محمد علي عزب - مصطلحات ومفاهيم (6) تصنيف فنون الشعر العامى

(6) تصنيف فنون الشعر العامى


ا ـ فن الزجل
الزجل نظم شعرى غنائى يصاغ بالعامية ابتكره أهل الأندلسس فى آواخر القزن الررابع الهجرى, والشكل الفنى للزجل يشبه الشكل الفنى للموشح اٍلى حد كبير وتسمى الواحدة منه زجلا أو حملا و التى تعادل القصيدة فى شعر الفصحى حملا أو زجلا، والبيت فى الزجل ليس شطرين كما فى القصيدة العمودية ولكنّه يتكون من عدة أشطر يسمى بعضها غصنا و يسمى بعضها قفلا وتتغير قوافى الأغصان من بيت لأخر مع اٍمكانية تغيّر الوزن أمّا قافية الأقفال فلا تتغيير طوال الزجل الواحد، ويبدأ الغصن من ثلاثة أشطر وقد يصل اٍلى ستة أمّا القفل فيبدأ من شطر واحد أو شطرين وقد يصل اٍلى أربعة، وهناك عدة أنماط للشكل الفنى للزجل تختلف فيما بينها وفقا لعدد الأشطر التى تتكون منها الأغصان والأقفال، وقد يكون الزجل بلا مطلع و يسمى أقرع وعندما يكون له مطلع يسمى تاما، ومن أمثلته هذا الزجل لأبى بكر بن قزمان القرطبى و الذى يتكون فيه المطلع من شطرين والغصن من ثلاثة أشطر والقفل من شطر واحد :
صرت عازب وكان لعمرى صواب لس نزوّج حتى يشيب الغراب
أنا تايب يا لس نقول بزواج
لا جلو ولا عروس بتاج
لا رياسه غير اللعب بالزجاج
والمبيت بره والطعام والشراب
وهذا الزجل للشيخ عبدالله بن مدغليس الأندلسى والذى يتكون فيه المطلع من أربعة أشطر ويتكون الغصن من ستة أشطر و يتكون القفل من أربعة أشطر:
لاح الضيا والنجوم حيارى فقم بنا ننزع الكسل
شربت ممزوجا من قراعا أحلى هى عندى من العسل
يا من يلمنى كما تقلد قلدك الله بما تقول a
يقول بأن الذنوب مولد وأنه يفسد العقول
لأرض الحجاز يكون لك أرشد اش ما ساقك لذى الفضول
مر انت للحجيج والزيارا ودعنى فى الشراب منهمل
ما ليس له قدر ولا استطاعا النيه أبلغ من العمل
2 ـ المواليا / الموال
يتكون البيت الواحد فى المواليا / المووال الرباعى من أربعة أشطر بقافية واحدة وعلى وزن بحر البسيط مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن بتصرّّف يتناسب مع طبيعة العامية كما فى قول الشاعر والزجال المصرى اٍبراهيم بن على المعمار "توفى سنة 749 هجرية"
قلبى وقع ففى هوى جاير برغم انفي
مَزَّّق فؤادى وأخرج سِرّّى المخفى
نِِزْلت دموعى حسرت الكل من ظرفى
ورحت غارم بعشقه ما جرى يكفى
ثم تنوعت أاشكال المواليا بعد ذلك وأصبح منه الخماسى والسداسى الذى يأتى فيه قبل الأخير الشطر الأخير متحررا من القافية, مثل هذا المواليا الذى أورده الجبرتى فى عجائب الآثار قاله شاعر مصرى عن شخص ادعى النبوة سنة 1147هجرية :
واحد ظهر و ادّعى اٍنه نبى من حق
وانه عرج للسما وانه اجتمع بالحق
اٍبليس ضلّه و صدّه عن طريق الحق
قوم يا وزير البلد واحكم على قتله
أهل العلوم أرّخوا هذا كفر بالحق
وكذلك ابتكر المصريون الموّال السباعى والذى يتكون من سبعة أشطر تأتى الثلاثة الأولى منها بقافية واحدة، والشطرالرابع والخامس والسادس بقافية مغايرة ويأتى الشطر السابع بنفس قافية الثلاثة أشطر الأولى كما فى هذا الموّال :
يا جاهل الحب تعالى أنا أدّيك أوصافه
دا اللى انشبك أمس صبح اليوم أوصافه
من شان غزال زين جرح القلب أوصافه
جرح فؤادى وخلانى عليل بهواه
وان احسن المحب يدواى ميته بهواه
لانوا كتير أصل سموه الملاح بهواه
العنق لولى وزان الكتف أوصافه
3 ـ فن الدوبيت
الدوبيت فن شعرى الفارسى الأصل يتكون من بيتين من الشعر و كان وزنه عند الفرس يأتى على بحر الهزج " مفاعيلن"، ويأتى فى الشعر العربى على ثلاثة أوزان " فعلن متفاعلن فعولن فاعلن " أو وزن بحر الرجز " مستفعلن " أو على وزن " فعلن فعلن مستفعلن مستفعلن " ويتميّز بأن كل دوبيت واحد يأتى مستقل بذاته، وهو الأصل الذى تطورت عنه رباعيات الشعر العامى التى خرجت على أوزانه ومنه نوع تأتى أشطره الأربعة بقافية واحدة، ونوع يتفق فيه الشطران الأول والثالث فى قافية واحدة والشطران الثانى والرابع فى قافية واحدة، ومنه نوع يأتى فيه الشطر الثالث متحررا من القافية والأشطر الأخرى تتفق فى قافية واحدة كما فى هذا الدوبيت العامى لعلى بن سودون اليشغباوى :
حينْ سلّ سيفْ لحظُه وسن تركى نفى عنى الوسن
قلت المحبينْ لكْ عبيد اٍلاّ أنا قالْ اٍى وِ سن
4 ـ فن الكان وكان
فن الكان والكان فاخترعه أهل بغداد أيضا ونظموا فيه الحكايات الخرافية ثم انتشر بعد ذلك و ضم أغراض أخرى، و يذكر الاٍبشيهى فى المستطرف من كل فن مستظرف أن الكان وكان له وزن واحد أيا كان هذا الوزن و قافية واحدة و لكن الشطر الأول من البيت أطول من الشطر الثانى ومنه هذه الوعظيات :
يا قاسى القلب مالك تسمع و ما عندك خبر ومن حرارة وعظى قد لانت الأحجار
أفنيت مالك وحالك فى كل ما لا ينفعك ليتك على ذى الحالة تقلع عن الاٍصرار
تحضر ولكن قلبك غائب وذهنك مشتعل فكيف يا متخلّف تحسب من الحضار
ويحك تنبه فتى وافهم مقالى واستمع ففى المجالس محاسن تحجب عن الأبصار
5 ـ فن القوما
فن القوما هو نظم غنائى يستخدم للتسحير فى رمضان وهو نوعان الأول يتكون فيه البيت من أربعة الشطر و يكون الشطر الأول والثانى والرابع بقافية واحدة أما الشطر الثالث فيأتى مهملا بلا قافية ومنه هذا النموذج :
لا زال سعيك جديد دائم و جدّك سعيد
ولا برحت مهنا بكل صوم وعيد
فى الدهر انت الفريد وفى صفاتك وحيد
والخلق شعر منقح وانت بيت القصيد
والنوع الثانى من القوما يتكون فيه البيت من ثلاثة أشطر متفقة فى القافية ويكون الشطر الأول أقصر من الشطر الثانى والشطر الثانى أقصر من الثالث مثل هذا النموذج :
كنتم حكيّه شرحها ينقل اٍليّه اٍنتم هتكتم عرضكم فانا اش عليّه
ديك الحكيّه قصّرت عنكم خطيه قد غسلتوا من محبتكم يديّه
وهذه الاٍطلالة السريعة على نشأة فنون الشعر العامى تؤكد لنا على أن هذه الفنون فى أصل نشأتها ارتبطت بحركات التجديد فى الشعر العربى من حيث الخروج على عمود الشعر، وأن المصريون كان لهم دور بارز فى تطوير هذه الفنون وابتكار أنواع جديدة منها .
وفيما يخصّ الوقت الراهن فهناك من يصنف فنون الشعر العامى اٍلى نوعين قصيدة العامية " شعر العامية الحديث بششقيه الحر والنثرى" وأن كل ما كتب قبلها يعد زجلا، ووفقا لهذا التصنيف يقال أن رباعيات الشاعر الكبير صلاح جاهين أخذت شكل الزجل ؟!، والواقع أن هذه الرباعيات أخذت شكل نوع من المربعات يسمى الخصى أو الأعرج الذى يشبه الدوبيت فى الشكل الفنى ولكنه لايلتزم بأوزانه، وبناءا على هذا التصنيف أيضا يقال أن العلاقة بين قصيدة العامية والزجل هى نفس العلاقة بين قصيدة التفعيلة والقصيدة العمودية فى شعر الفصحى والوقع أن الزجل ـ كما أوضحنا سابقا ـ يختلف فى بنائه عن القصدة العمودية, واٍن كان خروج قصيدة التفعيلة على عمود الشعر تم تقنينه وفقا لعروض الخليل فاٍن هذا التقنين لا ينطبق على قصيدة العامية التى يمكن أن لا تلتزم بتفعيلة بحر محدد وكذلك لا ينطبق على الزجل الذى لا يخضع للعروض، فقصيدة العامية وليدة تجربة شعرية تفاعلت مع تراث الزجل والبلّيق والمواليا والدوبيت دون أن تهدم أشكالها الفنية أو تطور هذه الأشكال وتتبنى أغراضها وفى نفس الوقت انفتحت على أفاق الشعر الحداثى واختارت لنفسها شكلا فنيا أقرب للشعر الحر .
وقد يؤدى هذا التصنيف أحيانا اٍلى وضع الزجل فى مرتبة متدنية وقد يغالى البعض وينادى بأن دولة الزجل قد انتهت وأن قصيدة العامية حلّت محله !، اٍن لكل فن من فنون الشعر العامى خصائصه الشعرية والشكلية التى تحقق فرداته الأدبية وهويته الفنية، لا يجوز أن يحل فن منها محل الأخر كما لا يجوز المقارنة بين فن الجرافيت أو الكاريكاتير وبين التصوير الزيتى .

محمد علي عزب



* مقتطف من كتابى النقدى "عن تحولات الشعر العامى بين التراث والمعاصرة" الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة سنة 2014م , والحاصل على جائزة أحمد فؤاد نجم في نقد شععر العامية 2016م

** هذا المنشور محفوظ فى الملفات المثبتة بصفحة نادى الأدب المركزى بالقليوبية ضمن سلسلة منشورات تحت عنوان مصطلحات ومفاهيم



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى