محمد علي عزب - الانفعال الشعرى .. واللغة والأثر

تتميز اللغة الشعرية بأنها لغة رامزة موحية تتخلّى عن الوظيفة الاٍشارية المباشرة للكائنات والأشياء وظواهر الوجود, وتعتمد فى تركيبها على التكثيف والترميز والاٍيحاء والاٍيماء, والانزياح عن معيار بناء اللغة العادية, ومن باب استفادة الأنواع الأدبية من بعضها استعارت لغة السرد القصصى والروائى الحداثى بعضا من الأساليب والسمات الجمالية الخاصة بلغة الشعر, وكان المراد من ذلك هو خدمة المتخييل السردى وتنوع طرائق صياغته وتقديمه للقارئ, فالمتخيّل القصصى والروائى بالأساس يعتمد فى بنائه على الصورة السردية القائمة على تدفق الجمل السردية وحكائية وحدثية السرد, وعند استعارة خصائص اللغة الشعرية فى بناء المتخييل القصصى والروائى فاٍنه يتشكل فى هيئة مشاهد قصصية وروائية ذات طابع مجازى تصويرى قائمة على الاٍيحاء والرمز, وبذلك فاٍن خصائص اللغة الشعرية عندما تنتقل للسرد فاٍنها تؤدى آداءا سرديا لتجسِّد مشهدا قصصيا حكائيا, ولا تُحدث ما يسمى بالأثر الشعرى : وهو انطباع تنتجه حواس القارئ عندما تحتك بالنص الشعرى, ذلك الأثر الذى يميز لغة الشعر عن اللغة التوصيلية أو اللغة العلمية التى تهدف اٍلى اٍيصال معلومات ومقولات فكرية محددة, أو غيرها من أنواع اللغة الأدبية كلغة القص ولغة المسرح التى تجسد التنامى الدرامى عبر حوار الشخصيات, ولغة النثر التى تقدم تصورات ذهنية ووجهات نظر, حتى واٍن استعارت لغة القص أو النثر بعضا من الأساليب الجمالية الخاصة بلغة الشعر يظل الأثر الشعرى ملازم ومميز للغة الشعر عن ما سواها .
وعندما يقوم الشاعر باختيار مفرداته التى يبنى بها نصه الشعرى من بين مفردات اللغة, فاٍن هذا الاختيار لا يأتى بشكل اعتباطى بل يتحدد طبقا لوعى وحساسية الشاعر باللغة والتاريخ الاٍيحائى لمفرداتها, ومدى قدرتها على التعبير عن تجربته وانفعالاته الشعرية, تلك الحساسية التى يتوقف عليها تفضيل الشاعر لمفرادت معينة دون مفردة أخرى تشترك معها فى نفس المعنى, مثل كلمة ناس التى تشترك مع كلمات بشر وأشخاص وذوات فى المعنى .
ومفردات لغة الشعر تكون دائما ملتصقة بشعور ووعى ووجدان الشاعر التصاقا تاما لا انفصال فيه, وقد يجد القارئ نصّا يتوافر فيه الخصائص البنائية والأسلوبية للغة الشعر من انزياح ومجاز وترميز, اٍلاّ أنه لا يشعر أنه أمام نص شعرى يشتبك بالوجدان والشعور والقلب والعقل, بل يشعر أنه أمام "نص ذِهنى" يقدم تصوّرات ذهنية عقلية بحته, وذلك لأن المفردات اللغوية فى هذه الحالة تكون منفصلة عن شعور ووجدان الشاعر, وبالتالى لا تكون مشحونة بأى انفعال شعرى تنقله للقارئ, والانفعال مصطلح مأخوذ من علم النفس وهو يعبر عن حالة نفسية وشعورية ( ويطلق على كل المظاهر الوجدانية بوجه عام كاللذة والألم )1, وبذلك فاٍن الشاعر فى تجربته الشعرية التى يتجاوز فيها الواقع, ولا ينفصل عنه انفصالا تاما لا يُجسّد بلغته الشعرية تصورات ذهنية للعالم والأشياء أو مقولات محددة, بل يجسد انفعالاته الذاتية بالعالم وظواهره وأشيائه وموضوعاته .




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة ـ عرض وتقديم وترجمة د . سعيد علوش ـ دار الكتاب اللبنانى ـ بيروت 1985م ص 167

مقتطف من الفصل الأول من كتابى "مقاربة مفهومية فى مصطلحات شعرية معاصرة" ـ قيد الكتابة



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى