عوض عثمان عوض جبريل - من مفكرة مدينة بيروت الساحرة ..

تفاحة للبحر، نرجسة الرخام،
فراشة حجرية بيروت.
شكل الروح في المرآة ،
وصف المرأة الأولى
ورائحة الغمام.
بيروت من تعب ومن ذهب،
واندلس وشام.
فضة، زبد، وصايا الأرض
في ريش الحمام
محمود درويش - قصيدة بيروت


مدخل :
فضفضة وبوح من القلب لعبق تلك الأمكنة الساحرة و الخالدة في ناصية الروح ...
-١-
عابر طريق في صوفر.. عندما تسلق الخيال زورق الألحان..
في رحلة بالتاكسي من الشام لبيروت توقفنا عند بلدة صوفر التي تقع بجبل لبنان.. هناك حيث رسمت الطبيعة أبهى وأجمل الصور... تستقبلك البلدة بمناظر ساحرة من جمالها الأخاذ... قبل أن نطلب من سائق التاكسي أن يتوقف أراحنا من هذا الطلب فقد وقف من تلقاء نفسه فهو يعرف طلب الزبائن من عيونهم... بعد توقف لمدة عشرة دقائق عبرنا بعدها تلك البلدة لكنها ظلت مرسومة وخالدة في الذاكرة... يا لجمالك الساحر يا صوفر.... في تلك الأوقات رافقتني في الأخيلة أغنية زورق الألحان للموسيقار محمد الأمين لسبب ما لا أعلمه، حلقت هناك بعيداً في فضاء من الدهشة والسكون....
عابر طريق فايت نام في العيون ارتاح
عيون حبيبي ديار تستقبل السوّاح
-٢-
جونيه وما أدراك ما جونيه...
في البدء كانت أمسيتي الأولى في بلدة جونيه الساحلية المشهورة بشاطئها الخلاب وطبيعتها الساحرة ومناظرها الجذابة.... كان من المفترض أن أصل بيروت مباشرة في ذلك اليوم لكن كان معي ركاب إثنين كانوا في طريقهم إلى بلدة جونيه.. حديثهم العذب عنها حفزني و قمت بتغيير خط السير دفعة واحدة، إضافة لذلك تذكرت أحد الأصدقاء كان قد كتب عنها كثيراً أثناء إقامته فيها لفترة طويلة فقررت أزورها وأنام فيها ليلة وبعدها أذهب لبيروت في اليوم التالي وهذا ما حدث بالفعل نزلت بفندق إدوارد المواجه لمطعم مانويلا الشهير في جونيه المتاخم للبحر... فكانت ليلة تعادل الف ليلة وليلة من جمال وروعة المكان ورائحة البحر التي تملأ الصدر بهواء نقي ...
إتجهت عند الصباح صوب مدينة بيروت الساحرة حيث للجمال هناك الف والف وجه .... وما أجمل الأحباء هناك الذين أكرمونا بروعة لقياهم و غمرونا بأريحية إستقبالهم وحسن ضيافتهم رغم مشاغل حياتهم اليومية الضاغطة ... الصديقة الغالية ريما نوفل و الأستاذة الفاضلة د. غريد الشيخ و الصديق العزيز مصطفى طقوش ...يعجز القلم عن التعبير لشكرهم وتقديرهم عن تلك الأيام الرائعة برفقتهم التي ستظل محفورة في الذاكرة لأمد بعيد ....
بيروت مدينة فريدة وإستثنائية بمعنى الكلمة يتجول فيها الزائر يشعر كأنه يعرف طرقاتها أو زارها من قبل في خياله أو في صهوة حلم , وأنت تتمشى تكاد تسمع صوت فيروز في كل خطواتك.. و ترى إشراقات كتابات جبران وأمين معلوف وسهيل إدريس وحسين مروة ومهدي عامل وانسي الحاج وحنان الشيخ.. الخ والقائمة تطول وتطول.. كانت المدينة قد خرجت لتوها من فترة الإنتخابات النيابية الساخنة التي عدت بسلام و هدؤ وأثر الدعاية الإنتخابية والصور مازالت مرسومة على جسد المدينة وأثر الحبر الإنتخابي ما زال حاضراً في أصابع الناخبين ...
-٣-
فنجان قهوة الصباح برفقة الأديب والشاعر ياسين رفاعية والناشرة والمؤلفة د. غريد الشيخ في مقهى السيتي كافيه ..
يابيروت
ست الدنيا
يابيروت
بهذه المفردات الباذخة التي نسجها الشاعر الراحل نزار قباني في عشق مدينة بيروت , تستقبل مقهى السيتي كافيه الشهير في منطقة رأس بيروت روادها الدائمين من الكتاب والأدباء والفنانين وزوارها العابرين , لوحة كبيرة معلقة عند مدخل المقهى كتب في وسطها كلمات نزار قباني وعلى جانبيها صور لأدباء و كتاب وفنانين جبران خليل جبران , فيروز ) على سبيل المثال ...
جدران المقهى تزدان بصور لعدد من الكتاب والفنانين إضافة إلى أن عدد من الفنانين التشكيليين يعرضون لوحاتهم في المقهى ..
عند زيارتنا للأستاذة غريدة الشيخ في يومي الأول لبيروت والحديث الشيق معها كنت قد خرجت منها محمل بهدايا عبارة عن كتب قيمة من تأليفها عن ( محمد الفيتوري , عبدالعزيز خوجة , نزار قباني , وكتب للأطفال , وديوان الفيتوري الأخير الذي قامت بنشره ) ...
عند الصباح كانت السماء زرقاء صافية , وصوت فيروز الساحر يطل من على شرفة مجاورة ويرسم لذلك الصباح أجمل وأبهى الصور , في تلك اللحظات كنت على وشك الإنتهاء من رواية حنا مينا الأخيرة ( النار بين أصابع إمرأة ) عند الساعة العاشرة كان لنا موعد مع الأديب القدير ياسين رفاعية .. كنت أول مرة أعرفه عبر إطلاعي لكتاب النزعات المادية للمفكر الراحل حسين مروة كان قد أشار فيه إلى لقاء مطول أجراه رفاعية مع محمود درويش في أواخر السبعينات وبعدها إطلعت على أعماله القصصية و الروائية ودواوين لأشعاره إضافة لمقالاته في عدد من الصحف و المجلات .. ومن الصدف كان إبنه بسام رفاعية زميلي بالعمل... ذهبت مبكرا قبل الموعد بنصف ساعة لأكتشف ذلك المكان الذي سمعت به في مقالات متفرقة ومن بعض أصدقاء المنافي ... بعد ذلك وصلت الأستاذة غريد الشيخ ووصل بعدها الأديب ياسين رفاعية عند العاشرة تماما .. إنتقلنا لطاولة بداخل المقهى ثم تناولنا القهوة في حضرته وما أجمل الحديث معه.. تكلمنا عن الأدب السوداني بصفة عامة , وتحدث عن ذكرياته مع الفيتوري ببيروت ومع الطيب صالح بلندن ..
وحدثني عن المقهى وعن مؤسسه وأشار لي عن المقالات المعلقة في الجدران التي كتبت حول المقهى و عن الصور التي تضم عدد كبير من المشاهير الذين قاموا بزيارته ... قبل أن أغادر المقهى أهداني رواية ( إمراة غامضة ) وحكى لي فكرة الرواية التي تتحدث عن فتاة إستشهادية وهى صورة مستوحاة من واقع الحرب اللبنانية , كانت قصة قصيرة لكن أحداثها كما ذكر كلنا تصلح خامة لرواية كاملة ... وهي عمل رائع أنجزت الإطلاع عليها عند عودتي لمدينة دمشق , غادرت وفي ذاكرتي تلك الأيام الخالدة في الذاكرة ...
ذهبت بعد ذلك اللقاء الرائع صوب شاطئ البحر أمام صخرة الروشة .. عند طريق العودة للشام و في مدينة شتورة لمحت يافطة كتب عليها ( حب مين ما بدك، مش أكتر من لبنان )..
مخرج :
ستظل بيروت هى بيروت منارة للثقافة والفكر والأدب .. بيروت مدينة فوق الوصف و الكلمات ...

عوض عثمان عوض جبريل





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى