روعة عمامي - إعترافات رجل شرقي..

عزيزتي أنت :
لقد حدثتني كثيرا عن ظلم البلاد وضيق المكان و عن إختناقك بماترويه لك الشوارع والجدران من قصص مختلفة عن بؤس أصحابها والتي كان المكان شاهدا عليها... كنت تقولين في بلادنا يا " أ " تطيب الحياة فقط لمن لا يبالي اما المبالون كحالي فيرونه دهليزا تقبر فيه الأحلام وتتبخر ...

كنت أطلب منك أن تكفي عن الشكوى مدعيا أن تخصصك في مجال الصحافة أثر في طريقة تفكيرك و هو ما جعلك تتفوهين بعبارات التنديد لما يحصل ..
كنت أعلم أن شخصك صادق فيما يقول و أنك لاتشتكين بل حقا تنددين وترغبين بفعل المستحيل ليكون لصوتك صدى في القلوب قبل الاذان أملا في التغيير... كانت امانة أرهقتك وأرهقتني لأنني لم أكن لأقبل بزوجة تعمل لكنك عارضتني بشدة وضربت معارضتي عرض الحائط ... لم أصارحك حينها لقد أضمرت لك الغدر لأنني رأيت أنك لاتصلحين بأن تكوني زوجة لرجل مثلي ...تراني كنت على حق ؟

كنت أعلم أنك سئمت المكان وهو ماجعلك تغادرينه في أول فرصة و تسافرين بعيدا ...
يوم سفرك أخبرني صديق لي أنك تسافرين لم أكن اعلم لأننا كنا قد انفصلنا قبل ذلك بأشهر طويلة ، لم احاول اللحاق بك ومنعك لقد أخطأت في حق رجولتي فسلمتك لأحلامك بسهولة ...
أعترف لك لقد إعتصر رحيلك كل جبروتي وزاد غيابك في اعتصاره حتى لم اعد أقوى على الانتظار بحثت عنك كثيرا ولم أجدك ...
كنت قاسية يوم تركت المكان وأنا ... على أمل أن ترى أحلامك النور بعيدا عني وعن ظلم البلاد وليلها الذي أبى أن ينجلي ...
الآن أبصرت النور وتركتني في ظلام البلاد أتحسس خطايا أن تخطئ فأغدو نسيا منسيا ... إستحال الأمان إلى خوف كبير ... الوضع هنا لم يعد يطاق ... لقد تنبأت بذلك أمامي قبل سنوات وكعادتي لم أتوان عن السخرية من نبؤاتك...

رحلت و لاتحاولي اقناعي أنني كنت القطرة التي افاضت الكأس بسبب اهمالي وشرقيتي المفرطة... كنت عدوة الرجل الشرقي تراك وجدت في بلاد الروم من يرضي غرور انوثتك؟

حسنا أعترف لك كنت فتاة خارقة للعادة لم أخبرك من قبل فضلت أن أحتفظ بذلك لنفسي ... كنت أخاف عليك من الغرور... أليس من حقي عليك ان أخاف عليك...؟

اليوم لم اصدق ما رات عيني كنت أنت ... رايتك في التلفاز تشعيني كلؤلؤ مكنون ثقة و آمالا تتحدثين بنفس الاصرار الذي عهدته فيك و كأن الذي بيننا ثوان وليست سنين...
كم أشتاق لاستخفافك بي كم كنت أستحق ذلك... وكم كنت أعظم من أن أسخر منك...
تتحدثين فأصغي لاعود لذلك اليوم الذي أخبرتني فيه عن أحلامك كحلمك بالسفر بعيدا أو حلمك بالجلوس بمفردك في ركن معزول بإحدى المقاهي الباريسية بجانب نافذة تطل على حديقة غطت الثلوج خضرة أشجارها بان تكوني مذيعة ناجحة باحدى اشهر القنوات التلفزية ... بأن تنجبي بنتا تحمل عنك أحلامك وترينها فيها... حتى انا كنت من ضمن أحلامك أخبرتني أيضا أنك تحلمين بيوم أتوقف فيه عن السخرية منك. كانت احلامك رقيقة مثلك ، بسيطة لكنها ثقيلة عليّ ...

كم ضحكت يومها من حلمك بأن تكوني مذيعة ... رجوتك حينها ان تتوقفي عن سرد أحلامك وأن تعيشي واقعك... امرك غريب يافتاتي لقد توقفت عن سردها ولكنك جعلتها أمامي حقا أتنتقمين؟

لم أكن متشائما كما إتهمتني ، كنت أفكر بواقعية ... فقط أنت من خرقت قواعد الواقع وتسللت من منافذ الحلم لتلتحقي بطموحك وتحضنيه فياخذك بعيدا عني ... لا اخفيك القول أعترف لك كانت أحلامك مغرية جميلة لطالما حسدت قدرتك على الحلم أما أنا فقد كنت عاجزا عن ذلك لذا كانت أحلامك تثير عجزي وهو السبب في امعاني عن السخرية منك علك تكفين وتكف آلامي عني...

سخرت من أحلامك وها أنت الان تسخرين مني بها... حتى انا حققت شيئا من احلامك وتوقفت منذ زمن عن السخرية منك...

أظنك كنت على حق عندما قلت لي يوما أن تفكيري "محدود ".. احييك على صمودك و اعزي نفسي على محدودية تفكيري...
اعترف بأنني لم اكن سندا يليق بحبيب كما كنت ترغبين ... ظننتك في آخر لقاء جمعنا أنك تعاتبين لكن خاب ظني لقد كنت تهددين وما اخبرت ظننت لومك لي عتابا حتى بان لي تهديدك بالغياب فغبت ...
واليوم بيننا الاف الكيلومترات وشاشة تلفاز ... وغطرسة شرقي يعترف لك الآن أنه تاب ... هلا تكرمت وغفرت...؟

كنت أنكر كل لوم منك و أقابله بالصد والتعنيف كانت جملتي "الشهيرة " انا الرجل وأنت المرأة عليك بالسمع والطاعة...
أذكر جيدا كيف كنت ترمقينني بطرف عينك ثم
تقهقهين ضحكا فتعرين بضحكتك سخافة افكاري "المحدودة" وعجزي الذي أخفيه... كنت أسلي نفسي بانتقادك ولا أنكر أنك كنت تفسدين تسليتي بتجاهلك لما اقول كنت تستخفين برجولتي لذا كان يومها الرد قاسيا و استغربت رد فعلك بالغياب ...
رجل شرقي مثلي لم يكن ليقبل انتقادا من امراة وتجاهلا لانتقاده لها فلم تنكرين علي حقي في رد الاعتبار لرجولتي غبت عنك لأشهر ليس إلا...
اعترف انني كنت مذنبا ... لكن ليس ذنبي لوحدي المجتمع بأكمله حامل لهذا الذنب معي وأولهم أمي ...

أخبرتك سابقا أنك لاتستطيعين الخروج من بوتقة التفكير الغريب التي جعلتها لنفسك حدودا يمنع الاقتراب منها.... كنت تؤمنين كثيرا بأن افكار المرء هي من تصنع هويته وتترك في الآخر بصمته التي لا تتكرر و التي تجعله مختلفا عن غيره كنت تطمحين لأن تكوني مختلفة ... لم تكوني في حاجة لكي تطمحي لذلك انت فعلا مختلفة لم أخبرك بذلك أخاف عليك من الغرور ومن شر مايفعل بصاحبه ...
نحن أبناء هذا المجتمع البائس لانقبل بان يكون أحد أفراده مختلفا فما بالك ياعزيزتي ان كان المختلف امراة...

أخبرتك كثيرا أنك مندفعة عصبية ولم اخبرك أنك ثائرة وقوية ، ثائرة على كل عقبة من شأنها أن تحول بينك وبين أحلامك ولو كانت هذه العقبة " أنا" ... كنت تشبهين العادات والتقاليد بعجوز مشعوذة سلبت عقول الأفراد بشعوذتها ...

كنت ثائرة فعلا وكنت أعلم أن الاعتراف بهذا أمامك لن يزيدك إلا غرورا فتكتمت عن الأمر وأخفيت إعجابي بشخصيتك الثائرة والتي كانت فعلا مختلفة ... داخلي معجب بك حد العمى لكن الرجال أمثالي ياعزيزتي لا يجهرون بما يخفون ولو كان حبا...

لم أكتف بتمنعي عن قول شيء يجعلك تزدادين ثقة ولا بصدك عن فعل ماتريدين ولكنني فشلت لذا حاولت إرغامك على التغيير بكل ما أوتيت من رجولة لكنك كنت عنيدة بعض الشيء بل كثيرا واعترف انني كنت اكثر عنادا عندما جعلتك تختارين بيني وبين احلامك ... فضلت حلما عليّ ... ولم تخنك احلامك وخانتك واقعيتي وخانتني..

لا أعلم إن كان إعترافي سيغير من أمري عندك في شيء أو سيغفر لي عندك شيئا من ظلمي لكنه حتما لن يغفر زلة الرجولة الشرقية التي ارتكبتها في حق أحلامك والتي لن ترضي عنها ابدا...
لا تلومي فحالي كان من حال البلاد لانتكلم الا لنستخف بالأحلام ...
غادرتنا ولا لوم عليك



# روعة عمامي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى