بعد بضعة أسابيع من خروجه من مستشفى الأمراض العقلية في "رودز"، كتب أرتو النصوص الخمسة التي شكلت ديوانه المُسمى "أرتو لمومو". بعد صعوبات شتى (منها رفض النص من قبل كلود غاليمار في رسالة مؤرخة في 29 أكتوبر 1946) وبفضل تدخل بيير لويب، تمكن أرتو من العثور على ناشر، هو بيير بورداس الذي قبل بنشر الديوان بطبعة إنيقة وبعدد محدود، شريطة أن ترافقه رسوم لبكاسو. الرسائل الثلاثة المنشورة هنا تبين لنا الخطوات التي قام بها أرتو إزاء الرسام. لقد ظلت تلك الخطوات دون استجابة : إذ لم يتم استقبال أرتو في بيت بيكاسو، الواقع في شارع "كروند أوغستين" وقرر في النهاية وضع رسومات العمل بنفسه. ترافق ديوان "أرتو لمومو" ثمان رسوم أصلية رسمها أرتو نفسه، وظهرت عند الناشر بورداس في نهايةعام 1947.
لكن علينا أن نذكر بأنه من بين العديد من الأعمال التي تمّ عرضها في غاليري بيير(لوحات، تخطيطات، مخطوطات، منحوتات) والتي بيعت في المزاد العلني في 13يونيو 1946 وذلك لتجميع مبلغ ضروري لسد احتياجات أرتو بعد خروجه من مستشفى الأمراض العقلية في "رودز"، كانت هناك لوحة وافق بيكاسو على أعطائها.
أن هذه الرسائل الثلاثة، التي أعيد إنتاجها بأذن من السيد "سيرج مالوسينا"، كانتمحفوظة في أرشيف متحف بيكاسو في باريس.
[/align]
[frame="10 98"] [align=justify]
العزيز بابلو بيكاسو
كتبت بعد عودتي إلى باريس خمسة قصائد عانيت من أجلها : جريدة "لاري" التي
وافقت على نشر اثنين منها قد تعطلت. أما الثلاثة الباقيات قد رفضتها جرائد ومجلات
مختلفة.
بالمقابل، لقد عثرت على ناشر : هو السيد بيير بورداس الذي وافق على نشرها، أي
نشر القصائد الخمسة على شكل كتيب وقد التمس مني أن أسألك إذا ما كنت راغباً
بتزينها بخمسة أو ست رسوم بماء الفضة أو الطباعة الحجرية (اللوتغراف). سيكون
ذلك عملاً كثيراً، لكني أرسلها إليك. إذ قد ترغب بعد قراءتها، أنت يا بابلو بيكاسو،
أن تقول شيئاً عنها.
لتصدق مشاعري القلبية حيالك
أنطون أرتو.
[/align][/frame]
[frame="10 98"] [align=justify]
العزيز بابلو بيكاسو
صديقي العزيز
أوصلت إلى بيتك خمسة قصائد مكتوبة على الآلة الكاتبة.
لقد قال لك بيير لويب بأن بيير بورداس كان يرغب بالقيام في نشرها : 300 نسخة مُترفة على ورق جيد، وألف نسخة على ورق عادي، كنتُ أنا من طلب هذه النسخ الأخيرة حتى يتمكن الطلاب، الشعراء الفقراء، والشباب المفلسين من قراءتها هم أيضاً، وليس فقط الأغنياء مستغلي السوق السوداء، أمريكيو الشمال والجنوب أو الكهنة
اللاميّين الذين لم يعرفوا الحروب منذ ألف عام والذي أنتصر عندهم الذكر على الأنثى الخ... الخ..
هذا لكي أقول بأن هذه القصائد تشكل عندي نداء على ما نسميه لليوم بالوعي، لعدم وجود مفردة أفضل، إذ أين هو الوعي منذ الزمن الذي تسلط فيه الشر- فباستثناء بضعة قطع من الجسد، أي شيء في الوعي الإنساني لم يرتكب فعلاَ قذرا.
ما قمت به أنا هنا ليس شغلاً فنياً، حكراً على الهواة وحدهم، كذلك فكرت بأن بابلو بيكاسو قد يرغب بإعطاء ضربة أزميل أو أسلوب لكل ما ينفر منه مثلي.
سوف أأتي لرؤيتك السبت ظهراً اللهم إلا إذا كنت أنت لا تحبذ ذلك.
تحياتي
انطونين أرتو
23 شارع الميري
أفري سور سين
[/align][/frame]
[frame="10 98"] [align=justify]
إلى بابلو بيكاسو
أنا لست مبتدءاً يبحث عن رسومات لرسام كبير حتى يشرع بخطواته الأولى.
فأنا كنت سلفاً قد تغوطت وتصبب عرقي من فوق كتابات لا ترتقي إلى مصاف الهول الذي خرجت منه، لكنها كانت مكتفية بنفسها، وهي ليست بحاجة لرعاية أو رفقة أي أحد أو أي شيء كان حتى تواصل طريقها.
من بين جميع الأعمال التي قمت بكتابتها منذ خروجي من معزل "رودز"، نقيت خمس قصائد جذبت ناشراً كان يرغب بأن تصاحب تلك الأشعار ست رسومات بماء الفضة منك.
ذلك لأنه لو كان الأمر متروكاً لي أنا، لما كنت قد فكرت به.
أنا قادر على رسوم صورتي الشخصية (بورتريه) وكذلك تزيين نصوصي بالأشكال التي تكف أن تكون رسوماً لكي تصبح أجساداً حية.
فلأني لم أتوقف في "رودز" عن فبركت الأجساد الحية، لم تكف أدارة شرطة المصحات العقلية الفرنسية عن تعذيبي.
أنا عندي من العمر خمسين عاماً.
أسكن في أفري. قضيت خمسة أعوام من الحبس، مع سوء التغذية والمجاعة، يضاف إليها ثلاثة أعوام من السرية، مع السجن، الإنهاك، البقاء في الزنزانة بقميص المجانين، وخمسة أشهر من التسميم المنتظم بحامض السنادير وسيانور البوتاسيوم، ثم لحقها عامين من الصدمات الكهربائية في "رودز"، صاحبتها خمسين إغماءة، وفي ظهري ندوب طعنتي سكين، والآثار المرعبة لضربة بقضيب حديدي في دبلن، في شهر سبتمبر 1937،
شطرت لي عمودي الفقري إلى نصفين، ذلك لكي أقول بأنه ضمن هذه الظروف يصعب عليَّ سحب جسدي، وليس من المودة جعلي أقوم بجره خمسة مرات من أفري حتى شارع "الكروند أوغستين"، من أجل لا شيء.
إذ يمكن لأشعاري أن لا تنال رضاك وأن تحكم بأني لست جديراً حتى تبذل من اجلي جهداً، لكن كان ينبغي قول ذلك لي على الأقل وأن تترك لي شرف الرد، مهما كان ذلك الرد.
أن الساعة خطيرة يا بابلو بيكاسو.
فالكتب، الكتابات، اللوحات، الفن هي لا شيء؛ وما يحكم به على إنسان هو حياته وليس عمله، إذ ما هو هذا العمل إن لم يكن صرخة حياته.
أن عملي هو عمل رجل معذباً لكنه طاهر، فأنا أعيش وحدي.
أظن بأن ما منعك من الرد علي، أكثر من أي شيء آخر، هو الشيطان الذي ما زال، في العمر الذي بلغته، يقبض عليك ويجعلك خاضعاً لا أدري لأي انشغال أو وسواس،
أية عبودية للجنس.
فشعور الكراهية الذي يتحكم في كل شيء يتمتع بوسائل متعددة يمسك بها على الأفراد الذين ظنوا للحظة بأنهم راغبين بالقيام بقفزة تخرجهم من الحيوانية: ومن بين تلك الوسائل، نعمة الحب الشهواني الذي يوعد أكثر مما يوفي(1).
لقد ولد الرب من عودة الأنا من فوق ترقوة الجنس المجوفة ومن هنا أسمى نفسه روحاً وليس جسداً.
وهذا ليس من شأن بضعة رجال كانوا يعتقدون بأنهم ولدوا أعداء للخبث.
وصنعوا بانضمامهم لخدع {اللامسماة؟ (2)} الجنس لعبة فاشية الرب الأبدية.
أنطونين أرتو
......
(1) هذه الرسالة مكتوبة على الآلة الكاتبة. وقد أضاف أرتو بالقلم الأسطر اللاحقة.
(2) : كلمة غير مقروءة تقريباً.
* تمت ترجمة رسائل أرتو عن عدد مجلة "أوروبا" رقم 873/874 يناير/شباط 2002
والمكرس لانطونين ارتو، بعد أن كرست له عدداً آخر في عام 1984.
ترجمة: حسين عجة
لكن علينا أن نذكر بأنه من بين العديد من الأعمال التي تمّ عرضها في غاليري بيير(لوحات، تخطيطات، مخطوطات، منحوتات) والتي بيعت في المزاد العلني في 13يونيو 1946 وذلك لتجميع مبلغ ضروري لسد احتياجات أرتو بعد خروجه من مستشفى الأمراض العقلية في "رودز"، كانت هناك لوحة وافق بيكاسو على أعطائها.
أن هذه الرسائل الثلاثة، التي أعيد إنتاجها بأذن من السيد "سيرج مالوسينا"، كانتمحفوظة في أرشيف متحف بيكاسو في باريس.
[/align]
[frame="10 98"] [align=justify]
العزيز بابلو بيكاسو
كتبت بعد عودتي إلى باريس خمسة قصائد عانيت من أجلها : جريدة "لاري" التي
وافقت على نشر اثنين منها قد تعطلت. أما الثلاثة الباقيات قد رفضتها جرائد ومجلات
مختلفة.
بالمقابل، لقد عثرت على ناشر : هو السيد بيير بورداس الذي وافق على نشرها، أي
نشر القصائد الخمسة على شكل كتيب وقد التمس مني أن أسألك إذا ما كنت راغباً
بتزينها بخمسة أو ست رسوم بماء الفضة أو الطباعة الحجرية (اللوتغراف). سيكون
ذلك عملاً كثيراً، لكني أرسلها إليك. إذ قد ترغب بعد قراءتها، أنت يا بابلو بيكاسو،
أن تقول شيئاً عنها.
لتصدق مشاعري القلبية حيالك
أنطون أرتو.
[/align][/frame]
[frame="10 98"] [align=justify]
العزيز بابلو بيكاسو
صديقي العزيز
أوصلت إلى بيتك خمسة قصائد مكتوبة على الآلة الكاتبة.
لقد قال لك بيير لويب بأن بيير بورداس كان يرغب بالقيام في نشرها : 300 نسخة مُترفة على ورق جيد، وألف نسخة على ورق عادي، كنتُ أنا من طلب هذه النسخ الأخيرة حتى يتمكن الطلاب، الشعراء الفقراء، والشباب المفلسين من قراءتها هم أيضاً، وليس فقط الأغنياء مستغلي السوق السوداء، أمريكيو الشمال والجنوب أو الكهنة
اللاميّين الذين لم يعرفوا الحروب منذ ألف عام والذي أنتصر عندهم الذكر على الأنثى الخ... الخ..
هذا لكي أقول بأن هذه القصائد تشكل عندي نداء على ما نسميه لليوم بالوعي، لعدم وجود مفردة أفضل، إذ أين هو الوعي منذ الزمن الذي تسلط فيه الشر- فباستثناء بضعة قطع من الجسد، أي شيء في الوعي الإنساني لم يرتكب فعلاَ قذرا.
ما قمت به أنا هنا ليس شغلاً فنياً، حكراً على الهواة وحدهم، كذلك فكرت بأن بابلو بيكاسو قد يرغب بإعطاء ضربة أزميل أو أسلوب لكل ما ينفر منه مثلي.
سوف أأتي لرؤيتك السبت ظهراً اللهم إلا إذا كنت أنت لا تحبذ ذلك.
تحياتي
انطونين أرتو
23 شارع الميري
أفري سور سين
[/align][/frame]
[frame="10 98"] [align=justify]
إلى بابلو بيكاسو
أنا لست مبتدءاً يبحث عن رسومات لرسام كبير حتى يشرع بخطواته الأولى.
فأنا كنت سلفاً قد تغوطت وتصبب عرقي من فوق كتابات لا ترتقي إلى مصاف الهول الذي خرجت منه، لكنها كانت مكتفية بنفسها، وهي ليست بحاجة لرعاية أو رفقة أي أحد أو أي شيء كان حتى تواصل طريقها.
من بين جميع الأعمال التي قمت بكتابتها منذ خروجي من معزل "رودز"، نقيت خمس قصائد جذبت ناشراً كان يرغب بأن تصاحب تلك الأشعار ست رسومات بماء الفضة منك.
ذلك لأنه لو كان الأمر متروكاً لي أنا، لما كنت قد فكرت به.
أنا قادر على رسوم صورتي الشخصية (بورتريه) وكذلك تزيين نصوصي بالأشكال التي تكف أن تكون رسوماً لكي تصبح أجساداً حية.
فلأني لم أتوقف في "رودز" عن فبركت الأجساد الحية، لم تكف أدارة شرطة المصحات العقلية الفرنسية عن تعذيبي.
أنا عندي من العمر خمسين عاماً.
أسكن في أفري. قضيت خمسة أعوام من الحبس، مع سوء التغذية والمجاعة، يضاف إليها ثلاثة أعوام من السرية، مع السجن، الإنهاك، البقاء في الزنزانة بقميص المجانين، وخمسة أشهر من التسميم المنتظم بحامض السنادير وسيانور البوتاسيوم، ثم لحقها عامين من الصدمات الكهربائية في "رودز"، صاحبتها خمسين إغماءة، وفي ظهري ندوب طعنتي سكين، والآثار المرعبة لضربة بقضيب حديدي في دبلن، في شهر سبتمبر 1937،
شطرت لي عمودي الفقري إلى نصفين، ذلك لكي أقول بأنه ضمن هذه الظروف يصعب عليَّ سحب جسدي، وليس من المودة جعلي أقوم بجره خمسة مرات من أفري حتى شارع "الكروند أوغستين"، من أجل لا شيء.
إذ يمكن لأشعاري أن لا تنال رضاك وأن تحكم بأني لست جديراً حتى تبذل من اجلي جهداً، لكن كان ينبغي قول ذلك لي على الأقل وأن تترك لي شرف الرد، مهما كان ذلك الرد.
أن الساعة خطيرة يا بابلو بيكاسو.
فالكتب، الكتابات، اللوحات، الفن هي لا شيء؛ وما يحكم به على إنسان هو حياته وليس عمله، إذ ما هو هذا العمل إن لم يكن صرخة حياته.
أن عملي هو عمل رجل معذباً لكنه طاهر، فأنا أعيش وحدي.
أظن بأن ما منعك من الرد علي، أكثر من أي شيء آخر، هو الشيطان الذي ما زال، في العمر الذي بلغته، يقبض عليك ويجعلك خاضعاً لا أدري لأي انشغال أو وسواس،
أية عبودية للجنس.
فشعور الكراهية الذي يتحكم في كل شيء يتمتع بوسائل متعددة يمسك بها على الأفراد الذين ظنوا للحظة بأنهم راغبين بالقيام بقفزة تخرجهم من الحيوانية: ومن بين تلك الوسائل، نعمة الحب الشهواني الذي يوعد أكثر مما يوفي(1).
لقد ولد الرب من عودة الأنا من فوق ترقوة الجنس المجوفة ومن هنا أسمى نفسه روحاً وليس جسداً.
وهذا ليس من شأن بضعة رجال كانوا يعتقدون بأنهم ولدوا أعداء للخبث.
وصنعوا بانضمامهم لخدع {اللامسماة؟ (2)} الجنس لعبة فاشية الرب الأبدية.
أنطونين أرتو
......
(1) هذه الرسالة مكتوبة على الآلة الكاتبة. وقد أضاف أرتو بالقلم الأسطر اللاحقة.
(2) : كلمة غير مقروءة تقريباً.
* تمت ترجمة رسائل أرتو عن عدد مجلة "أوروبا" رقم 873/874 يناير/شباط 2002
والمكرس لانطونين ارتو، بعد أن كرست له عدداً آخر في عام 1984.
ترجمة: حسين عجة