المعرض الشخصي الأخير للفنان علاء بشير في قاعة المركز الفني في مدينة نوتنغهام وضم المعرض اكثر من خمس وعشرين لوحة تجول الفنان من خلالها بين الكراسي ونبش في ذاكرتها. المعرض مثل سلسلة الذاكرات التي يستجليها علاء بشير بعد ذاكرة المفاتيح وهو مشروعه الذي وعد منذ فترة طويلة حيث يري الفنان علاء بشير ان للكرسي في حياته شأناً انتبه اليه في لحظة معبرة حيث وجد أن لكل انسان علاقة مع الكرسي وأن ايحاءات الكرسي كثيرة في حياة الانسان ووجهات نظره. وقال علاء بشير انه انتبه الي انه يحب ان يجلس دائما علي كرسي مفضل في داره وهي ممارسة انسانية يتشارك فيها الكثيرون لكن هذه الممارسة حرضته علي ان يبحث في موضوعة الكرسي فساحت قريحته علي اللوحات. فالكرسي عند علاء بشير بات يمثل الحياة وعلاقة الإنسان في مجمل ظواهرها فهو اي الكرسي حسب ما قال علاء بشير في مختصره التوضيحي عن مشروعه الجديد.: وان اختلف بين بعضه والاخر في الهندسة واللون الا انه يمثل وجهة نظر الانسان في الحياة فبعض الكراسي تستحضر السلطة عند انسان فيما يمثل الكرسي عند اخرين الوطن او الطمأنينة او الهدوء وهو يعبر عن العلاقة بين كل اللغات والصور المستحضرة في ذهنية كل باحث عن الذاكرة فيجد من خلال الكراسي انه من الممكن ان يشكل وجهة نظر او انه يرسم علاقة بين الاشياء والكرسي
ويضيف علاء بشير انه استحضر عالم الكراسي من خلال كل كرسي في هذا العالم
علاء بشير الذي يصف عمله وابداعه في جملة كتبها باللغة الانجليزية مفادها
I paint what I see in my mind سألته عن المغزى من هذا القول فقال انه حينما كان يعمل مع استاذه حافظ الدروبي كان يسأله مراراً: ما فائدة ان يرسم الفنان مايراه ويعكسه بما يراه دون ان يرسم ما يحس بذاته من خلال ما يرى؟
يقول علاء بشير كان هذا السؤال بمثابة الانتقالة الحقيقية لكي ارسم ما أراه في ذهني وليس ما اراه في عيني لأن ما اراه في عيني يراه الجميع وأما ما اراه في ذهني فانني الوحيد الذي من الممكن ان أؤسس له وجهة نظر تختلف عن الآخرين وهذا هو ديدني فيما ارسم .
انه حقاً ديدن علاء بشير في انتقاء موضوع اللوحة وطريقة تجسيده غبر الالوان والحركات فتجد كرسيا يمتد كزقورة سومرية ويفر تأريخه بين اضلاعه لكن لون الحفر تراه يكتسي السواد ربما هو سواد العراق الذي طالما اشار الي المعنيين المختلفين تماما فاما هو سواد العراق من اسم العراق ارض السواد علي كثرة خيرها واشجارها التي بانت كثيفة وغاب خضارها وبان سوادها فكان سواد العراق صفة ايجابية، ومن جانب آخر لربما ان يكون سواد العراق هو الحزن المستعمق في الشخصية العراقية الباحثة عن الحياة والتي تخاف الموت منذ كلكامش وبحثه عن انكيدو .
والكرسي في احد ملامحه سلطة البست من راسها كيس الاعدام الاسود فيما لاح في قاع اللوحة ظل مراقب عاجز عن ابداء الرأي ،
أما كرسي الانتظار الذي اصبغه باللون الاحمر فقد وقفت على رأسه الغربان وهي تنعق وامتد علي ارض اكتست باللون الاسود وقد اطلق علي اللوحة " كرسي الانتظار"، علاء بشير عام 2001 يستجلي رائحة الوطن في ذاكرة الكراسي ويبحث عن الهدوء المضيع في حياته كعراقي انتمي الي ارض قلقة لا سلطان لها الا بالسلطة ولا سلطة لها الا بالقسوة وقد بان ذلك علي طبيعة الالوان التي كانت حادة في معظمها حيث استخدم كثيرا اللون الاسود والاحمر واذ اضفى للوحة لونا ابيض فإن لوحته يسميها : " الاحتجاب" فقد حجب الغياب باللون الابيض واغلق دائرة الحزن باللون الابيض كتعبير فنتازي عن ارتباك القيم .
اما لوحة "تردد" فقد رسم كرسيا علي شكل مصطبة ترددت عليها اجساد النساء حافية القدمين وتردد الاجساد عبر كناية عنه كثرة الاقدام الحفية تحت المصطبة الكرسي، ولكن الرغبة والقهر والحيف يلف وجهها الذي غاب في اللوحة وبات منحنيا علي الذاكرة وهي في تقديري من اجمل ما رأيت في المعرض .
بشكل عام اقول إن علاء بشير نجح في استطلاعه الكبير حول " ذاكرة الكراسي" واستجلي من خلاله رؤية واضحة قد يقف عندها المشاهد ولكنه ترك في ذهن المتابعين اكثر من سؤال حقيقي عن عمق العلاقة التي تربط الانسان بالكرسي، بل وحرض فينا المراجعة الحقيقية لهذه العلاقة.
المصدر : جريدة الزمان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى