بعد ساعة من المشي ، كنت أشعر بالحاجة إلى الجلوس بعدما أخذ مني الإنهاك مأخذه ، تركت جسدي يسقط على المقعد الخشبي ، نصب للمنهكين ، نالت منه عوامل الزمن ، جلست شابكاً أصابعي في صمت رهيب ، أوزّع نظراتي من غير عدلٍ بين سياراتٍ تسحق أطناناً من الأسفلت وأرصفة سحرية و غيوم غير نقية تماماً و عابرين في عابرين جاءت بهم الحياة بشكل غير مقصود أمامي ، لايثيرونَ ضجّةً كأنهم تأخروا في العودة إلى بيوتهم ، كنت تائهاً في وحدتي أجتاز الوقت بمشاعر مختلطةٍ ،محترقةٍ ، أخاف أنْ يفاجئني أحدٌ مستفسراً عن هويّتي ،فلا أجيبه ،ولستُ قلقاً من ذلك فأنا أحملُ في رأسي ضوءًا من سيّارة عابرة يولد في أكمة ملتفةِ الأشجار ، ولستُ نافلة العالم ً ، قبالتي وقفت ضيئلة الحجم ، تتفرَّس المَارّة واحداً واحداً ، تترّصد ردود أفعالهم في حذرٍ وارتيابٍ وهي تمزّق النهار بنظراتها الحيرَى إرباً إرباً ، فحياتها محفوفةٌ بالمخاطر والعالم مصيدة كبيرةٌ ، تعلّق إحدى ساقيها في ريش صدرها ، بدتْ لي جائعةً متعبة ، قلب الحقيقة أنها فتحت عيني على عالم عظيم غير عالمي!
مع الوقت بدأت كذلك أتضوَّر جوعاً ،فالفكر و الوحدة يقوضان المعدة ، اللعابُ يملأ صحن فمي من روائح الطعام المتناثرة كالغبار ، لكني لا أرغبُ الآن في الانصراف عنهَا لأي شيىء ، فحبَّات البُر يلمعن بالضوء عند أقدام العابرين، وتتسع حدقتيها كالصحن تملؤه الحبات اللاتي يظهرن أفضل ما لديهن ، تترقب بساقٍ مُعلَّقة حتى يفرغ الطريق و تنتهي عملية سحق الحب ، فيتسنى لها أن تلتقطها كمن لم تتذوق طعاماً منذ أيام ، تنزلق الحبَّات باندفاع من أعلى المنقار إلى مؤخرة العنق لتستقر في تجويف الحوصلة ، ومنها إلى المعدة مباشرة حيث تطحن الأغلال ، وكلما امتلأت حبّاً ازدادت اتساعاً ، فتدغدغني ولا أحوِّل عيني بوقار ، كل شيء هادىء تتوقف كلما سمعت حِساً و كأن العالم يتآمر ضدها تحدِّق بعيون مفجوعة و أنفاس متسارعة يسمحان لها بتحديد اتجاه الصوت بدقة متناهية ، كنت أشعر بالاعتذار نحوها ، فهي سَخيّةٌ منذ القِدم لا تفتر عن تقديم كل أشكال المعونة للبشر ، فلا يحصون لها خيراً ، في الأثناء حطَّتْ بالجوار حمامتان ، اقتربتا منها كأنهما يتعرفان عليها ، بادرها أحدهما : يهدلُ و بهدلُ بصوتٍ منخفض ٍ ناعمِ مسجوع كنشيد إنشاد يرفرف بجناحيه ، ألزمها مكانها !
كلما تحركت حاصرها في أي اتجاه بغرض إذعانها !
كانَ جوعي يتباطأ شيئاً فشيئاً ، ويسري الدم في عروقي ،فذاتُ الساق المعلَّقة أبقتني - في هدوء - مُنسجماً مع العالمِ من حولي ، فليس بالضرورة كل من حَملَ رأساً بين كتفيه صار لي معلماً ، بعدَما ألقتْ في رأسي جملاً جميلةً ، شكَّلتني في تلك اللحظة بلا قصدٍ ، و أرتشفتها كشراب مُسكَّرٍ في فمي ، يتغلغل في قلبي وعقلي ، فالجمال الحقيقي يأتيك من الخارجِ .
محمد الدفراوي
مع الوقت بدأت كذلك أتضوَّر جوعاً ،فالفكر و الوحدة يقوضان المعدة ، اللعابُ يملأ صحن فمي من روائح الطعام المتناثرة كالغبار ، لكني لا أرغبُ الآن في الانصراف عنهَا لأي شيىء ، فحبَّات البُر يلمعن بالضوء عند أقدام العابرين، وتتسع حدقتيها كالصحن تملؤه الحبات اللاتي يظهرن أفضل ما لديهن ، تترقب بساقٍ مُعلَّقة حتى يفرغ الطريق و تنتهي عملية سحق الحب ، فيتسنى لها أن تلتقطها كمن لم تتذوق طعاماً منذ أيام ، تنزلق الحبَّات باندفاع من أعلى المنقار إلى مؤخرة العنق لتستقر في تجويف الحوصلة ، ومنها إلى المعدة مباشرة حيث تطحن الأغلال ، وكلما امتلأت حبّاً ازدادت اتساعاً ، فتدغدغني ولا أحوِّل عيني بوقار ، كل شيء هادىء تتوقف كلما سمعت حِساً و كأن العالم يتآمر ضدها تحدِّق بعيون مفجوعة و أنفاس متسارعة يسمحان لها بتحديد اتجاه الصوت بدقة متناهية ، كنت أشعر بالاعتذار نحوها ، فهي سَخيّةٌ منذ القِدم لا تفتر عن تقديم كل أشكال المعونة للبشر ، فلا يحصون لها خيراً ، في الأثناء حطَّتْ بالجوار حمامتان ، اقتربتا منها كأنهما يتعرفان عليها ، بادرها أحدهما : يهدلُ و بهدلُ بصوتٍ منخفض ٍ ناعمِ مسجوع كنشيد إنشاد يرفرف بجناحيه ، ألزمها مكانها !
كلما تحركت حاصرها في أي اتجاه بغرض إذعانها !
كانَ جوعي يتباطأ شيئاً فشيئاً ، ويسري الدم في عروقي ،فذاتُ الساق المعلَّقة أبقتني - في هدوء - مُنسجماً مع العالمِ من حولي ، فليس بالضرورة كل من حَملَ رأساً بين كتفيه صار لي معلماً ، بعدَما ألقتْ في رأسي جملاً جميلةً ، شكَّلتني في تلك اللحظة بلا قصدٍ ، و أرتشفتها كشراب مُسكَّرٍ في فمي ، يتغلغل في قلبي وعقلي ، فالجمال الحقيقي يأتيك من الخارجِ .
محمد الدفراوي
محمد الدفراوي
محمد الدفراوي ist bei Facebook. Tritt Facebook bei, um dich mit محمد الدفراوي und anderen Nutzern, die du kennst, zu vernetzen. Facebook gibt Menschen die Möglichkeit, Inhalte zu teilen und die...
www.facebook.com