أخيرا لمستْ قدماي أرض الوطن، لقد تمنيت تلك اللحظة منذ زمن بعيد، كِدتُ أخر ساجدا لأُقبل ذرات التراب، واختلطت آنذاك رائحة الهواء برائحة طعام أمي الشهي، وخُيل لي أنني أسمع صدى ضحكات أسرتي الدافئة.
لكني اكتشفت بعد قليل أن كل شيء قد تغير! الشوارع والبيوت... والوجوه أيضا! أرجحتني مشاعر متضاربة ما بين الحنين والاستغراب والقلق! لكن ما إن ارتميت بحضن أمي حتى وقفت عند إحساسٍ واحد.. هو الراحة.
لكزتني أمي في استعتاب:
- عشرون عاما يا قاسي القلب لم أرك فيها... لولا مكالمات الفيديو.. كنت سأنسى شكلك!
عندما اختليتُ بنفسي في حجرتي القديمة.. تذكرتها!
تذكرت نفيسة جارتي وصديقة أختي زينة والتي تصغرني بعامين، كنا نذهب نحن الثلاثة إلى المدرسة الابتدائية معا، نأخذ المسافة في مرح، أسير فاردا ظهري كأنني حامي الحما! وزينة لا يجف ريقها من حكاياتها التي لا تنتهي، فيما تكتفي نفيسة بابتسامة رقيقة تشي بخجلها.
أعجبتُ بنفيسة... وبجمالها الهادئ، بيد أنها واجهت مشكلة في المدرسة ذات يوم، حيث قرر بعض التلاميذ أن يجعلوها تسليتهم، لذا التفوا حولها في الفسحة.. يطلبون منها أن تقول (قميص نفيسة نشف) عشر مرات، ويقسمون إذا قالت الجملة بشكلٍ صحيح.. فسيتوقفون عن مضايقتها في الحال، فانصاعت المسكينة لطلبهم، وراحت تردد الجملة، لكنها أخطأت في نطقها عند المرة الخامسة، وقالتها: (قميص نفيشة نفش) فانغمس التلاميذ في ضحكاتٍ شامتة..
كنتُ في الشرطة المدرسية وقتها، ورأيت كل ما حدث وأنا واقف بالطابق الأول، ولم يكن مسموحا لي أن أتحرك من مكاني تحت أي ظروف، لكنني لم أكترث للقوانين المدرسية، كان كل همي أن أقف بجوارها، فنزلت لأدافع عنها في حماس وغضب، وعلى ما يبدو أن هؤلاء السخفاء أحسوا بالخطر حين رأوني طويلا وعريضا.. وأبدو أكبر من سني، فتفرق جمعهم، وانتابتني حالة من الزهو، فشعرت أنني بطل عظيم وأخبرتها بكل اعتزاز إنني موجود فلا تقلق أبدا بعد الآن، فشكرتني بحرارة، وأهدتني نظرة امتنان فاتنة ظل تأثيرها يعانقني في سعادة طوال اليوم.
نفضتُ الذكريات جانبا حين سمعت صوت أمي تناديني، أسرعت نحوها فوجدتها أعدت وليمة جبارة تلائم غربتي الطويلة، ورأيت أصنافا هجرتها معدتي منذ وقت بعيد، أكلتُ في تلذذ، كلما نقص طبقي تملؤه أمي مرة أخرى، وزينة بجواري تثرثر كما هي عادتها، قاطعتها وأنا أسأل مترقبا:
-ما أخبار نفيسة؟
تبادلت زينة النظرات مع أمي التي تكفلت بالرد نيابة عنها:
-عزلوا من زمان...
فيما أضافت زينة في فتور:
-آخر مرة رأيتها منذ أكثر من عشر سنوات في سبوع ابني مازن... سألتْ عنك وعرفت أنك تزوجت...
توقفت عن المضغ، وشعرت بغصةٍ متخيلا كيف تلقت نفيسة خبر زواجي، وسرحت في أيامنا الفائتة التي ضمت أجمل الذكريات.
في الجامعة.. لم أكن أناديها نونا ولا فافي ولا نوفا كما طلبت من الجميع، كنت أحب اسمها ولا أجد به أي غضاضة مثلها، أخبرتني إن أمها حين تأخرت في الحمل... لم تمل من الذهاب لطبيبة ماهرة تزامنا مع زيارتها لجامع السيدة نفيسة، حتى حدثت البشرى، فنذرت الأم نذرا لو أنجبت بنتا ستسميها نفيسة، وقد كان.
تأملتها حينئذٍ مبتسما وقلت لها:
- كان حريا بها أن تسميكِ على اسم الطبيبة التي عالجتها...
فأردفت معقبة:
- لم تقتنع أمي أبدا أنها أنجبتني ببركة الطبيبة... وإنما ببركة آل البيت.... وفت بالنذر ولم تعرف أن هذا الاسم سوف يسبب لي بعض المشاكل.. أبسطها ما حدث لي في المدرسة... هل تذكر؟
أومأت برأسي، ثم قلت في تخابث:
- قميص نفيسة نشف...
ظهرت غمازتها على أثر ضحكة انطلقت منها، وحاولنا نطق الجملة بشكل صحيح عدة مرات، تتداخل الحروف أو يتبدل حرف مكان حرف فتصبح الجملة مضحكة للغاية، (قميص نفيسة نفش... قميص نفيشة نشف.. قميش نشيفة نشف...) نقهقه معا، ثم نعاود الكَرة.
كنت أرى الكون مبتسما إذا ابتسمت نفيسة، وتبدو السماء رائقة لو نظرتْ إليها، لكن الحياة الصعبة أجبرتني أن أفكر في السفر، وقتها توسلت إليّ ألا أفعل، قلت لها إنني سأجرب حظي، سنة.. اثنتين على الأكثر وأعود إليها، لكنها صاحت في وجهي إن العمر سيمر وسيضيع هباءً في الانتظار، حاولت استمالتها بطريقتي المرحة التي تنقذني دائما لتحويل دفة الحديث لصالحي، فقلت لها في مراوغة:
-حسنا.. كما تريدين... لن أسافر إلا إذا قلتِ (قميص نفيسة نشف) عشر مرات دون خطأ...
-لا... لن أفعل...
قالتها في حدة، ثم في بكاءٍ يائس، كانت تعرف أنها ستخطئ لا محالة، فرفعتُ كفها لفمي، أقبلها في وداعٍ.
- هل تزوجت نفيسة؟
كانت زينة ترتب الملابس داخل الدولاب حين سمعت سؤالي، فالتفتت لي متأففة، وردت في استغراب لا يخلو من السخرية:
- غريبة... لم تسأل عنها مرة واحدة منذ سافرت... والآن تسألني هذا السؤال؟
شعرت بالخجل أمام اتهامها، فرميت سؤالا آخر:
- طيب... ما عنوانها؟ أو حتى مكان عملها؟ صدقيني.. لا أريد سوى الاطمئنان على أحوالها.
زفرت زينة، وأجابتني في اقتضاب:
- اتركها في حالها الله يخليك...
تحايلتُ كثيرا لأعرف أي معلومات، واضطررت أن اعترف بخطئي الفادح، وإن الغربة أخذتني كما الدوامة فصار عقلي مشتتا، تأملتني زينة طويلا كأنها تفكر، ويبدو أنها رقت لحالي، لذا أعطتني المعلومات التي أريدها وهي تقول في خبث:
- اذهب لها... لكنها لن تتذكرك... ولها كل الحق...
لم أتقاعس.. ذهبت لمقر عملها في اليوم التالي، سألت الزملاء عنها، فأخبروني أن (الآنسة نوفا) في الطابق الثاني، صعدت السلالم وأنا في حالة من التخبط، تنازعني الكثير من الأسئلة، هل نسيتني نفيسة؟ هل ستسامحني؟ هل ستتقبل وجودي بحياتها تارة أخرى؟
وأخيرا رأيتها، وقفت أتأملها لدقائق، لقد تحجبت.. وغزت بعض الخطوط الرفيعة وجهها، اقتربتُ حيث تجلس.. همستُ باسمها في تودد، فرفعت عينيها اللوزتين نحوي غير مصدقة، ارتعش فمها، ولمعت دمعة أبية بمقلتها، ثم تمالكت نفسها، وتصنعت انشغالها ببعض الملفات أمامها!
قالت غير عابئة:
- أي خدمة يا فندم...
لم أبدِ أي ضيق أمام تجاهلها بل ابتسمت، قلت في سؤالٍ يمتلئ حنانًا:
- نفيسة... معقول.. لا تتذكريني؟!
لم تجاوب وإنما فعلت عيناها، فقد تبسمتا في رقة، كانت فرصتي كي أعتذر لها بكل نزاهة عما فعلت، وأطلب منها السماح والعفو، ثم أحكي لها عن الغربة التي أكلت نصف عمري، وعن تعبي طوال السنوات الماضية،
استطردتُ كذبا:
- كنت أسأل عليكِ دائما.. اسألي زينة لتتأكدي...
ثم أكملت مترددا:
- اضطررتُ أن أتزوج واحدة من هناك كي أحصل على الجنسية لا أكثر... لكننا للأسف مختلفان في كل شيء... أعتقد إنني تسرعت في الزواج...
فركت يديها في عصبية ثم قاطعتني منفعلة:
-ممكن أعرف ماذا تريد مني؟ ولماذا أتيت إلى هنا؟
تلجلجت الإجابة على لساني:
- لقد أصبح للشركة التي أعمل بها فرع في مصر، لذا سأكون موجودا هنا ثلاثة شهور كل سنة... وأعتقد أنها فرصة طيبة كي نعيد ما كان بيننا و.... ونرتبط...
عضت على شفتها، ثم سألتني ممتعضة:
- فرصة؟! بعد كل هذه السنوات تقول لي إن ارتباطنا فرصة؟!
أدركت مدى غبائي، لذا قلت متداركا:
- لقد فهمتِ غلط يا نفيسة... أنا أقصد أن ما بيننا لا يمكن أن ينتهي هكذا... علينا أن نكمله معا... ألا تذكرين حكاياتنا... وأسرارنا...
ثم همست في رقة:
- (قميص نفيسة نشف)... إنها جملتنا...
نهضتْ من مكانها، أشارت لي بالانصراف وهي تقول بصوتٍ أشبه بالبكاء:
- قميص نفيسة نشف... وقلبها أيضا.
لكني اكتشفت بعد قليل أن كل شيء قد تغير! الشوارع والبيوت... والوجوه أيضا! أرجحتني مشاعر متضاربة ما بين الحنين والاستغراب والقلق! لكن ما إن ارتميت بحضن أمي حتى وقفت عند إحساسٍ واحد.. هو الراحة.
لكزتني أمي في استعتاب:
- عشرون عاما يا قاسي القلب لم أرك فيها... لولا مكالمات الفيديو.. كنت سأنسى شكلك!
عندما اختليتُ بنفسي في حجرتي القديمة.. تذكرتها!
تذكرت نفيسة جارتي وصديقة أختي زينة والتي تصغرني بعامين، كنا نذهب نحن الثلاثة إلى المدرسة الابتدائية معا، نأخذ المسافة في مرح، أسير فاردا ظهري كأنني حامي الحما! وزينة لا يجف ريقها من حكاياتها التي لا تنتهي، فيما تكتفي نفيسة بابتسامة رقيقة تشي بخجلها.
أعجبتُ بنفيسة... وبجمالها الهادئ، بيد أنها واجهت مشكلة في المدرسة ذات يوم، حيث قرر بعض التلاميذ أن يجعلوها تسليتهم، لذا التفوا حولها في الفسحة.. يطلبون منها أن تقول (قميص نفيسة نشف) عشر مرات، ويقسمون إذا قالت الجملة بشكلٍ صحيح.. فسيتوقفون عن مضايقتها في الحال، فانصاعت المسكينة لطلبهم، وراحت تردد الجملة، لكنها أخطأت في نطقها عند المرة الخامسة، وقالتها: (قميص نفيشة نفش) فانغمس التلاميذ في ضحكاتٍ شامتة..
كنتُ في الشرطة المدرسية وقتها، ورأيت كل ما حدث وأنا واقف بالطابق الأول، ولم يكن مسموحا لي أن أتحرك من مكاني تحت أي ظروف، لكنني لم أكترث للقوانين المدرسية، كان كل همي أن أقف بجوارها، فنزلت لأدافع عنها في حماس وغضب، وعلى ما يبدو أن هؤلاء السخفاء أحسوا بالخطر حين رأوني طويلا وعريضا.. وأبدو أكبر من سني، فتفرق جمعهم، وانتابتني حالة من الزهو، فشعرت أنني بطل عظيم وأخبرتها بكل اعتزاز إنني موجود فلا تقلق أبدا بعد الآن، فشكرتني بحرارة، وأهدتني نظرة امتنان فاتنة ظل تأثيرها يعانقني في سعادة طوال اليوم.
نفضتُ الذكريات جانبا حين سمعت صوت أمي تناديني، أسرعت نحوها فوجدتها أعدت وليمة جبارة تلائم غربتي الطويلة، ورأيت أصنافا هجرتها معدتي منذ وقت بعيد، أكلتُ في تلذذ، كلما نقص طبقي تملؤه أمي مرة أخرى، وزينة بجواري تثرثر كما هي عادتها، قاطعتها وأنا أسأل مترقبا:
-ما أخبار نفيسة؟
تبادلت زينة النظرات مع أمي التي تكفلت بالرد نيابة عنها:
-عزلوا من زمان...
فيما أضافت زينة في فتور:
-آخر مرة رأيتها منذ أكثر من عشر سنوات في سبوع ابني مازن... سألتْ عنك وعرفت أنك تزوجت...
توقفت عن المضغ، وشعرت بغصةٍ متخيلا كيف تلقت نفيسة خبر زواجي، وسرحت في أيامنا الفائتة التي ضمت أجمل الذكريات.
في الجامعة.. لم أكن أناديها نونا ولا فافي ولا نوفا كما طلبت من الجميع، كنت أحب اسمها ولا أجد به أي غضاضة مثلها، أخبرتني إن أمها حين تأخرت في الحمل... لم تمل من الذهاب لطبيبة ماهرة تزامنا مع زيارتها لجامع السيدة نفيسة، حتى حدثت البشرى، فنذرت الأم نذرا لو أنجبت بنتا ستسميها نفيسة، وقد كان.
تأملتها حينئذٍ مبتسما وقلت لها:
- كان حريا بها أن تسميكِ على اسم الطبيبة التي عالجتها...
فأردفت معقبة:
- لم تقتنع أمي أبدا أنها أنجبتني ببركة الطبيبة... وإنما ببركة آل البيت.... وفت بالنذر ولم تعرف أن هذا الاسم سوف يسبب لي بعض المشاكل.. أبسطها ما حدث لي في المدرسة... هل تذكر؟
أومأت برأسي، ثم قلت في تخابث:
- قميص نفيسة نشف...
ظهرت غمازتها على أثر ضحكة انطلقت منها، وحاولنا نطق الجملة بشكل صحيح عدة مرات، تتداخل الحروف أو يتبدل حرف مكان حرف فتصبح الجملة مضحكة للغاية، (قميص نفيسة نفش... قميص نفيشة نشف.. قميش نشيفة نشف...) نقهقه معا، ثم نعاود الكَرة.
كنت أرى الكون مبتسما إذا ابتسمت نفيسة، وتبدو السماء رائقة لو نظرتْ إليها، لكن الحياة الصعبة أجبرتني أن أفكر في السفر، وقتها توسلت إليّ ألا أفعل، قلت لها إنني سأجرب حظي، سنة.. اثنتين على الأكثر وأعود إليها، لكنها صاحت في وجهي إن العمر سيمر وسيضيع هباءً في الانتظار، حاولت استمالتها بطريقتي المرحة التي تنقذني دائما لتحويل دفة الحديث لصالحي، فقلت لها في مراوغة:
-حسنا.. كما تريدين... لن أسافر إلا إذا قلتِ (قميص نفيسة نشف) عشر مرات دون خطأ...
-لا... لن أفعل...
قالتها في حدة، ثم في بكاءٍ يائس، كانت تعرف أنها ستخطئ لا محالة، فرفعتُ كفها لفمي، أقبلها في وداعٍ.
- هل تزوجت نفيسة؟
كانت زينة ترتب الملابس داخل الدولاب حين سمعت سؤالي، فالتفتت لي متأففة، وردت في استغراب لا يخلو من السخرية:
- غريبة... لم تسأل عنها مرة واحدة منذ سافرت... والآن تسألني هذا السؤال؟
شعرت بالخجل أمام اتهامها، فرميت سؤالا آخر:
- طيب... ما عنوانها؟ أو حتى مكان عملها؟ صدقيني.. لا أريد سوى الاطمئنان على أحوالها.
زفرت زينة، وأجابتني في اقتضاب:
- اتركها في حالها الله يخليك...
تحايلتُ كثيرا لأعرف أي معلومات، واضطررت أن اعترف بخطئي الفادح، وإن الغربة أخذتني كما الدوامة فصار عقلي مشتتا، تأملتني زينة طويلا كأنها تفكر، ويبدو أنها رقت لحالي، لذا أعطتني المعلومات التي أريدها وهي تقول في خبث:
- اذهب لها... لكنها لن تتذكرك... ولها كل الحق...
لم أتقاعس.. ذهبت لمقر عملها في اليوم التالي، سألت الزملاء عنها، فأخبروني أن (الآنسة نوفا) في الطابق الثاني، صعدت السلالم وأنا في حالة من التخبط، تنازعني الكثير من الأسئلة، هل نسيتني نفيسة؟ هل ستسامحني؟ هل ستتقبل وجودي بحياتها تارة أخرى؟
وأخيرا رأيتها، وقفت أتأملها لدقائق، لقد تحجبت.. وغزت بعض الخطوط الرفيعة وجهها، اقتربتُ حيث تجلس.. همستُ باسمها في تودد، فرفعت عينيها اللوزتين نحوي غير مصدقة، ارتعش فمها، ولمعت دمعة أبية بمقلتها، ثم تمالكت نفسها، وتصنعت انشغالها ببعض الملفات أمامها!
قالت غير عابئة:
- أي خدمة يا فندم...
لم أبدِ أي ضيق أمام تجاهلها بل ابتسمت، قلت في سؤالٍ يمتلئ حنانًا:
- نفيسة... معقول.. لا تتذكريني؟!
لم تجاوب وإنما فعلت عيناها، فقد تبسمتا في رقة، كانت فرصتي كي أعتذر لها بكل نزاهة عما فعلت، وأطلب منها السماح والعفو، ثم أحكي لها عن الغربة التي أكلت نصف عمري، وعن تعبي طوال السنوات الماضية،
استطردتُ كذبا:
- كنت أسأل عليكِ دائما.. اسألي زينة لتتأكدي...
ثم أكملت مترددا:
- اضطررتُ أن أتزوج واحدة من هناك كي أحصل على الجنسية لا أكثر... لكننا للأسف مختلفان في كل شيء... أعتقد إنني تسرعت في الزواج...
فركت يديها في عصبية ثم قاطعتني منفعلة:
-ممكن أعرف ماذا تريد مني؟ ولماذا أتيت إلى هنا؟
تلجلجت الإجابة على لساني:
- لقد أصبح للشركة التي أعمل بها فرع في مصر، لذا سأكون موجودا هنا ثلاثة شهور كل سنة... وأعتقد أنها فرصة طيبة كي نعيد ما كان بيننا و.... ونرتبط...
عضت على شفتها، ثم سألتني ممتعضة:
- فرصة؟! بعد كل هذه السنوات تقول لي إن ارتباطنا فرصة؟!
أدركت مدى غبائي، لذا قلت متداركا:
- لقد فهمتِ غلط يا نفيسة... أنا أقصد أن ما بيننا لا يمكن أن ينتهي هكذا... علينا أن نكمله معا... ألا تذكرين حكاياتنا... وأسرارنا...
ثم همست في رقة:
- (قميص نفيسة نشف)... إنها جملتنا...
نهضتْ من مكانها، أشارت لي بالانصراف وهي تقول بصوتٍ أشبه بالبكاء:
- قميص نفيسة نشف... وقلبها أيضا.