رسالة من عبد المجيد لطفي الى عبد الاله احمد

الاستاذ الفاضل عبد الاله احمد المحترم

تحية طيبة وتمنيات حارة لأنجح الاعمال والدراسات النافعة ولصحة مقيمة. وبعد فقد اسعدت مؤخرا بالحصول على مؤلفك الثمين الجليل النفع الموسوم بـ (نشأة القصة وتطورها في العراق للفترة 1908 م – 1939م) فاذا بي امام دراسة معمقة وجادة وذات نظرات جيدة ومدركة، ومع اني لم اقرأ الكتاب برمته بعد قراءة دراسة متأملة فانني استطيع ان احكم بجداوه وطيب ارومته مما قرات،

فكثيراً ما يدل المجتزأ من الشيء على كله، وليست محض المصادفة هي التي قادتني الى هذا الكتاب الجليل الشان في تاريخنا الادبي بل رغبة غير قليلة في الوصول اليه وان جاء ذلك متأخرا بعض الشيء بالنسبة لي لقد فرحت جدا بالجهد الطويل الصابر الذي انتهى الى حصيلة رائعة فليس بالشيء القليل ان يظفر المرء بكتب من هذا النوع في هذا الايام التي راح الناس فيها – قراء وباحثين – يركضون وراء كل ماهو سهل المأخذ والعطاء، لذلك فان اشعر باكبار حقيقي لمجهودك هذا الذي تم ليس عن الصبر الطويل الدائب حسب بل ايضا عن بصيرة واعية وحس مرهف في التحقيق والتقييم ومنح ما لله لله وما لقيصر لقيصر دون تطفيف، وهذا مالم يتحقق مع اكثر ما كتب في هذا الحقل وليس هذا ثناء قدر ما هو تقرير لواقع لا يمكن اغضاء الطرف عنه. وليس من شك عندي في ان هذا المؤلف قد سد فراغا او انه اضاف جديدا مانعا الى ما سبق فانتهى الجهد الحميم المخلص الى هذا الكتاب الطيب الناجح، واكثر من ذلك انه رجع بي شخصيا الى الوراء بغير قليل من الحزن، فنحن دائما نتطلع الى وراء بقلوب تواقة الى تذكر ما مضى وان كان بؤسا وكدراً وضياعا فالمرء حريص على تذكر ما فقد.
لقد وجدتك مع بواكير قصصي اكثر من عادل، وحتى لكأني ارضيتك بتلك المدارج القلقة حتى حابيتني في بعض احكامك، والحقيقة يا استاذ عبد الاله إني لا اكاد اتعرف على قصصي الماضية وتبدو لي احيانا غريبة وكسيحة وتستحق الشفقة والرحمة، حتى اني فقدت معظم ما كتبت في تلك السنوات البعيدة، وانه من الصعب الوقوف على نقاط النقاء بين قصصي البدائية الساذجة وقصصي الجديدة القائمة على تجربة غنية ومريرة، وليس هذا مدحا لها، فهذا بعض ما تهب الايام لقاء ما تأخذ منا من عمر ثمين.
ولانني اتوق الى ان تتوج مواهبك وبدايتك الدراسية المؤفقة بالدكتوراه في القصة ايضا اتماما للبحث والتاريخ فسابعث اليك عما قريب بمجموعة من قصصي المتأخرة للاطلاع ما وسع الفراغ، فلقد اعطيت يا استاذ احمد للبحث قيمة تاريخية واصالة لنك قرأت ما يستهلك شهورا من الوقت واندفعت بحماسة الشباب في كل مظان الادب المهجور واتحت لنا، نحن الذين فقد معظمنا بواكير ما انتج ان نقع على ما فقدنا لنرى فيها ما كنا فيه وما صرنا اليه، وفينا من ذهب الى اخراه ومنا من ينتظر ولا يكف عن الانتاج والعطاء . بقيت في ملاحظة وددت ان افيها بعض الحق في ما يخص الرومانسية التي رأيت ان قصصي في تلك المرحلة اتسمت بها، فالرومانسية في اعتقادي يا استاذ عبد الاله ليست مرحلة انها امتداد طويل وابدي لإنسانية الانسان، التعبير عن مشاعره بصدق وحرارة، فالرومانسية كانت وستبقى لأنها اصيلة ولصيقة بالمشاعر الانسانية لن الرومانسية احياء ا وتطبيق للاحكام والاخيلة والراغبات واذا كان الماضي يكسبها طابعا من الشجن بوصف دقائق المشاعر وقيود المجتمع فان العصر الراهن الاكثر مادية وانكشافا في كل شيء هو ايضا عصر رومانسي من نمط جديد، صريح ومنطلق وشجاع في تناول قضاياه الاساسية كالحب وانتزاعه من نزعة التخيلات والبوهيمية ايحانا الى تطبيق جاد وعملي وممارسة مباحة في مجتمعات ابتعدت عن بعض ما تراه رواسب سيئة السيرة، فالرومانسية تحقيق لرغبات انسانية، بالامس كان النداء الواجف في مرحلة القلق والحياء، وهو اليوم نداء جهير لن الناس في شغل كثير والحياة متجعدة وقاسية وبحاجة الى رومانسية منطقية، وهي عندي اليوم رومانسية عملية، واصيلة وإني لأعد نفسي دون ريب بمتعة شائقة في ما تبقى من الكتاب الذي ساقرأه على مهل في موهنات من ليل الشتاء الطويل ما اسعفت الشيخوخة وتحمل الجلد.
بارك الله فيك فتى مؤملاً ومحققا وباحثا عن جذور شيء جديد في الادب هام ومتطور ويجب ان يؤرخ بصدق كما فعلت انت بكتابك الثمين.
ومع اطيب تحياتي ارجو لك كل خير ويمن وعافية.
عبد المجيد لطفي
في 25/12/1970م

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى