سناء هلال - قصيدةٌ و وطنٌ و غابة

كنا قرابةَ شاعرين و قصيدةً
تحدّثْنا لِماماً وصمتنا طويلاً
أبحرْنا على كتفِ مجازٍ إلى معبدٍ للأساطير
فتّشْنا في غرفِ الاعترافِ الصغيرةِ
في الحبرِ السريِّ للكهنةِ
تركنا أشباهَنا في الممرِّ الأسود
ِشربْنا زرقةَ البحر
وعدنا بقصيدةٍ ملأى بالنوارسِ والمحار
كنا ضربا من السُكرِ والضجرِ
ومن مقعد صغيرٍ في الزاويةِ القصيةِ
تبادلْنا الأحلامَ وأدرْنا دفَّةَ العالم
**
كنا قرابةَ شاعرين ووطناً
التقينا في المضيقِ الوحشيِّ للعالم
تبادَلنا أسماءَنا ..أشياءَنا..أوراقَنا
كنا كمن يعرفُ الكلامَ قبل اللغاتِ
فكَكْنا ازرارَ الشهوةِ عن قمصانِنا الضيقةِ
أقمْنا على الرملِ بيتاً لعاشقينِ فوضويين
قدَّمنا خبزاً كافياً للغرباءِ
وأرسلْنا إلى الشرفاتِ أقماراً عسليةً
كنا في عُرْفِ الربيعِ مسيحاً
صُلِبْنَا قِبالةَ الأغصانِ ..ثم بُعِثْنا
جدَّدْنا الولايةَ لخالقٍ من سُلالةِ الشجرِ
ونحنُ نتبادلُ الجدلَ الممزوجَ بالهَراءِ....بَكيْنا
وقبلَ أن نعودَ من الذهولِ بوجوهٍ مُطفأةٍ
وقلوبٍ عاريةٍ
شربْنا نخبَ قضيّةٍ خليعةٍ
وسَخرْنا من قصائدِنا الوطنيةِ
**
كنا قرابةَ شاعرينِ و غابة
ضحكْنا أكثرَ مما ينبغي لذئبٍ جائعٍ أنْ يبصرَ دمَهُ
كنا تحتَ سماءٍ ليليّةٍ مفجوعةٍ
وبذاكرةٍ مفتوحةٍ على الرقصِ
صرنا نعدُّ هزاتَ خصرِ النجومِ
نرتِّبُ أصابع العناق على مقاسِ النحرِ
ولأن نبوءةَ النسرينِ تأخرتْ
أودعْنا ظلالَنا في قلبِ قمرٍ ميتٍ
وصرنا سراباً
**
أنا يا أمَّنا الأرض
قلتُ للصحراء ِ: على رِسلكِ
لا شيءَ يعودُ كما كانَ !
رتبتُ شِعري على مَقامِ أنهارِك
حملتُ رايةََ الحبرِ في الطرقاتِ الجافيةِ
صلَّيتُ على فاتحةِ المطرِِ
و كتبتُ بضميرِ ساقيةِ عهدَ الماء
تواريتُ خلفَ غمامةِ الكلماتِ
وصرتُ سديماً
صرتُ هلاماً
وها هو ظلَّي يعودُ نحيلاً
فلا تسأليني بعدَ اليومِ
ما سرُّ الشعراء!
أنبتيني عشباً..نخلاً..أساطيرَ
وضمِّيني إلى الريحِ الشرود
أنا التي جئتُ
كما يجيءُ الأنبياءُ في جبَّة الكلامِ
وجدتُني في الأنحاءِ طفلةً
تخافُ رجَّة البكاءِ
كلَّما اهتزَّ قلبُ جنديٍّ في النَسقِ الأماميَّ
كلَّما تعرَّت النساءُ من فضَّتِها ليعبرَ الشعراءُ.
كان بعضُ الحنينِ ليكفينا...
بعضُ الطفولةِ..والنبيذِ ..والأخيلةِ
لنهزمَ صمتَ الليالي البليدةِ
لنوقدَ في الشرايينِ حديثاً عابراً
كنا نحتاجُ إلى صوتٍ يؤاخي صداهُ
وقلبٍ بدائيٍّ برسمِ الخفقانِ
يخصبُ في سنِّ الرشدِ
قصيدةً و وطناً و غابة...
****

سناء هلال


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى