أحمد الجنديل - الكرسي

السلام عليك يامالك الفخامة وصاحب الجلالة ومذل الأباطرة، وكعبة المقامرين، وقبلة الصناديد الذين خلعوا رجولتهم تحت نعليك .

السلام عليك يامَن انتحرت بين قوائمه دهاء النساء وبريق الثراء، وبلاغة أسياد الحرف وصراخ البلغاء والمتفوهين .
السلام عليك أيها المتوهج بالإغراء الغريب، والشامخ بالسحر العجيب.
السلام على الصنم العاصف والوثن القاصف الذي تناثرت الأصنام نثارا بفعل شراسة قبضته، واستحالت الأوثان البشرية بفعل جبروته إلى رماد .
السلام على مَن اختطف بريق العفـّة، وذبح أمل الفقراء، وصادر هوية الصدق، وأحال الجمال إلى أوبئة تفتك بالإنسانية، وتنهش بالحضارة، وتمتص دماء المستقبل .
منذ البدء، والجميع يلعنك، ويحذّر من شرورك، ويتقي غدرك، ويلعن فعلك، ويتعوذ من بطشك .
ومنذ البدء، والجميع يسعى إليك، يركع تحت قديك، يتبرك بترابك، يتحمل الأهوال وينفق الأموال، ويبيع الأخضر واليابس من أجل أن يحتمي بظلـّك، ويركب سرجك، ويشهر سيفه خلف وصايتك .
أيها الرب المزيـّف الذي يعبده الفرسان والعبيد، الرجال والنساء، ولا أستثني إلا ما رحم ربي، خالق السموات والأرض .
مناضلون تعبت الوطنية من كثرة ما تلوكها ألسنتهم، وتجار حضارة تلوثت الحضارة ببراز أقلامهم وضجيج شعاراتهم، حتى إذا ركب أحدهم (الكرسي) انقلب إلى وحش كاسر لا همّ له سوى إذلال الوطن الذي كان يهتف له، وهزيمة الشعارات التي كان ينادي بها .
أصحاب مبادئ ودعاة قيم، ذبحوا شبابهم على صخرة مبادئهم وقيمهم، وعندما اختطفهم بريق ( الكرسي ) قذفوا رؤوسهم القديمة في صناديق القمامة، وانخرطوا مسرعين إلى معاهد تعليم نقل الخطى كالطواويس على عزف السلام الجمهوري، وطريقة التبختر في المصافحة، وتلويح الأيدي أثناء صعودهم الطائرة .
عشاق الشعوب والمدافعون عن الفقراء، الذين كتبوا بدمائهم شعارات الثورة على جدران سجونهم، وسياسيون كبار امتص النضال فتوة عيونهم وتقطعت أوتار حناجرهم بخناجر ترديد الهتاف بحياة الشعب، وعندما ساقتهم الأقدار للقفز على (الكرسي) لم يجدوا ما يفعلوه سوى التغوط على مصير شعوبهم .
مغرمون بالديمقراطية حدّ النخاع، ومدمنون على عشق الحرية حدّ العظم، ومع حلول ساعة اعتلاء (الكرسي) ازدهرت بفضلهم تجارة الخوازيق والسياط والمشانق، وأينعت حركة وسائل التعذيب والتهميش والإقصاء والمطاردة، وأصبحت صناعة الموت أكثر رواجا من صناعة الرغيف .
أساتذة في فنون الكذب، ومتبحرون في أقسام الزيف، ومتباكون على مصير الشعوب، وما أن اقتربوا من (الكرسي) تهامسوا بتواضع: انه يشبه (كرسي) الحلاق، والشعب المسكين يعرف جيدا أن قولهم كذب وزور، فلا الحلاق المسكين يشبه الحاكم المتفرعن، ولا كرسيّه يشبه هذا (الكرسي) الحوت، الذي إذا امتطاه أحد لا يتركه ولو تحولت البلاد إلى بحيرة من الدم، أو تقطعت أجساد المواطنين إلى أشلاء .
وفي كل فصل من مسرحية (الكرسي) الطويلة، تـُستلبُ الشعوب من الداخل سرّا، وتـُقتلعُ من القلوب جذور الرفض، وتـُغلق في وجوه المبحرين نوافذ الارتقاء، عند ذاك تتحول الشمس إلى وكر للظلام، ويتحول الشعب إلى جوقة مهرجين، وهذا ما يسعى إليه (الكرسي)، وهذا ما يجاهد من أجله الجالس عليه .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى