رسالة من شوقي بدري إلى عبد القدوس الخاتم بخصوص رواية "الحنق"

الابن عبد القدوس الخاتم لك السلام والتحية ارسل لي الدكتور صديق بدوي مصطفي من واشنطون موضوعك المنشور في صحيفة الرأي العام بخصوص رواية الحنق. القصد من كتابة تلك الرواية هو لفت النظر لمشكلتين لا يزالا يمسكا بتلابيب مجتمع شمال السودان. انهما الشيفونية والشذوذ الجنسي. وهنالك عوامل مساعدة في تكسير المجتمع وهي خمر السلطة التي اسكرت السادة الجدد بعد الاستقلال واتت بالتخبط والقرارات المشوهة.
لقد كتبت هذه الرواية وانا في الثامنة عشر من عمري. واجريت فيها بعد التعديلات الطفيفة بعد ان تخطيت العشرين ولقد نشرت قبل ثمانية وثلاثين سنة. ولم ابحث وقتها عن شهرة ولا ازال الي الان احاول ان ابتعد عن الاضواء. ولم يحدث ولن يحدث ان اقدم نفسي ككاتب او شاعر او مفكر.
ولقد عانيت وتعبت مع الرقابة الناصرية في القاهرة وقضيت شهرين الي ان نشرت الرواية علي نفقتي وانا طالب جامعي . وعندما اتت الرواية الي السودان اخذها الدكتور كمال ابراهيم بدري الي بعض الصحفيين الذين قالوا انها عمل كريه وسيء. فطلب منهم ان يكتبوا عنها ماقالوا فقالوا له ان الكتابة عنها ستساعد في نشرها ولكنهم سيدفنونها ولن يسمحوا بانتشارها.
بعد غداء في منزل محجوب شريف قبل اكثر من ربع قرن من الزمان, اشاد البعض بالرواية وقال البعض انها رواية رائعة وان احد الزميلات الخجولات بعد قراءة الرواية صارت تتحدث بحرية وتناقش المسكوت عنه. واقترح محجوب شريف اعادة نشر الرواية. ولكن لم تتوفر نسخة وقتها.
ذهبت ابحث عن الرواية في سودان بوكشوب. فقال لي المالك السوداني الجديد هذه الرواية بيعت لاخر نسخة. وعندما قدمت نفسي ككاتب الرواية انتفض المالك وقال انهم حسموا حساباتهم مع المالك القديم (الخواجة). فأفهمته بانني لست وراء المال. فارتاح وقال لي :
الحقيقة في ناس جو واشتروا كل النسخ. ففكرت انهم لابد ان يكونوا من امن نميري الذين حاولوا التخلص من الرواية خاصة بعد اتفاقية اديس ابابا.
الابن العزيز عبدالقدوس الخاتم, الغرض من الرواية كان تسليط الضؤ عن المسكوت عنه في المجتمع السوداني. فلقد عشت في الجنوب وترعرعت في العباسية واحسست بألم وعنجهية اهلي الجلابة في الجنوب الذين كانوا يتصرفون كمستعمرين استيطانيين في الجنوب. وان الجنوبيين لا يحق لهم حتي بأن يشتكوا.
وعشت حالة كريهة في مدرسة ملكال الاميرية عندما تبين ان ناظر المدرسة من اهل امدرمان كان يمارس الشذوذ الجنسي مع بعض الطلبة. وكان اشقاؤنا من الجنوب في حالة حيرة واستغراب. كما لمست الم وبؤس واحباط الصبية والشباب الذين كانوا يتعرضون في امدرمان للتحرش الجنسي المقرون بالضرب والتهديد.
الرواية اعيد نشرها في التسعينات وقدم لها الاستاذ محجوب عثمان. والناشر هو الشركة العالمية للنشر في القاهرة لصاحبها الشيخ عووضة. كما تبرعت بها لمركز عبدالكريم ميرغني. ولقد رفضت الرقابة السودانية نشرها واتصلت لشهور عديدة بالاخ التجاني حاج موسي ولم ييستطيع ان يعطيني سببا مقنعا لسبب المنع. بل حكي لي عن مشكلته في سويسرا. عندما وصفه بعض المعارضين بأنه عبد فقلت له ان الرواية تعالج هذه المشكلة. واذا كان هنالك بعض الجمل التي لا تعجب الرقابة فيمكن حذفها ونشر الرواية.
ولكن يا ابني عبد القدوس الرواية اسمها الحنق وهي تثير حنق الناس. ولقد ذكر البعض انها اول رواية سياسية في السودان. وبسببها منعوا نشر كتاب حكاوي امدرمان والمجموعة القصصية ,المشبك,.
كما ذكرت انت لقد تأثرت بمنزل ابراهيم بدري ومكتبته العامرة. ولقد بدأت التهام الكتب وانا في التاسعة من عمري. وانا في الثانية عشر قرأت دكتور جيفاجو. واناكارنينا والاخوة كرامازوف والحرب والسلام والبؤساء لفكتور هوقو والدون الهادي. واحببت في البداية ارنست همنقوي. وقرأت له كل كتبه وكانت صورته تحتل غرفتنا. الي ان كبرت واحسست بالفردية في كتبه والصلف الانجلوساكسوني كما يبدو في كتبه خاصة في كتاب افريقيا الذي حوله المخرج هيوستون الي فلم كلاسيكي ببطولة همفري بوقارد. وكتابه الاخر( تو هاف اند هاف نوت). الذي يبرذ قوة وشجاعة الكابتن الابيض في مغامراته وسط زنوج الكاريبي. واستبدلته ببطل حققيقي وكاتب عظيم هو اشتاينبك الذي كتب العنب المر الذي تتطرق لمأساة الانهيار الاقتصادي في بداية القرن السابق في اميريكا. وهذا الكتاب صار فلما رائعا ببطولة فوندا والد الممثلة العالمية جين فوندا زوجة تيرنر الملياردير صاحب سي ان ان. والان تعاني اميريكا من ركود اقتصادي ولقد شاهدت الاسبوع الماضي مئات العطالة يقفون في الشوارع في شتاء واشنطون ينتظرون اي صاحب سيارة ليأخذهم لاي عمل.
اشتاينبك كاتب ذو رسالة. لم اتأثر بنجيب محفوظ ولا يهمني مثل الطيب صالح هذه كتابات بدون رسالة. ولكن احببت القصة القصيرة للطيب صالح, نخلة علي الجدول, وقرأتها وانا في الثالثة عشر.
ورواية انهم بشر قراتها وانا صغير ولا اتزكرها وهي اول رواية سودانيية اقرأها. من الذين
تأثرت بهم الكاتب البريطاني سومرت موم. وكما كان يقول لي اخي كمال بدري انني قد تأثرت بالاسلوب الغربي في الروايية.
في دراسة الادب الافريقي في براغ تعرفنا بالادب الافريقي مثل رواية ,اوجوكنانا, وهي رواية ايروتيكية تثير الشعور الجنسي عند القارئ. ودرسنا, سنقور, ودرسنا الرجل الاسود والميدالية. وأشياء اخري اعجبتني جدا بسبب احساسي بافريقيتي .
مرة اخري اشكرك لاهتمامك برواية الحنق. فكل الذي كنت اريده هو ان الفت النظر لمشاكلنا حتي لا يحدث ما حدث في الجنوب ويحدث الان في دارفور.
التحية
شوقي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى