علي خليفة - شخصية المخرج في مسرح توفيق الحكيم

كان توفيق الحكيم طوال حياته قليل الاهتمام بالعروض التي تقدم لمسرحياته إلا ما يقدم منها في الغرب - لأن هذا التقديم لها في الغرب يعد اعترافا بأنه كاتب مسرح عالمي، وليس كاتبا محليا فقط - وكان لهذا قليل التعامل والتحاور مع المخرجين الذين يخرجون له بعض مسرحياته.
وقد انعكس هذا الاهتمام الضعيف من توفيق الحكيم بمخرجي مسرحياته على شخصية المخرج في المسرحيات التي كتبها، وظهرت فيها هذه الشخصية، ومن ذلك أننا لا نرى - في الغالب - في تلك المسرحيات التي كتبها توفيق الحكيم وفيها شخصية المخرج والمؤلف صراعا محتدما بينهما، كما نرى أمثلة لهذا الصراع في بعض مسرحيات بيرانديللو التي فيها تمثيل داخل تمثيل، وكما نرى هذا في مسرحية موضوع للمناقشة لنجيب محفوظ - ولكننا نرى العلاقة بين المخرج والمؤلف هادئة لا صراع فيها، ففي مسرحية الخروج من الجنة نرى المؤلف يطلق يد المخرج في نصه المسرحي، ويسمح له بأن يفعل ما يشاء دون الرجوع إليه، وفي مسرحية العش الهادئ نرى علاقة صداقة قوية بين مخرج ومؤلف، ويسعى المخرج في هذه المسرحية من أجل أن يوفر للمؤلف الجو الهادئ الذي يمكنه من كتابة الفيلم الذي سيقوم بإخراجه، كما نراه بعد ذلك يتابع المؤلف خلال تأليفه مسرحية سيخرجها؛ لينتهي من كتابتها، وإن كان افتقاد المؤلف للعش الهادئ حتى بعد زواجه قد عطله عن إكمال هذه المسرحية في الوقت المطلوب ليقوم المخرج بإخراجها، وتدريب الممثلين عليها.
ولا تبدو علاقة المخرج متوترة مع المؤلف في مسرحيات توفيق الحكيم إلا في مسرحية احتفال (أبو سنبل) التي كتبها توفيق الحكيم لتعرض في الاحتفال الذي أقيم لنقل معبد (أبو سنبل) لمكانه الجديد، بعيدا عن فيضان النيل، ولم تعرض هذه المسرحية في تلك المناسبة، وفقدت من توفيق الحكيم، ووجدها بعد ذلك، ونشرها بالصورة التي وجدها عليها.
ولا نرى في هذه المسرحية شخصية مؤلف، ولكننا نرى مخرجا حداثيًّا يكاد لا يعجبه شيء؛ ولذلك نراه يستنكر المسرحية التي سيقدمها ممثلون عن نص لمؤلف، وأشرف عليهم ذلك المخرج في التجهيز لعرض هذه المسرحية، ويبدي ذلك المخرج خلال البروفة الأخيرة لعرض الممثلين لهذه المسرحية عدم رضائه عنها وعن تمثيلهم لها، ويطلب إليهم ألا يمثلوا تلك المسرحية في الاحتفال بنقل معبد (أبو سنبل) لمكانه الجديد، بل يكتفون بالظهور بملابسهم الفرعونية هذه التي يلبسونها لهذه المسرحية، ويأخذون بعض الصور بها مع بعض المدعوين لهذا الاحتفال.
وأيضا كان من آثار ضعف تعامل توفيق الحكيم مع المخرجين بصفة عامة ومع مخرجي مسرحياته بصفة خاصة أننا نرى شخصية المخرج لها حضور ضعيف في مسرحه، فهو لم يظهر إلا في أربع مسرحيات من مسرحياته، وكان دوره ثانويا في مسرحيتين منها، هما مسرحية العش الهادئ - وكان المخرج فيها صديقا البطل المؤلف فكري، وكان دوره في أن يستحثه على مواصلة الكتابة للأعمال التي سيقوم هو بإخراجها، سواء أكان ذلك للمسرح أم للسينما، وكان يحاول أن يوفر له الجو الهادئ من أجل أن يكتب تلك الأعمال وينتهي منها.
وأيضا نرى شخصية المخرج لها دور ثانوي في مسرحية الخروج من الجنة، فهو يظهر في أحد المواقف في الفصل الثالث والأخير من هذه المسرحية فقط، ولا يلتقي بالمؤلف؛ لأن المؤلف سمح له بأن يطلق يده في مسرحيته كما يشاء، ولكنه يلتقي بالممثلة التي تقوم بالدور الأول في هذه المسرحية، ويحذرها من محاولتها الاقتراب من ذلك المؤلف الذي آثر العزلة والعزوف عن الناس بعد تجربة حب فاشلة له في الماضي فجرت عنده ينبوع الإيداع، ولكنها صرفته عن الاختلاط بالناس بما في ذلك المخرجون والممثلون الذين يمثلون مسرحياته، ولا تستمع هذه الممثلة لنصح ذلك المخرج لها، فتلتقي بذلك المؤلف، ويعاملها بخشونة؛ وتنصرف من عنده باكية.
ونرى للمخرج دورا مؤثرا في مسرحية احتفال (أبو سنبل)، وهو مخرج حداثي متمرد ينقلب على النص المسرحي الذي بدأ في عمل بروفات له؛ لأنه لم يعجبه، كما ينقلب على أداء الممثلين الذين يمثلون ذلك النص، ويطلب إليهم عدم تمثيل ذلك النص، والاكتفاء بأخذ صور لهم وهم بملابس التمثيل الفرعونية مع بعض المدعوين في الاحتفال.
وأيضا نرى لشخصية المخرج حضورا مهما في مسرحية المخرج، ففيها نرى مخرجا يقوم بإخراج فيلم سينمائي مستوحى من مسرحية عطيل لشكسبير، وتأتي له فتاة تسأل عن خالها الممثل علوي - الذي أصابه الجنون في الواقع بتقمصه لشخصية عطيل في ذلك الفيلم، وقتل خلال ذلك الشخص الذي قام بدور عطيل في الفيلم الشخص الذي قام في هذا الفيلم بدور ياجو؛ لأنه كان السبب في الفيلم في تشكيكه في خيانة زوجته ديدمونة التي اكتشف في الفيلم براءتها بعد قتلها، فقتل ذلك الشخص الذي قام بهذا الدور في الواقع، وقبض على ذلك الشخص، وهرب من الطبيب الشرعي - ويعجب المخرج بشخصية هذه الفتاة وثقافتها، ويطلب إليها أن تعمل ممثلة في السينما، فترفض؛ لأنها مشغولة برسالة ماجستير تثبت فيها بالعقل والمنطق وجود الله عز وجل، وتتنافش مع هذا المخرج، وتقول له: أنت كمخرج تسير كل العاملين معك في الفيلم كما تشاء، وتتحكم في كل جزئية فيه، ومع ذلك لا تظهر في الفيلم، ولله المثل الأعلى فهو لا يراه الناس بعيونهم، ولكن مظاهر عظمته وحكمته وقدرته تظهر في كل شيء في هذا الكون العظيم الذي خلقه
ويزداد ذلك المخرج إعجابا بهذه الفتاة، ويعرض عليها أن يتزوجها، ولكنها ترفض؛ لأنها لا تعرفه معرفة جيدة ولانشغالها برسالة الماجستير التي كلمته عنها.
وتخرج هذه الفتاة من الاستديو، ويظهر المخرج وقد زاد تقديره لنفسه بحديثه مع هذه الفتاة.
وهكذا رأينا أن شخصية المخرج لها حضور ضعيف في مسرحيات توفيق الحكيم بشكل عام، ومع ذلك فقد كان حضوره مؤثرا في مسرحيتين له.





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى