أدب مغربي قديم دعوة الحق - نماذج من أدب الصحراء وأدبائها -1-

قد يكون من الصعب إن لم يكن من المستحيل الإحاطة بكل جوانب موضوع أدب الصحراء وشعرائها في عرض موجز كهذا، فرجال الأدب، والشعر بالصحراء المغربية كل واحد منهم يكفي لعدة محاضرات، أو أمسيات شعرية للتعرف على أساليب شعره، ونقاش مختلف أغراض إنتاجه، لكن قد يكون من باب التهاون ان يغفل الموضوع بسبب ما يعتور طريق الباحث عنه من صعوبة العثور على جله، فيبقى بذلك سرا مكنونا لا يعلم عنه أي شيء سوى تلك الجماعة القليلة التي ولد في محيطها، وترعرع، وها هو بدأ يتلاشى، ويدثر بسبب فقد الكثير من رواته، ومنشئيه، وعدم نشر ما دون منه.
فحصيلة جهد المثقف بالجنوب يصعب العثور عليها حسب الحالة التي أعدت بها، فذلك التراث الفكري جله لازال مخطوطا، وفي بعض الحالات لا يوجد حتى بالخط. إذ لم تخلف غارات المستعمر منه سوى بقايا أثر فيها تعدد الرواة، وعدم تكافؤ معرتهم، فبطش الجيوش الغازية بمكتبات الجنوب إبان تسرب المد الاستعماري إلى الوطن كاد أن يقطع كل تراث فكري، قبل الثلاثينات من هذا القرن، وخير شاهد على ذلك ما تعرضت له خزانة الصمارة التي كانت من أعظم المكتبات الإسلامية، فلم تترك منها افتراسات الاستعماريين أي شيء، فما لم يحرق منها الفرنسيون، حمله الإسبانيون، ونفس الشيء تعرضت له أهم الخزانات، والزوايا بإقليمي سوس، والصحراء، لكون حملة القلم بهما هم الذين واجهوا الغزات بكل شجاعة، وصمود، ومن تلك الصعوبات أيضا انعدام وسائل النشر واحتكار المخطوطات، وكون كل من حصل بوسيلة أو بأخرى على شيء منها، يبقى ضنينا به عن زملائه المثقفين، وقد اثرت هذه العوائق في روح البحث من جهة، ومن جهة أخرى نتج عن احتكار الموجود منه تأثير بالغ في عدم انسجام أسلوب الشعر حيث أننا نلاحظ أبناء فترة واحدة ولا تناسب بين أسلوب شعرهم كل ينتج تقليد الطبقة التي توفر على أشعارها أو اقتنى بعضا من كتبها ولا يخفى ما يواجه ساكن البادية من صعوبة الحصول على الكتب سواء المخطوط منها أو المطبوع، بناء على ذلك نلاحظ أن شعراء تناولوا موضوعا واحدا يحسون فيه بنفس المؤثرات وتربطهم به نفس العلاقة، لكن نسج بعضهم على منوال شعراء الجاهلية، وآخر تأثر بشعراء المدرية العباسية، وثالث نحى صوب المدرسة الأندلسية مثل ابن العتيق، ومحمد بن آبوة البوحسني ………… في الشعر ـ والدراسة، وفي شعرهما دائما اتحاد الأغراض، غير أن ابن العتيق تأثر بشعر العهد العباسي، أما محمد بن آبوة فإنه يمثل نسخة طبق الأصل من شعر طرفة العبدي أو غيلان ذي الرمة وسنلاحظ ذلك عند سردنا لنماذج من شعرهم كغيرهما من الشعراء. تلك بعض العقبات التي تواجه الباحث في شأن إبراز كل الجوانب الفكرية لرجالات الجنوب المغربي، وإن كانت تلك الملاحظات لا ……….. جوهر الموضوع، فمثقفو تلك الناحية واكبوا مراحل التطور في الوطن، مطبوعين في كل مرحلة بميز التفكير الصحراوي الأصيل، وما نتج عنه من متانة الأسلوب، وتحكم المؤثرات العاطفية، ………
كان في بعض الأحيان يستمد من قساوة الطبيعة شيئا من غرابة اللفظ.
ومن الملاحظات الهاشمية أيضا هي: ان التعلم إلى عهد قريب يكاد يكون وراثيا يحصر على عائلات أو زوايا معروفة به دون غيرها ولعل هذا يبرر عدم استشهادي بمجموعة من مختلف الانتماءات في إقليم الصحراء، ثم إن مجال الأدب رغم وفرة الإنتاج لم يحظ بعناية كافية خصوصا التأليف، وبالميل الفكري إلى الشعر فإنه شكل أهم تراث فكري هنالك فانشاوه أو حفظه أمر يكاد لا تخلو منه أي أسرة، ومن لم يتمكن من إنشائه أو حفظه عوضه بالشعر العربي، ولم يكن الأدب والشعر خاصة منه هو كل التخصص بالإقليم، فهناك نخبة هامة اتجهت شطر البحث العلمي المتنوع فبرع في حفظ النصوص واعداد مجلدات لشرحها وتحليلها، والتعليق عليها يذكر من بينهم:
ـ سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي الذي ألف في جل العلوم الإسلامية ثم الشيخ محمد المامي وكذلك الشيخ ماء العينين الذي ألف ما يربو على 360 كتابا في مختلف العلوم، ومحمد بن محمد سالم، وسيدي بوبكر، والليلي، وغيرهم كثيرون، لكن جل ذلك الإنتاج بقي مخطوطا وإذا لم يبادر المتوفرون عليه إلى طبعه أو تمكين الجهات المختصة منه فسيتحملون جريمة اندثاره أمام الأجيال القادمة، أما كتب الأدب فكان نصيبها من جهدهم قليلا. إذا ما قيس بغيره من العلوم الإسلامية الأخرى كالفقه، والتاريخ، والنحو، والحديث، والسيرة، والفلك. إذ لم يعرف لحد الآن كتاب اهتم بالموضوع بعد الوسيط للعلوي، وسوس العالمة للعلامة المختار السوسي، والنفحة الأحمدية، وإن وجد بعدهما تأليف اهتم بالموضوع فلازا لم يكتب له التداول، وكذلك تندر الرسائل النثرية، والمقامة، والخطب، مما يؤكد ان أهم تراث يحفظ عنهم هو الشعر.
وإذا كان الشاعر عادة يتجاوز المرئيات مبتكرا معنى أو صفا، أو مهذبا أحد المعاني المألوفة أو متنبئا بظاهرة معينة أوصله إلى إدراكها خياله الشاعر، لو حدسه الفاحص لسر تفاعلات الفترة التي عاشها فيستطيع بذلك أن يعكس اهتمامات أمته فيصور لها ما تطلعت إلى تجسيده وعجزت عن التعبير عنه، فإن جميع تلك الأبحاث الشعرية ما استطاعت أن تخرج أي شاعر ما، عن نظام، وإحساس، وذوق البيئة التي ولد ونشأ فيها، فعدم انتشار التعليم، وعدم إمكانيات الاتصال منذ دخول الاستعمار حتى مع بقية الوطن الأم، وانعدام أي نوع من الصحافة والحدود المصطنعة التي حاول بها الاستعمار إيجاد ما أمكن من الفوارق لفرض الحواجز بين أجزاء المملكة كل تلك العوائق أثرت في شعر الصحراء فجعلته يبقى إلى عهد قريب عاطفيا يتناول مواضيع ذاتية كالغزل، المدح، الرثاء، المحاورة، ذكر الديار، وصف الناقة، أي نفس الأسلوب الذي درج عليه امرئ القيس وأصحابه، وكان رائد تلك المدرسة الأول بالصحراء هو امحمد بن الطلبة الذي عاش بإقليم وادي الذهب، وكان دائما ينسج على منوال قصائد عظماء شعراء العرب القدامى مثل معارضته لجيمية: الشماخ بن ضرار بقوله:
تطاول ليل النازح المتهيج
أما لضياء الصبح من متبلج
ولا لظلام الليل من متزحزح
وليس لنجم من ذهاب ولا مجي
فيا من لليل لايزال كأنما
تشد هواديه إلى هضبتي اج
كأن به الجوزاء والنجم ربرب
فرقدها في عنة لم تفرح
وهي طويلة تربو على ثمانين بيتا وقد عارض بها امحمد جميمة الشماخ بن ضرار الصحابي التي يقول فيها:
الا ناديا أظعان ليلي تعرج
فقد هجن شوقا ليته لم يهيج
أقول وأهلي بالجناب وأهلها
بنجدين لا تبعد نوى أم حشرج
وقد ينتاي من قد يطول اجتماعه
وتخلج أشطان النوى كل مخلج
صبا صبوة من ذي بحار فجاوزت
إلى آل ليلي بطن قور فمنعج
وقد عارض أيضا حميد بن ثور فقال:
تأويه طيف الخيال بمريما
فبات معنى مستجبا متيما
تأويه بعد الهجوع فهاضه
فأبدى من التهيام ما كان جمجما
لطاف بها حتى إذا النفس أجهشت
وابدت بنانا لي خضيبا ومعمصما
وهي عصماء طويلة تسير على هذا النهج معارضا ميمية حميد بن ثور الهلالي التي يقول في مطلعها:
ألا هيما مما لقيت وهيما
وويحا لمن ألقى منهن ويحما
أأسماء ما أسماء ليلة أدلجت
الي واصصحابي باي وأينما
سل الربع اني يممت أم سالم
وهل عادة للربع أن يتكلما
ولم أعثر فيما استنطقت من مصادر ولا ما استفسر من حفاظ ذلك الأدب على شاعر تعرض لذكر المناطق المعروفة بالساقية الحمراء قبل خريجي الصمارة الآتي ذكرهم الله ما كان من قطع لسيدي محمد بن الشيخ سديا الأديب المشهور بأقصى جنوب القطر الموريطاني الشقي حيث يقول.
طال في أربع القرار قراري
ليت شعري مالي ومال القرار
طال مكثي وان ما طال فيها
باختيار المليك لا باختيا
لم أكن مرفع القدوم إليها
بل رمتني لها يد الأقدار
صار فيها هكذا تشكي من زيارته لربوع الساقية الحمراء ثم حنين إلى مسقط رأسه بابي تيملت.
لعل هذا من أول ما وصل إلينا من شعر تعرض لذكر الاعلام الجغرافية بشمال الصحراء المغربية، ثم ان بعض الذين عبروا تلك المناطق سجلوا على ربوعها قصائد شعرية تتعلق أما بمديحات للرسول صلى الله عليه وسلم مثل ابن رازكة العلوي حيث أنشد عند مروره عبر الصحراء قصيدته التي مطلعها:
غرام سقى قلبي مدامته صرفا
ولم يقم المعذل عدلا ولا صرفا
قضى فيه قاضي الحب بالهجر مذ غدا
مريضا بداء لا يطب ولا يشفى
نهاري نهريين جفني والكرى
وليلي بحر مرسل دونه سجفا
جريح سهام الحب عاث به الهوى
فأبدى الذي أبدى وأخفى الذي أخفى
ومن الذين عبروا ذلك الإقليم ابن محمدي العلوي المشهور بمديحاته النبوية وبتمجيده لمولاي عبد الرحمان، والذي نشر الوسيط كثيرا من أشعاره، وأتأسف لكون شعراء الطبقة الأولى لم يصل إلينا كثير مما جد من إنتاجهم بعد كتابي الوسيط، والنفحة الأحمدية للشيخ أحمد بن الشمس والابحر المعنية للشيخ النعمة بن الشيخ ماء العينين وذلك لكون جهود المستعمرين استجابة لحقدهم الديني والحضاري على المغرب انصبت طيلة وجودهم بالإقليم على طمس المعالم الحضارية والفكرية التي تجسد أصالة المغرب مع إدراكهم لأن الفكر المغربي هو الذي حمل عبء نشر الدين، والثقافة الإسلامية في الأقطار الافريقية، وجنوب القارة الأوروبية، فكان ذلك الحقد يباشر عن طريق أطراف المملكة كمحاولة لتجزئتها إلى دويلات ضعيفة، ومتناحرة يسهل التغلب عليها، وقطع الصلة بينها مع أصالة الماضي المغربي. فلا غرابة أن يكون المثقف والعالم هما اللذان قادا معركة النضال من أجل بقاء الوحدة الوطنية مما عرض رجال الفكر بالصحراء إلى انتقام الاستعماريين الإسبانيين حتى ذهب بهم ذلك إلى: ملاحقة الشعراء وبث عيونهم ليتتبعوا الأندية الشعرية، ثم شرح الكلمات، وبالتالي إنزال أشد العقوبات على من تعرض في شعره للقضايا الوطنية، هذا بالنسبة لشعراء الساقية الحمراء ووادي الذهب الذين خضعوا لكابوس الحكم الإسباني، وعلى أي حال وحسبما وصل إلينا من تلك النصوص الشعرية يمكن تقسيمها من حيث مدتها الزمنية ومواضيعها إلى ثلاث طبقات:
1) شعراء ما قبل الاحتلال أي القدامى
ومن أبرزهم امحمد بن الطلبة المتقدم الذكر، ومولود بن احمد أجويد، وعمر اللمتوني وعبد الودود ابن أحمد، ومولود المجلسي، ومحمد اليعقوبي، ومحمد فاضل اليعقوبي، وغيرهم كثيرون، وقد احصى منهم محمد الغيث النعمة المتقدم ذكره 550 شاعرا تقاطروا على مدينة الصمارة ثم تباروا في مدح الشيخ ماء العينين بصفته خليفة السلطان بالصحراء. تلك الطبقة التي سبقت دخول الاستعمار وهي مرحلة أوج قيمة الشعر، فيه توقد اوار الحرب آنذاك، ويعقد السلم فإذا مدح الشاعر بسط رداء الوقار، والعظمة على ممدوحه، وإذا هجا خلع جلباب الستر عمن هجا، وقد كان إلى عهد قريب عنوان العلم والحكمة لأهله الصدارة، ولرواته أحسن مكانة، وكانوا يعتبرونه، من أهم المراجع لتاريخ القبائل نذكر على سبيل المثال لامية بن الطلبة التي عدد فيها مفاخر قبيلته، والتي مطلعها:
صاح قف واستلح على صحن جال
سبخة النيش هل ترى من جمال
قف تأمل فأنت أبصر مني
هل ترى من حدوج سعدي التوال
إلى أن يقول:
حي يعقوب أنهم خير حي
إذا تسامى الكرام عند النضال
ثم ما لبث ان اكتسب مكانة دون تلك، وان كانت لم تقلل من أهميته إلا أنها قومت التفكير ففتحت آفاقا جديدة جعلته يدرس كمادة ضمن المواد الدراسية، أما قوله فأصبح كموهبة من بين المواهب التي تزيد من توفر عليها ولا تنقص من حرم منها، ورغم الشعور الطافح بضرورة تغيير المضامين القديمة، وما نتج عن ذلك من سلاسه اللفظ، ورقة التعبير فإن ذكر الدمن، ووصف الناقة، والتغني بالمحبوبة، والتباري في شتى فنون المديح، والاعتزاز بالأمجاد، بقيت بسبب الرقابة الاستعمارية هي أهم أغراض الشعر حتى متم العقد الرابع من هذا القرن، أي سنة 1947 التي كانت بداية انطلاقة المرحلة الجديدة حيث أصبح فيها شعرا موضوعيا، قادته فكريا جماعة الطبقة الثانية التي كافحت المد الاستعماري ثم مس إنتاجها نوع من الركود إذ من سنة 1937 ما عرف عنهم أي إنتاج وطني اللهم ما كان من استطراديات تدرج في حنايا قصائد ذات مواضيع الوطنية عن طريق تعميم الشعور الوطني بواسطة قصائد لأكابر العلماء مثل: ماء العينين بن العتيق، ومحمد بن أبوة، والشيخ الإمام، ومحمد فال بن محمد الامين، ومحمد المامون، فهؤلاء يمكن أن يطلق عليهم طبقة المخضرمين فكريا، فهم الذين انحصر جل إنتاجهم في الأسلوب القديم لكن أفكارهم الوطنية قادتهم إلى التقرب شيئا ما من أساليب موضوعية، تجاوبت مع اهتمامات الأمة من الناحية الوطنية فأمكن لهم بذلك أن يصبحوا رواد المدرسة الحديثة بالصحراء، وان كانوا لم يتمكنوا من البلوغ إلى هدفهم بسبب كبت المستعمر كما أسلفنا.
فعلى يد هؤلاء تخرجت نخبة استطاعت أن تتجاوز الأساليب العتيقة من حيث الأغراض وأن تدون في إنتاجها مواضيع غير مألوفة فأصبح الشعر عندهم وسيلة لإلهاب المشاعر من أجل تعميم الشعور الوطني، وتحريض المواطنين على مواصلة الكفاح. لمواجهة مخططات الاستعمار فغدت بذلك أنصع صحة من صفحات أدب الجنوب هي ما يطلق عليه شعر الوحدة الذي تخلص من المواضيع الذاتية القديمة ليساير بأسلوب موضوعي، تطور الأمة واصفا تطلعاتها، موجها الأنظار لاختياراتها بتعبير قريب من مفاهيمها، مستجيب لرغباتها، مجسد لمفاخرها، مخلد لتضحيات عظمائها، متميز مع كل هذا بشمولية الأغراض فغدى شعرا اجتماعيا يتناول مشاكل الجماهير العامة بدل البكاء على الأطلال، والتغزل.
فبما أن الشعراء أدركوا الواقع المأساوي الذي سيواجه تلك الأقاليم عبر النوايا المبيتة من طرف الحكام الاستعماريين لمحاولة فصل تلك الأجزاء عن الوطن الأم، ثم بدأت تلك النوايا تدريجيا بالتلويح بعبارات مسمومة تنفي الصلة مع بقية الوطن المغربي، ولمواجهة تلك الحبائل حصر الشعراء جل إنتاجهم في استحثاث المواطنين على مواصلة النضال وتمام اليقظة ثم لسرد الحجج التي تثبت مغربية الصحراء معبرين عن أفكارهم الوطنية في مدائح لجلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، ولجلالة أمير المؤمنين الحسن الثاني أيده الله ونصره، محقق آمال جميع الوطنيين باسترجاع تلك الأقاليم بمعجزة المسيرة:
قدت المسيرة نحو وحدة أمة
لعب الزمان بأهلها وبهم غدر
فتجرع الإسبان نار هزيمة
بعد الغلو وقبل جيشك ما اندحر
هذا وفي كل تلك المراحل لم ينج ادب الصحراء من مؤثرات التخلف التي ينجم عنها خلق طبقة أستقراطية ليست عن طريق المال والحكم، وإنما هي عن طريق الذوق والوجدان والتطلع، والميول، مما جعل علية مثقفي ذلك الإقليم من المبدعين الممتازين إذا ما قيسوا بسواهم من أبناء مناطقهم مكنهم من ذلك يسر اقتناء الكتب وسهولة التردد على معاهد المملكة وخزاناتها الأدبية. إذ يلاحظ من تفحص أشعارهم أن من بينهم جماعات اقتصر دورها على النظم فقط بينما نجد بعضا منهم استطاع ان يتمكن من أزمة الأدب بالمفهوم الصحيح.
هذا عن اهتمامات شعراء الصحراء واغراض شعرهم والدوافع الكامنة وراء كل اختراع شعري بالإقليم اما تحليل ونقد، جودة الألفاظ والمعاني، وصفائها وبهاء وطلاوة الشاعرية، ومتانة سبك الأسلوب وصحة التركيب، والخلو من أود النظم، والتاليف، وكون المعنى صوابا أو خطأ، ومدار البلاغة الشعرية على أي من تلك المقومات مجتمعة أو متفرقة فإني تحاشيت التعرض له في هذا العرض الموجز من أجل ان أقدم نماذج من شعر أولئك القوم الذين لازال الجل من إنتاجهم مجهولا حتى يتسنى نقاشه وتحليله في مناسبات قادمة بعد أن يتمكن الكل من التعرف على مجمله.
وكان بالإمكان أن أقتصر في النماذج الآتية على شاعر أو شاعرين من أبرز شعراء كل مرحلة لكن أيضا رغبة في إبراز ما أمكن من النصوص لمختلف الشعراء قد أوردت مقتطفات من شعر أكبر عدد ممكن من الطبقتين الثانية والثالثة.
والملاحظة الوحيدة التي أبديها هي أن منهم من اعتنى إلى حد بعيد بتركيب فني اجتمع فيه جمال اللفظ والمعنى فاكتملت الوحدة الجمالية بين عنصريه اللفظي والمعنوي أي ما يطلق عليه الوحدة البيانية وقد يلاحظ هذا في شعر امحمد بن الطلبة من الطبقة الأولى، وبن العنيق من الطبقة الثانية، وسداتي هيبة والكبير العلوي ولارباس من الطبقة الثالثة.
وإلى عهد قريب كان شهر الصحراء يصاغ على الطرية القديمة، وهي قصائد ذات أبيات مستقلة بعضها عن البعض الآخر تجري على قواي متماثلة الروي تعبر عن عواطف ناظمها تجاه فرد، أو غرض ما. وقد يجره ذلك في كثير من الأحيان إلى نظم مواضيع متباينة لا يربط بينها إلا شخصية الشاعر.
لكن تطور الحياة، وتشعب مناهج التفكير، واختلاف الإحساس، والوجدان وتنوع أساليب التعبير، وتغير ملامح الإجرام. والاشكال، إثر كل ذلك إلى حد بعيد في الشعر، وأسلوبه وحتمية وحدة موضوعه، وفي الشعراء ودرجة تقديرهم فكان لابد استجابة لهذه المؤثرات أن تتطور رؤى الشاعر في الحياة، والمجتمع، وأن يتجه شطر مواضيع أكثر أهمية من البكاء على الحبيبة وذكر الدمن ووصف وعناء السفر ليستجدي ممدوحه مما يحصر فعالية شعره في المجون أو الاسترزاق أو الإيحاء بالغرور لفرد معين، بذكر ما ليس فيه، بغواية الشعر كما أسلفنا.
وبسبب تلك المؤثرات المشار إليها تقرب الشعر إلى ذوق الأمة محاولا مسايرة التطور مكتسبا وحدة التفكير بالبحث عن المواقف التي تستميل انتباه أكبر عدد ممكن من أبنائها بتحريك عواطف الوطنيين مسائرا بذلك المناهج الجديدة، الملحمة ثم الشعر التأملي، ثم القصصي وقد تعاطى شعراء الصحراء قول الشعر في الأساليب الثلاثة، ففي الشعر القصصي نذكر مثلا الشام عبد السلام الذي برع في هذا النوع بأسلوب خال من التعقيد أو التعسف كقوله:
سقاها غير شاعرة رحيقا
ليحدث في تحصنها خروقا
فدب لها دبيب الراح منها
يرى أتعوقه أم لن تعوقا
وهي قصيدة طويلة تعرض فيها لحكاية حب حاول فيها المحبوب من محبوبته ان تمكنه من نفسها بشتى الإغراءات، ولما أعيته الحيلة سقاها خمرا دون أن تشعر ثم دب لها دبيب الراح حتى صاد ابلغها العقوقا حسب تعبير الشاعر، ولما فاقت انتحرت ثم ظهرت الجريمة على المجرم فألقي في السجن، وله عدة قصائد استعرض فيها قصص رحلات قام بها بين الشمال والجنوب.
اما الملحميات فمنها قول احمد الهيبة بن الشيخ ماء العينين في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم:
كففت انسجام الدمع فانهل وانهمر
وعاد عقيقا بعد ما كان كالدور
وأبدل مني من جوى البين والأسى
سبات الكرى والنوم بالسهد والسهر
وجفني مبني على الفتح رفعه
ولا يتأتى فيه ضم وما انكسر
وهي تربو على 200 بيت في نفس الروى والبحر، ومن ذلك النوع أيضا قول محمد سداتي هيبة وهو بسجن الجزر الخالدات يحث المواطنين المواطنين الموجودين معه في السجن على قوة الشكيمة والتشبث بالمبدأ الوطني مهما بلغت مضايقات المستعمر:
صبرا صاحبي فالنجاح لمن صبر
والحر يعر في الشدائد والخطر
ومقامكم في الخالدات مخلد
مجدا لكن والمجد اسما مدخر
ومن أسلوب الملحميات أيضا قول مربيه رب في مدح الرسول:
حي الربا من معهد لمعهد
ان كنت ذا عهد وذا تعهد
وهي أرجزية تجاوزت ثلاثمائة بيت في نفس البحر والروى عدد فيها معجزات وشمائل الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما الشعر التأملي فقد نال حصة الأسد من إنتاج أولئك الشعراء من ذلك قول الشيخ ماء العينين لارباس:
بني وطني لازلتموا منزل الشعرا
علوا وأولاكم من الخالق البشر
وكقصائد الأستاذ العلوي محمد الكبير مثل:
الارض تبر والسماء زبرجد
والأفق نور والطوالع أسعد
وفي المحاورة ترى مجالسهم مطبوعة بارتجال هذا النوع من الشعر خصوصا الطبقة الثانية. أما الشعر التأملي فكما أشرنا قد برع فيه السادة: المرحوم سداتي، ماء العينين والمرحوم العبادلة، الكبير العلوي ـ الشيخ ماء العينين لارباس، الشام عبد السلام، الداه محمد، الدرجاوي عبد الرحمن، ماء العينين يحجب أبو بكر بن الشيخ امربيه، محمد بن قاري، الرصافي معروف ابشيرنا، بالإضافة إلى ثلة من الشباب تتأهب لتأخذ مكانتها البارزة في الأدب، ومحمد فال بن محمد الامين، ومحمد الامين ابن حيبلتى، وخيرهم إبراهيم وغيرهم كثيرون سنتعرض لهم في حلقات قادمة بحول الله.
***
بعد هذه الملاحظات العامة أورد نماذج من شعر الطائفتين الثانية والثالثة.
الطائفة الثانية ماء العينين بن العتيق: من أبرز شعراء الجنوب بصفة عامة وإن كان يوخذ عليه حصر جل أغراض شعره في الغزل والمدح، في حين أنه من أعظم العلماء بذلك القطر أيضا، من خريجي الصمارة امتدح جلالة المغفور له محمد الخامس بعدة قصائد نشرت أولاها بجريدة السعادة سنة 1937 وقد نشرها الأستاذ الجليل عبد الوهاب ابن منصور بكتابة الأخير «مناقب أهل الصحراء» وأن استمرار شعراء الجنوب في ذكر شمائل أمير المؤمنين وتباريهم في مدحه ظل من أعظم التحديات التي واجه بها المثقف الصحراوي الاستعمار، وبقي كذلك من بين العوامل التي حافظت على تركيز الشعور الوطني في سكان الإقليم المسترجع حتى تمت الوحدة الوطنية، لله الحمد.
ومطلع القصيدة المشار إليها هو:
بشر المنى بك أشرقت اعلامها
يشدو على فنن السرور حمامها
وحظائر العرفان منك تنسمت
أرواحها وتبسمت اكمامها
زانت أمامتك الزمان وكيف لا
تزدان أزمنة وانت أمامها
إلى أن يقول:
ما أنت إلا البدر في هالاته لما أحاط بجانبيك ندامها؟
ومنها:
وولي عهدك يقتفيك فنفسه
عن رسل مجدك يستحيل قطامها
وبمناسبة عيد الفطر الذي وافق عيد العرش سنة 1956 كان ابن العتيق من بين وفود الصحراء التي أتت لتقدم ولاءها لصاحب الجلالة المغفور له محمد الخامس فأنشد بين يدي الحضرة السلطانية القصيدة الالية:
تتابعت البشائر والخيور
بحمد الله واتصل السرور
وصبح السعد لاح له ضياء
وروض الحق فاح له عبير
بمشهد طلعة الملك المفدى
من ازدانت بدولته الدهور
ومن طود السعادة مستقر
بأمرته وناظرها قرير
أمام العصر محمود السجايا
محمدنا بن يوسفنا الشهير
وأولى الشعب بعد الذل عزا
وبعد العز ذل به الكفور
وفي سبيل العلا مر المنايا
لديه كأنه الماء النمير
إلى أن يقول:
ونعم ولي عهدك من أمير
بسيرك في خلائقه يسير
أشدت بعزمه أركان حرب
تحاط بها النوادي والقصور
فتى حسن الشمائل والسجايا
جواد ماجد بطل جسور
ونعم الشعب شعبك خير شعب
تعمهم الثقافة والحبور
تآخوا في ديانتهم فكل
على أوطانه أسد غيور
أساتذة جهابذة أباة
غطارفة قساورة بحور
رجال الغرب فيه بدوا بدورا
لهم تعنو بمشرقها البدور
الا فاهنا قرير العين وان لا
تفارقك المسرة والحبور
ومن غرر شعره قوله في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم:
إلا من لعين عز وجد أجودها
وهان عليها بالمدامع جودها
تفيض لذكر الفيضتين بعبرة
كأني إذا كفكفتها استزيدها
ومن لحجا أذكى به الشوق شعلة
تشب استعارا إذ يرام خمودها
وانى على نار الغرام تجلد
وما غير حبات القلوب وقودها
إلى أن يقول:
وماذا به نثني عليه وانما
نعوت الثنا من وصفة نستفيدها
شفت شفتي مما يشف وفكرتي
مدائحها إنشاؤها ونشيدها
وفي سنة 1937 عين الشيخ محمد الاغظف بن الشيخ ماء العينين نائبا لخليفة السلطان بالصحراء فهنأه ابن العتيق بقصيدة استعمل فيها من أساليب البلاغة صنوفا لم تأت لغيره وهي:
بجانب الهودج مربع دثر
من سلك جفني جوهر الدمع نثر
إلى أن يقول:
يزرى ان افتر وراع وترنم وتثني وسفر
بالأحوان والرشا والعندليب والكثيب والقضيب والقمر
حتى يقول:
وان سخا وان سطا وان عفى
وان وفى وان رسى وان ظهر
أين الغزالة ورضو والسمو
ال واحنف وعمر والزفر
يا بهجة الدنيا وقوت روحها
لله درك من أستاذ وزر
قد تبت عن خليفة بقطرنا
فدم لمثلها أعز مدخر
واهنا بها من ثقة أولاكها
خليفة السلطان من البشر
بالمنصب الجديد نلت المبتغى
وعندما خلفك الندب الابر
خلفت في اليقين واللين أبا
بكر وفي الشدة والعدل عمر
ود أنشأ القصيدة التالية وهو لازال لم يتعد ستة عشر سنة وهي:
عج بالركاب على الكعاب وسائل
لم لا تقابل بالقبول وسائل
أو ما رأين لذكرهن مدامعي
ما بين جار بالخدود وسائل
إلى أن يقول:
جهل العذول هوى الملاح فلامني
وعلمته فعصيت أمر الجاهل
أنى أحاول في الصبابة مخلصا
من وجدهن وقد أصبن مقاتل
ما هكذا الإنصاف لكن
لا اعتراض على الحبيب ولو قضى بالباطل
تخلص منها لمدح جده الشيخ ماء العينين الذي اتبع معه طريقة بن سناء الملك مع القاضي الفاضل اظهار المقدرة الشعرية في الغزل، والمدح وعدم الخروج عنهما كثيرا لغيرهما من الأغراض الشعرية الأخرى.
وفي بعض الأحيان يبدأ ابن العتيق القصيدة بخطاب التثنية أو الجمع في التغزل ثم يسلك نفس الشيء في المديح كقوله:
الما بالمرابع لا عداها
ربيع منه يرتع مركداها
ولا في عهدها تنيا وردا
لمعهدها النواء وردداها
إلى أن يقول:
وواسطتا قلائدها وبيتا
قصائدها وصدر منتداها
وقد ترك ديوانا خاصا بمدائح الرسول كتب عليه هو بنفسه انه اتبع فيه أسلوبا لم ير من سبقه إليه لكونه رتب تلك القصائد على الحروف وكل قصيدة يبدأ بيتها الأول بحرف فيكون هو رويها ثم خصص كل قصيدة لذكر بعض شمائل الرسول مع تحاشي التكرار، مثلا في حرف الألف قال:
اثار الهوى بعد الحبيب اداؤه
فوجدي به حق علي أداؤه
وكعادة أبناء الصمارة فقد خف لزيارتها عندما سمحت له ظروف الكفاح الوطني بذلك فانشأ يقول:
عفت الديار وهل ترى شيئا
لم يعف الا الواحد الحيا
هذي الصنمارة ويك مقفة
تكوي الفؤاد ربوعها كيا
وفي الفخر أنشأ قصيدة هنا في آخرها امربيه رب على تأدية فريضة الحج سنة 1938 ثم تفنيده لدعايات الغلات الفرنسيين في شان كفاح الصحراء وسوس من أجل صد المستعمرين عن حوزة الوطن قال في مطلعها:
هو الشعر للأكفاء شهدته تحلو
اذا صاغه من كنز باعثه الفحل
فينساق عذبا للفهوم كأنما
باثنائه تلقى محاجتها النحل
إلى ان يقول:
ليهنئك حج البيت أديت فرضه
وقد ما يؤدى عنده الفرض والنقل
وبايعت للعرش العظيم مجددا
لبيعة اسلاف بها اجتمع الشمل
تلقاك في أقصى الشمال خليفة
لخير عباد الله يا حبذا الأصل
به الوطن الأسمى يصون لوحدة
فأقواله فصل واحكامه عدل
وله عدة قصائد في الغزل والرثاء والحكم لا تقل جودة عما ذكرناه واننا لنأمل أن تتاح فرصة قريبة لعرض نماذج شعرية خاصة به.
وله عدة قصائد في الجهاد وحث المواطنين المغاربة بالجنوب على الصمود في وجه المد الاستعماري أبان الكفاح الوطني لسوس والصحراء منها قوله:
كفى المر غيا للغواية صغاره
كذا لكبار الاثم تغري صغاره
ويوشك أن يغشى الحما الراتع الذي
رعى حوله والجار يعديه جاره
وأن الرضى بالذنب ذنب وان يقع
عذاب يعيم الفرقتين تباره
2) الشيخ محمد الإمام:
تنافس هو وابن العتيق على الدرجة الأولى من بين شعراء الصمارة حسب حكم الأستاذ المختار السوسي في الجزء الرابع من المعسول.
ألف محمد الإمام كتاب الجأش الربيط في النضال عن مغربية شنقيط سنة 47 تعرض فيه لأسلوب عمل المخزن بالصحراء والأسر التي حمل رؤساؤها ظهائر والوفود التي قدمت على عاصمة المملكة لتأدية واجب البيعة باسم سكان الجنوب المغربي.
ثم ضمنه فصلا خاصا بالعادات وطرق التعليم وفي نفس السنة استدعى من طرف خليفة السلطان سمو الأمير مولاي الحسن بن المهدي الذي ظلت صلاته الوطنية قائمة بالصحراء حتى أواخر سنة 55 وفي تلك الطريق عرج الشيخ الإمام على وادي المخازن فتذكر معركته الشهيرة التي دافع فها أجدادنا عن سيادتهم بينما نحن في تلك الأيام موزعون عبيدا لأولئك الذين كانوا يوما ما من جملة رعايانا فانشد يقول:
خليلي مرابى بواد المخازن
نجدد شكرا بين تلك المواطن
مواطن كانت للجهاد مشاهدا
بهن مياه العز غير اواسم
به وقعة مازال يسري نسيمها
على بعد عصر وابتعاد الأماكن
بأيدي رجال شيدوا الدين وارتدوا
رداء من العلياء ضافى المحاسن
فلم تثنهم عن راحة العز راحة
ولا حسو كاس بين شاد وشادن
رجال من أبناء المغاربة الأولى
هم الناس ان عدت كرام المواطن
فنشمخ انفا ثم نطرق بعدها
حياء لفوت بيننا وتباين
أولاك حموا أقصى البلاد وانتم
مساكين محميون وسط المساكن
ومنها:
الاعرق للمجد المؤثل نابض
فينهض منا قاطن اثر طاعن
إلى أن يقول:
تظنون سورا من حديد أمامكم
وما هو الا من ركام الدواخن
حتى يقول للمتقاعسين عن المقاومة الوطنية:
وقلتم مقال العجز في اليأس راحة
فتصليم آذا وجدع موازن
وقد زار الأندلس ثم تذكر شموخ عز الإسلام وحاله أوان تلك الوقعة. فأنشد قصيدتين قال في الأولى:
ان قصر الحمراء قصر جميل
طاب فيه المغدى وطاب الاصيل
كل شيء تراه فيه أنيق
فمياه تجري وظل ظليل
ما مللنا من الوقوف لديها
واعترانا من الهيام ذهول
حتى يقول:
تلك آثار قومنا يال مجد
وطدته من القروم فحول
ومطلع الثانية:
الدهر ذو عجب وذو ألوان
لا تنقضي بتقلب الأحيان
في كل آن يستجد عجائب
تنسيك معجب سالف الازمان
عاطتك اندلس مجازك نحوها
عبرا تذيب الصم من ثهلان
ولما سمحت له الظروف بزيارة الصمارة كغيره من بقية ابنائها بعد ان ارغمتهم هماتهم الوطنية على الخروج منها أنشد قصيدة رائعة مطلعها:
لا بدع أن حن ذو لب إلى وطن
أوهاجه دارس الاطلال والدمن
عوجا على طلل محت معالمه
هوج الرياح وصوب الصبيب الهتن
وقفت بالربع لايا ما ابينه
لولا ارتسام الهوى بالقلب لم يبن
ماذا أثارت من افنان الغرام به
ورقا ترجع ألحانا على فنن
إلى أن يقول:
فاستبق ويك على قلب تياسره
ما يعلم الله من بث ومن حزن
شوقا إلى زمن لم ينس طيبه
ما قد جرى بعده من حادث الزمن
هي النازل كم أذكي تذكرها
جمل الأسى بفؤاد الواله الشجن
ومنها:
دهر الصمارة وما أدريك ما زمن
حدث ولا حرج عنه فلم تمن
وله عدة وطنيات، ومديحيات لجلالة المغفور له محمد الخامس فمن مدائحه قوله:
حي المليك الذي بمجده اشتهر
محمد الخامس السامي عن الأمرا
ذاك المليك الذي مازال مرتقيا
إلى سماء العلا يسمو عن النظرا
ومن وطنياته قوله سنة 1947 ردا على محاولة اسبانيا لإدماج إخواننا الباعمرانيين في الجنسية الإسبانية: مطلعها «بني وطني قوموا على اسوق الجد»
ومن أساليب تغزله:
الأم الهوى يدعوك من حيث تسمع
فتخفض أنفاس الغرام وترفع
وأنت مقيم لا تبلى دعاءه
كأنك لم تسمع لما انت تسمع
وفي المراسلات قال لأخيه مربيه رب:
سلام في المزار ينوب عني
ويخبر صفاء الود مني
إلى أن يقول:
اذا اصغى اليراع على يميني
لفكري في مناقبه كاني
أرى بيدي الحجار درا نثيرا
فينظم ما يشاء بلا تعنى
وتزدحم القوافي فيه حتى
أقول لها وراءك ويك عنى
أبا لاطناب بالغة مداه
رويدك فاربعى والتطمانى
وله عدة وصفيات في الطائرة ومنظر الطبيعة وفي المحاورة كما سنرى في مكان آخر، وفي الفخر والحماسة، وفي الحكم له قصيدة طويلة منها:
وقر اذا الاحداث سادوا وأن
شرار فبطن الارض خيب لمن ثما
وكن حيث وافقت البلاد وأهلها
ولا ترضى اذلالا بأرض ولا هضما
وله عدة مؤلفات منها الجواهر المنتخب على انساب من في المغرب من العرب، ثم اسعاف السائل، وحلي الاوراق في ضرورة التخلي عن الاسترقاق.
3) محمد المصطفى ارمبيه رب بن الشيخ ماء العينين له عدة مؤلفات في الفقه، والسيرة، والتصوف، أما شعره فتنحصر جل أغراضه في الغزل، ومدح الرسول، والحكم، والمجاورة، وفي تقاريضه لكتب والده لكونه تولى الإشراف على جل ما طبع منها بالمطبعة الحجرية بفاس.
نماذج من شعره:
أفهكذا ميسان غصن البان
يرتج من محقوقف المكثبان
لو كان غصن البان هذا ميسه
لارتاح للكثبان غصن البان
إلى أن يقول فيها:
ما هند ويات بأيدي جحاجح
أسد تصول إذا التقى الجمعان
فينا بامضى من عيون نعس
تفنى الاسود وهي من الغزلان
ومنها عندما تعرض للمدح:
بحران يلتقيان في أوج العلى
ذا دأبه بحران يلتقيان
بأكفه فر كرام عشرة
نسخت مياه المزن الوغدر
سبع لسبعة أبحر وثلا
ثة للسحب والأنهار والطوفان
ومن بدائع شعره ملحمة في بحر الرجز مدح بها الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام مطلعها:
حي الربى من معهد لمعهد
أن كنت ذا عهد وذا تعهد
وفي نفس الموضوع أيضا قصيدة مطلعها:
بشرى لدهر كان من حسناته
وصل محي ما كان من هفواته
تمحو ليالي هجره حسناته
ليلاته تقتصي من ليلاته
زار مدينة الصمارة بعد خروج والده منها وقبل دخول الاستعمار إليها وهو آنذاك بصدد تكوين جيش من أبناء الصحراء لمواجهة الغزاة الأجانب، فوجدها يبابا دائرا فأنشد يقول:
هذي الصمارة في أنبائها العبر
منها تحيرت الألباب والفكر
دار بصحراء من رأى عمارتها فيما
مضى أو رآها اليوم يعتبر
ثم زارها بعد رزوحها تحت حكم الاستعمار الإسباني فإذا هي ترسف في قيود استعمار ماكر يتوقع انفجار بركان المقاومة منها من حين لآخر وعهد امربيه رب بها قبل ذلك قاعدة لانطلاق فصائل المجاهدين نحو كل الجهات لصد أي غزو بواجه أطراف المملكة فأنشد يقول:
هلا عجبت وكيف ينقضي العجب
والدهر ذو عجب وصنعه عجب
هذي الصمارة لا حي ولا ملاء
بها ولا فرح بها ولا طرب
ولا بها حلق الذكر العظيم ولا
علم تدرسه قوم ولا أدب
هذا تضلع من شرع العلوم وذا
من الحقيقة كالمحروق يلتهب
دار بوفق المنى كانت معمرة
من فضها يقطف السرور واللعب
ثم مثلها بغادة رضعت ثدي العلوم، ونشأت على العفاف والكرم فقال:
تبارك الله كم كانت مخدرة
هناك تكتنفها الاستار والحجب
درج فيها على هذا المنوال الذي اتبعه شو…….. حول إحدى المدن اللبنانية. وفي موضوع الحكم، له عدة قصائد مطلع إحداها قوله:
اهاجك من وهج الهوى والنوى ذكري
وما الصب الا من تهيجه الذكرى
دعى الغيد وافر البيد واللجج الخضرا
إلى المنصب الاعلى ولو كان في الخضرا
حتى يقول:
وما الخل إلا من يواليك دائما
ولم يتبع فيك النوائب والدهرا
ومنها:
وللدر أنواع وهذا أرقها
واصغرها جرما وأكبرها قدرا
وفي اداب المجلس قال:
الا فامنح اطابيب الكلام
لقومك بعد معسول السلام
وراعى الحال في النادي وحدث
على قدر المجالس والمقام
وللألغاز والمغزى تيقظ
فكم بين التيقظ والمنام
وان حدثت فاصغ بحسن سمع
إلى قول المحدث باحترام
ولا تسرع إلى الافتاء واحذر
معارضة الكلام مع الكلام
المؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق، واذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، واذا قدر لم يأخذ أكثر مما له.




175 العدد



دعوة الحق - نماذج من أدب الصحراء وأدبائها -1-

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى