عزيزي عبد القادر
في اليوم التالي لمحادثتنا التلفونية تلقّيتُ الطرد وفيه الكتب والقصاصات، وأيضاً كتابك الجديد مع كتاب خالد.
في «شيء من هذا القبيل» انفتاح شرس ذو روح حيّة جديدة بالمقارنة مع «مرح الغربة…»، مقرونةً بحسّ الاختبار الذي لا يكفّ… حوّلتَ ثوبَ الماء إلى وليد. الكتاب نوع من الدوّامة الموجّهة نحو أهدافها من قبل خلاّق يحسّ كلّ القواعد المهترئة للثقافة والكذب العربيَّين، فتنفجر تحت إصبعه، مفرقعة، دون مقاومة… أهمّ شيء في الكتاب هو الطاقة التي لا تكفّ عن الإيقاع بالشعر حتى في الأمثولة اللفظية الصغيرة أو التعليق الطيراني. الشعر بدون شكّ أفضل وأنقى وفيّاض أكثر وأقرب إلى صوتك الحقيقي مما كان في الكتب الأخرى. عايشتُ مخاضاتك لفترة، وأفهم النتيجة. ترتيب الفهرس رائع وكلّي الجدّة. قصيدة بحدّ ذاته.
أحبّ «الفاتر». لعلّك تذكر حديثنا عنه. عن النثر. النثر عندما يأتي بحرّية وقوّة. سلاح يمكن أن يكون أقوى من الشعر في هذه الفترة، فهو يضرب على مستوى الحسّ والعقل، بالإضافة إلى المخيّلة… حبّذا لو كتب خالد كتاباً آخر بعنوان «مداخن الساخن» على أن يليه «قبارد البارد» لتتمّ ملحمته الثلاثية عن درجات الحرارة…
أستعيد بشوق كبير رقصاتنا الذهنية في فضاء النقاشات واغتسالنا بنواحات نصرت علي خان الإلهيّة. وتلك الزنجية الخارقة (نسيتُ اسمها) التي تغنّي «Daddy» وكأنّ (….) تحوّل إلى عندليب يحسن التغريد… حملتُ معي كلّ تلك الأصوات في السماوات على شريطك الذي كان هدية روحية كبيرة. كنت أحدّق في السحاب الطافي تحت الطائرة كظهور حيتان بلا نهاية وأنا أُصغي فجأة (بعد «دين مارتن» وكلب «بيغي لي») إلى جون جيلجود العميق المشروخ بعواطف هاملت… جميع أغانيَّ المفضّلة! لم أملك إلا أن أبتسم لنفسي بنوع من الامتنان وأنا أفكّر بأنك، في غمرة كلّ شيء، جمعتَ عن قصد ما تعرف أنه يسرُّني. جوهر الودّ يكمن في إشارات صغيرة وعفوية كهذه.
بأيّ امتهان شعرتُ وأنا أقرأ عبارات جاد الحاج الجاهزة الممتهنة إلى حدّ الإهانة، خموله الفكري وعماه الشعري المزمن. ولكنني، في الحقيقة، لم أكن أتوقّع، عندما رأيتُ اسمه، أكثر من ذلك. فهو واحد من هؤلاء الشعراء الفاشلين في «عاصمة الضباب» ممن يحلبون ضرع الصحافة الناقويّة بيدٍ بينما يكتبون باليد الأخرى. تعرفهم أفضل منّي. و«الآونة الأجيرة» تعبير رائع لك، وسوف يسودُ.
لا أتوقّع أن يكتب أحدهم شيئاً حقيقياً عن كتابي، وهذا يُحزنني. كل هذا العمل، كل تلك السنوات… هكذا أمضغ خيبتي في بعض الأحيان، من يدري، قد يُقيَّض لنا أن يخرج إلينا عبقري صغير يعرف القراءة في ذات يوم، بعد عشرين سنة مثلاً، فيفكّر قليلاً بعقله لا بلسانه… سأُصفِّق له بعظامي كلّها وأنا في قبري، مرّة فحسب. ملكوتُ الحثالة يمرّضني. مجرّد التفكير به. مجرّد وجوده ولو على مبعدة. أيّة مرارة ألا نكون قادرين على دحرجته إلى الفراغ، حيث ينتمي، برفسة جماعية قويّة في المؤخّرة. «فراديس»؟ كتبتُ عدّة قصائد مدفوعاً بهذه العاطفة أو الهياج، وسأنتظر قليلاً قبل أن أبعث بها إليك مع مقالي عن الستينيات. قريباً كما آمل…
ها هي القصائد لنهر القصيدة. معها قصيدة جان دمّو وبضع قصائد لشاب عُماني حدّثتك عنه يسكن في سان دييغو بعث بها إليَّ. لا أدري! وأيضاً، تخطيط لإبراهيم زاير ظهر في لقاء معي أجراه عمران القيسي في جريدة بغدادية نسيت اسمها، ربّما في 65، 66؟
أدهشني قليلاً أن يجد الغراب الأبيض مكانه اللائق بهذه السهولة. كنتُ أتوقّع أن يُصارع أكثر، بين الكذب والحقيقة، قبل الاستسلام!
ذلك الدجّال…
محبّتي وامتناني إلى مونا التي تحمّلت صخبنا المزعج على مدى شهور بأريحية وطيبة.
والآن، بَعبصْ ذلك الكومبيوتر واطلقْ سراح نصرت خان…
حبّي لك
سركون
في اليوم التالي لمحادثتنا التلفونية تلقّيتُ الطرد وفيه الكتب والقصاصات، وأيضاً كتابك الجديد مع كتاب خالد.
في «شيء من هذا القبيل» انفتاح شرس ذو روح حيّة جديدة بالمقارنة مع «مرح الغربة…»، مقرونةً بحسّ الاختبار الذي لا يكفّ… حوّلتَ ثوبَ الماء إلى وليد. الكتاب نوع من الدوّامة الموجّهة نحو أهدافها من قبل خلاّق يحسّ كلّ القواعد المهترئة للثقافة والكذب العربيَّين، فتنفجر تحت إصبعه، مفرقعة، دون مقاومة… أهمّ شيء في الكتاب هو الطاقة التي لا تكفّ عن الإيقاع بالشعر حتى في الأمثولة اللفظية الصغيرة أو التعليق الطيراني. الشعر بدون شكّ أفضل وأنقى وفيّاض أكثر وأقرب إلى صوتك الحقيقي مما كان في الكتب الأخرى. عايشتُ مخاضاتك لفترة، وأفهم النتيجة. ترتيب الفهرس رائع وكلّي الجدّة. قصيدة بحدّ ذاته.
أحبّ «الفاتر». لعلّك تذكر حديثنا عنه. عن النثر. النثر عندما يأتي بحرّية وقوّة. سلاح يمكن أن يكون أقوى من الشعر في هذه الفترة، فهو يضرب على مستوى الحسّ والعقل، بالإضافة إلى المخيّلة… حبّذا لو كتب خالد كتاباً آخر بعنوان «مداخن الساخن» على أن يليه «قبارد البارد» لتتمّ ملحمته الثلاثية عن درجات الحرارة…
أستعيد بشوق كبير رقصاتنا الذهنية في فضاء النقاشات واغتسالنا بنواحات نصرت علي خان الإلهيّة. وتلك الزنجية الخارقة (نسيتُ اسمها) التي تغنّي «Daddy» وكأنّ (….) تحوّل إلى عندليب يحسن التغريد… حملتُ معي كلّ تلك الأصوات في السماوات على شريطك الذي كان هدية روحية كبيرة. كنت أحدّق في السحاب الطافي تحت الطائرة كظهور حيتان بلا نهاية وأنا أُصغي فجأة (بعد «دين مارتن» وكلب «بيغي لي») إلى جون جيلجود العميق المشروخ بعواطف هاملت… جميع أغانيَّ المفضّلة! لم أملك إلا أن أبتسم لنفسي بنوع من الامتنان وأنا أفكّر بأنك، في غمرة كلّ شيء، جمعتَ عن قصد ما تعرف أنه يسرُّني. جوهر الودّ يكمن في إشارات صغيرة وعفوية كهذه.
بأيّ امتهان شعرتُ وأنا أقرأ عبارات جاد الحاج الجاهزة الممتهنة إلى حدّ الإهانة، خموله الفكري وعماه الشعري المزمن. ولكنني، في الحقيقة، لم أكن أتوقّع، عندما رأيتُ اسمه، أكثر من ذلك. فهو واحد من هؤلاء الشعراء الفاشلين في «عاصمة الضباب» ممن يحلبون ضرع الصحافة الناقويّة بيدٍ بينما يكتبون باليد الأخرى. تعرفهم أفضل منّي. و«الآونة الأجيرة» تعبير رائع لك، وسوف يسودُ.
لا أتوقّع أن يكتب أحدهم شيئاً حقيقياً عن كتابي، وهذا يُحزنني. كل هذا العمل، كل تلك السنوات… هكذا أمضغ خيبتي في بعض الأحيان، من يدري، قد يُقيَّض لنا أن يخرج إلينا عبقري صغير يعرف القراءة في ذات يوم، بعد عشرين سنة مثلاً، فيفكّر قليلاً بعقله لا بلسانه… سأُصفِّق له بعظامي كلّها وأنا في قبري، مرّة فحسب. ملكوتُ الحثالة يمرّضني. مجرّد التفكير به. مجرّد وجوده ولو على مبعدة. أيّة مرارة ألا نكون قادرين على دحرجته إلى الفراغ، حيث ينتمي، برفسة جماعية قويّة في المؤخّرة. «فراديس»؟ كتبتُ عدّة قصائد مدفوعاً بهذه العاطفة أو الهياج، وسأنتظر قليلاً قبل أن أبعث بها إليك مع مقالي عن الستينيات. قريباً كما آمل…
ها هي القصائد لنهر القصيدة. معها قصيدة جان دمّو وبضع قصائد لشاب عُماني حدّثتك عنه يسكن في سان دييغو بعث بها إليَّ. لا أدري! وأيضاً، تخطيط لإبراهيم زاير ظهر في لقاء معي أجراه عمران القيسي في جريدة بغدادية نسيت اسمها، ربّما في 65، 66؟
أدهشني قليلاً أن يجد الغراب الأبيض مكانه اللائق بهذه السهولة. كنتُ أتوقّع أن يُصارع أكثر، بين الكذب والحقيقة، قبل الاستسلام!
ذلك الدجّال…
محبّتي وامتناني إلى مونا التي تحمّلت صخبنا المزعج على مدى شهور بأريحية وطيبة.
والآن، بَعبصْ ذلك الكومبيوتر واطلقْ سراح نصرت خان…
حبّي لك
سركون