رسائل الأدباء حوار مع الفيلسوف والروائي والناقد العراقي الدكتور رسول مُحمَّد رسول.. أجراه: سامر أنور الشمالي

الفيلسوف والروائي والناقد العراقي الدكتور (رسول مُحمَّد رسول) اسم لا يجهله من يتابع المشهد الفكري والأدبي في الوطن العربي، تمتاز كتابته الفلسفية بالشمول، والفكرية بالعمق، والنقدية بالموضوعية، أما كتاباته الإبداعية فنجد فيها حرفة المبدع في السرد وهو الخبير بفنونه وأسراره. وهو في كل ما كتبه ينحاز إلى الإنسان مطالبا بحقوقه واحترام آدميته ليعيش كما يبغي له ان يعيش على هذه الأرض التي تتنازعها الصراعات والحروب.
حول عوالمه المتنوعة والثرية نسأله لنكتشف العالم بعيني مثقف عربي كبير، ونجد في تلك الإجابات المكثفة والمثقلة بالأفكار والرؤى أطروحات جلية تتميز بالجرأة في الإشارة إلى النكبات وشجاعة لتجاوزها.


***


• نحاور مفكراً له رؤيته للأحداث من حوله، ونسأله: ماذا يستطيع الأدب العربي أن يحقق وينجز في ظل الهيمنة السياسية والاقتصادية العابرة للقارات؟
** للأدب العربي صوته الإنساني وله إمكانيات قول صوته رغم كل التحديات التي تواجه العرب، لا سيما في بعض الدول العربية التي طالها التضرّر بسبب الهيمنة الخارجية، والأدب العربي ممكن أن يقول ذاته بشفافية إذا ما تحرّر من الانغلاق على ذاته ذلك الانغلاق الأعمى والغبي، الأدب العربي يقول ذاته إذا ما انفتح على قول الإنسان فيه، الإنسان بوصفه إنساناً لا مجرّد كائن بشري يمرّ بسرعة كالأشياء، والعرب إذا لم يحترموا الإنسان فيهم لا أثر لهم في الوجود، وكذلك الأدب إذا لم يحترم الإنسان ضاع في هباء الحياة.

• لنتحدّث بصراحة.. ماذا يستطيع الأدب أن يقدم للإنسان المعاصر المحاط بالأجهزة الذكية؟ وهل هذا الإنسان لديه الرغبة في قراءة الأدب لساعات وقد كثرت من حوله إغراءات مواقع التواصل الاجتماعي؟ لا سيما أن القراءة في العالم العربي ضعيفة من قبل.
** الأجهزة الذكية هي أدوات لنقل المنقول، ونعم لدى الإنسان الرغبة بقراءة الواقع كما الأدب لساعات إذا كان صادقاً لمعرفة ما يجري والمسألة ترتبط بالعوز للمعرفة، وهذه الأدوات الذكية هي أدوات مساعدة ولكن تبقى القراءة المباشرة للواقع وللمكتوب هي الأساس.

• إذا عدنا إلى بدايات القرن الماضي ومنتصفه- حيث كانت المشاريع الأدبية العربية النهضوية- وأجرينا مقارنة مع المشهد الأدبي الراهن. هل سنجد أنّنا تراجعنا إلى الخلف أدبياً وفكريا؟ أم أننا حققنا إنجازات نستطيع التأسيس عليها للقرن الجديد؟
** نعم نحن تراجعنا الى الخلف على أصعدة عديدة.. تراجع جذري. وأنتَ لاحظت انفجار بيروت الأخير الذي شل الحياة وقتل البشر، وكل المشاريع الثقافية العربية الثرية انتهت، وجاء البديل هشاً هزيلا، وأصبح المثقف يُباع ويشترى، وانهار الكثير من المشاريع الثقافية، وأصبح الكتاب هزيلاً.

• من منظورك كمتخصص في الفلسفة الحديثة وناقد أدبي وروائي أيضاً، نسألك عن الجنس الأدبي الأكثر إقبالا عليه من قبل الكتاب والقراء. كيف تقيم واقع الرواية العربية المعاصرة؟ هل هي رواية سطحية لم تغص إلى عمق الواقع المتردي أو طبيعة الإنسان المأزوم؟ أم هي رواية نجحت في التصدي للعقبات ونجحت في تجاوز العقبات والخطوط الحمراء؟.
** الرواية متعدّدة الأبعاد منها الرديء ومنها الجيد، وتمكنت الجوائز العربية المعنية من إعادة تقديم الرواية العربية، وهو تقديم مشوب بشكوك كثيرة أحيانا، لكنه قدم الرواية العربية. والمهم الرواية هي قمة الأدب العربي.

• كيف ترى مستقبل الأدب العربي في ظل ما يعانيه المواطن العربي على صعيد تراجع التعليم والقراءة والأزمات المعيشية والحروب والأوبئة؟
** لا بدّ للأدب العربي من أن يعيد تقديم الإنسان من جديد، وعندئذ يمكن له أن يجد ذاته وكيانه ومكانته، وهنا مستقبل الأدب، لأن الإنسان في عمومه والعريي في خوصيّاته هو المهم.

• في رحلتك النقديّة تخصّصت بالنقد السردي الإماراتي في الرواية والقصة القصيرة، فلماذا اشتغلت على هذا الأدب؟.
** كنت في أبوظبي هناك أعيش في المجتمع الإماراتي حيث يوجد المبدعون الإماراتيون والنصوص الإماراتية، كل شيء كان متاحاً، وكانت الرغبة عندي قائمة كذلك الممكنات الفكرية والرؤيوية والأدواتية فشرعت بحب وهمّة عالية ونجحت في الكتابة عن السرد الإماراتي، ونشرت ثمانية كتب أعتز بها عن الرواية والقصة القصيرة الإماراتية.

• أنتَ متنوّع في الإنتاج الثقافي؛ فأنت فيلسوف بالدرجة الأولى، وروائي، وناقد. مضت على رحلتك في الكتابة نحو خمسة وثلاثين سنة أبدعت فيها، فما حكاية هذا التعدّد؟
** بدأت فيلسوفاً لكنني كنت أقرأ كل شيء، وفي حياتي الجامعية في بداية الثمانينات وجدت بعض أستاذتي متعدّد الاهتمام بالكتابة، وفي قاعة الدرس كان أساتذتي يقولون عندك نفس سردي عندما تتكلّم، وكنتُ أضع هذا الكلام في ذاكرتي من دون أن أفكّر يوماً أن أكتب رواية. لكن في النتيجة كتبت ثلاث روايات، ونشرت اثنين منها. أما الفلسفة فهي المادة الرئيسة التي عرفت فيها منذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين، ولا أزال أكتب فيها!.

• تأريخ طويل ومشرف.. وسمعت أنك نشرت، مرّة أخرى، أرشيفك وقد وصل إلى 13 جزء هل تؤكّد ذلك؟
** نعم كلامك صحيح، فقد استغرق مني ذلك عاماً كاملاً من العمل الدؤوب (عشر ساعات يومياً) وحتى الآن أكملته إلكترونياً وتراني أعتز به وبتجربة الكتابة تلك.



* نشر في مجلة (الشبكة) العراقية العدد ٣٧٨
٢٨ شباط ٢٠٢١

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى