مازال هذا الفجر يسكبني برفق مؤلم علي سرير رجل مصلوب، ويحاول الربيع المنهزم أن يتلو بعضا من دفئه علي آثار الصلب من حولي، هل فقدته وفقدت الوطن، بخلت عليه بالقبلة الوحيدة التي طلبها مني، علي أمل ألا تكون هي القبلة الوحيدة والأخيرة، عندما قال لي لأول مرة منذ تقابلنا من سنين: هل لي بقبلة قبل أن أذهب للساحة؟
لقد تغير كل ما حولنا وفقدت الأشياء معانيها القديمة في قواميسنا، أخذنا نعيد تركيب الزمن و نصحح مسيرته، كنا نكتم كل شيء، ونخاف أن نعبِّر عما تجيش به أرواحنا، ولكننا الآن استطعنا أن نتلو الآيات بصوت الحرية، لا بصوت المستعبد الخائف، والآن يقولها لي دون خوف أو تردد وكأنها حق يريدها أن تكلل مسيرتنا، لقد قضينا سنين ونحن ننتظر أن يسمح لنا القدر أن نتزوج، ويجمعنا بيت واحد، وقف أمامنا الأهل معترضين، كيف وأنا من بيت "سادة" في صنعاء يرفضون أن يزوجوا بناتهم لمن هم أقل طبقة، وخصوصا إن كان من منطقة أخري!
وفي هذه اللحظة التي كان فيها يرتدي معطف الأطباء المساعدين في نقل الجرحي الذين سقطوا بالرصاص أثناء مسيرتهم وهم يهتفون (الشعب يريد أن يسقط النظام) أجبته بعد ذهول مما قال : ماذا تقول؟ هل أنت مجنون؟
- لم أكن عاقلا مثل هذه اللحظة، لقد عرفت وطني، تجاهلته كثيرا، ولكن في هذا المكان تعلمت معناه، كيف انتظر أن يجود لي بما أتمناه إن لم أبادر أنا بالإفصاح عن حبي.
- هل تعي ما تقول؟
- لقد وعيته جيدا (أنت الوطن ).
لم أره بعد جملته هذه، حاولت أن ألحق به وسط أولئك الجرحي والمسعفين ولكنه اختفي! بعد أن خلًف الثورة في قلبي وذهب، أبعد هذه السنين؟ وطول انتظار؟ يذهب لمعشوقة أخري! لماذا؟
بقيت أتلو الصلوات في محراب الجرحي من حولي، راجية أن يعود، سأهتف بكل صوتي أنت لي أيها الوطن.
وعند توافد الجرحي افتش فيهم وكأن كل واحد منهم (هو) ويزداد خوفي، إلي أن استقر أمامي، ليس جريحا بل جسدا خاليا، تغطي وجهه الدماء، وابتسامة تعلو وجهه، وعينان نصف مفتوحة وكأنها كانت تنظر إلي أحد لا تريد فراقه، انهارت قدماي أمامه، لم يستطع لساني أن ينطق إلا بجملة واحدة (كيف حدث هذا؟) أخبرني زميله الذي كان معه في الساحة بعد أن انضما للمسيرة.
- أتعلمين أني لم أعهده بهذه العزيمة من قبل سوي هذا اليوم، كان يقودنا وكأنه يسابق الزمن كمن يريد أن يلحق بموكب حبيبته في لقاء أول، كان يهتف بقوة ويصدح بأشعار غزل ما سمعتها من قبل علي لسانه.
أتعلمين أدركت أنه يحب بجنون، يحب هذه الأرض وهذه البلاد، لعمري إنه كان متيماً، كان يقول:
افتحي لي النافذة يا جدتي
فأبي أغلق عليَّ باب الدار
قال: لا تلعب فالوقت مليء بالأخطار
خفت وبقيت أنظر من النافذة
ذاك اللص يسرق الأبقار
فرغت من الحليب.. والجبن أواني الدار
قررت أن أكسر باب الدار
هيا نكسر باب الدار
وكنا نهتف جميعا، نكسر باب الدار... نكسر باب الدار... نكسر باب الدار.إلي أن واجه تلك المسيرة وابل من الرصاص من كل اتجاه فلم نعد ندري هل الرصاص من ورائنا أم كان من خلفنا، حاولنا الهرب، وهو كأنه يحاول كسر الباب، استقرت تلك الرصاصة في قلبه المحب، وفاضت دماؤه والتقي وجهه علي صفحة الأرض ضاما شفتيه يقبِّلها وهو يقول: لقد أبيت تقبيلي ولكني أضمك بجراحي و أقبِّلك رغما عنك. ملأت دموعي وجهي المتعب و لم أتمالك نفسي بعد الحديث، فدنوت من نعشه، أحضن رأسه، فكيف وقد حضنته الأرض قبلي وهل لي الآن. أن أقبِّل شفاها قبلتني أرضا ووطنا!
لقد تغير كل ما حولنا وفقدت الأشياء معانيها القديمة في قواميسنا، أخذنا نعيد تركيب الزمن و نصحح مسيرته، كنا نكتم كل شيء، ونخاف أن نعبِّر عما تجيش به أرواحنا، ولكننا الآن استطعنا أن نتلو الآيات بصوت الحرية، لا بصوت المستعبد الخائف، والآن يقولها لي دون خوف أو تردد وكأنها حق يريدها أن تكلل مسيرتنا، لقد قضينا سنين ونحن ننتظر أن يسمح لنا القدر أن نتزوج، ويجمعنا بيت واحد، وقف أمامنا الأهل معترضين، كيف وأنا من بيت "سادة" في صنعاء يرفضون أن يزوجوا بناتهم لمن هم أقل طبقة، وخصوصا إن كان من منطقة أخري!
وفي هذه اللحظة التي كان فيها يرتدي معطف الأطباء المساعدين في نقل الجرحي الذين سقطوا بالرصاص أثناء مسيرتهم وهم يهتفون (الشعب يريد أن يسقط النظام) أجبته بعد ذهول مما قال : ماذا تقول؟ هل أنت مجنون؟
- لم أكن عاقلا مثل هذه اللحظة، لقد عرفت وطني، تجاهلته كثيرا، ولكن في هذا المكان تعلمت معناه، كيف انتظر أن يجود لي بما أتمناه إن لم أبادر أنا بالإفصاح عن حبي.
- هل تعي ما تقول؟
- لقد وعيته جيدا (أنت الوطن ).
لم أره بعد جملته هذه، حاولت أن ألحق به وسط أولئك الجرحي والمسعفين ولكنه اختفي! بعد أن خلًف الثورة في قلبي وذهب، أبعد هذه السنين؟ وطول انتظار؟ يذهب لمعشوقة أخري! لماذا؟
بقيت أتلو الصلوات في محراب الجرحي من حولي، راجية أن يعود، سأهتف بكل صوتي أنت لي أيها الوطن.
وعند توافد الجرحي افتش فيهم وكأن كل واحد منهم (هو) ويزداد خوفي، إلي أن استقر أمامي، ليس جريحا بل جسدا خاليا، تغطي وجهه الدماء، وابتسامة تعلو وجهه، وعينان نصف مفتوحة وكأنها كانت تنظر إلي أحد لا تريد فراقه، انهارت قدماي أمامه، لم يستطع لساني أن ينطق إلا بجملة واحدة (كيف حدث هذا؟) أخبرني زميله الذي كان معه في الساحة بعد أن انضما للمسيرة.
- أتعلمين أني لم أعهده بهذه العزيمة من قبل سوي هذا اليوم، كان يقودنا وكأنه يسابق الزمن كمن يريد أن يلحق بموكب حبيبته في لقاء أول، كان يهتف بقوة ويصدح بأشعار غزل ما سمعتها من قبل علي لسانه.
أتعلمين أدركت أنه يحب بجنون، يحب هذه الأرض وهذه البلاد، لعمري إنه كان متيماً، كان يقول:
افتحي لي النافذة يا جدتي
فأبي أغلق عليَّ باب الدار
قال: لا تلعب فالوقت مليء بالأخطار
خفت وبقيت أنظر من النافذة
ذاك اللص يسرق الأبقار
فرغت من الحليب.. والجبن أواني الدار
قررت أن أكسر باب الدار
هيا نكسر باب الدار
وكنا نهتف جميعا، نكسر باب الدار... نكسر باب الدار... نكسر باب الدار.إلي أن واجه تلك المسيرة وابل من الرصاص من كل اتجاه فلم نعد ندري هل الرصاص من ورائنا أم كان من خلفنا، حاولنا الهرب، وهو كأنه يحاول كسر الباب، استقرت تلك الرصاصة في قلبه المحب، وفاضت دماؤه والتقي وجهه علي صفحة الأرض ضاما شفتيه يقبِّلها وهو يقول: لقد أبيت تقبيلي ولكني أضمك بجراحي و أقبِّلك رغما عنك. ملأت دموعي وجهي المتعب و لم أتمالك نفسي بعد الحديث، فدنوت من نعشه، أحضن رأسه، فكيف وقد حضنته الأرض قبلي وهل لي الآن. أن أقبِّل شفاها قبلتني أرضا ووطنا!