محمد أحمد مخلوف - النّوازل في نازلة دار الاكابر لأميرة غنيم

نازلة دار الأكابر هي رواية لأميرة غنيم فازت بجائزة كومار و مرشحة للبوكر العربي ، صادرة عن دار مسكيلياني و دار مسعى ، طبعتها الأولى في مارس 2020 ، وهي رواية من الحجم الكبير و عدد صفحاتها 460 صفحة في طبعة أنيقة ، صورة الغلاف للرسام الجزائري رشيد طالبي ، وهي صورة لصباط بالمدينة العتيقة تدخله إمرأتان تلبسان السفساري .
الرواية من تقديم الدكتور شكري المبخوت .

« و قريباً ... قريباً جداً تفتّح الأقفال » ( ص 457) تقول هند حفيدة للاّ زبيدة و ابنة مصطفى النيفر ، هي أقفال أسرار النازلة التي تقدّمها لنا أميرة غنيم على لسان هند وفق نظام يعتمد " قراءة بالخلف " للأحداث ، حيث يكون الفصل الأخير هو «حديث البدايات » ، إنها بدايات حفظ ذاكرة دار النيفر أين وقعت النازلة الكبرى في إطار من السرد الكرنفالي المعتمد على أصوات مختلفة تتغير بتغير الوقائع و الأحداث مع كل عنوان فصلٍ بين الراوي و المرويّ له في علاقة تدور على شخصية مركزية هي " للاّ زبيدة " بنت الرصّاع و زوجة " سي محسن النيفر " ، لتتنوّع و تتقاطع أصوات الرّواة و المروي لهم على امتداد الرواية و أحداثها و التي تبدأ بهند و تنتهي بها ، بل هي عين القارئ و دليله في سبر أغوار الرواية منذ تلقّيها « حديث الخالة لويزة ( المنزه السادس خريف 2013 )» ، ليكون حديثها وضعا لإطار زماني و مكاني يخبرنا عن نشأة " للاّ زبيدة" و تكوّن شخصيتها منذ طفولتها إلى حين وفاتها مرورا بزواجها بسيدي محسن النيفر و بجملة من الأحداث الفارقة في حياتها و أيضا في حياة " الخالة لويزة" مكمن أسرارها و رفيقتها الدائمة .
و لعل أهم ما نلاحظه أنّ " نازلة دار الأكابر " لم تعد مجرد حكاية تتحدث عن حياة للاّ زبيدة لوحدها ، بل هي تواصل بين أجيال، و هو ما يظهر مع هند ولكن في صورة أخرى حين كانت تسعى لشراء دار الجدود و محاولة استغلال حق الشفعة في رحلة البحث عن الحقيقة بين ثنايا الرسائل و الخزائن و الدهاليز . لتخلص إلى القول :« أفلا تكون الخالة لويزة عندئذ قد حاكت لي بنول مخيّلتها نسيجا من الأكاذيب محكم الغزل ؟ نسيجا بديعا على مقاس ما يتّسع له خرَفُ العجائز متى نخرهنّ مع المرض الملل ؟ »( حديث البدايات ص 432 ). إلا أن هذا السؤال ستجيب عنه بقية الفصول مع تتابع الأحداث و تعدّد الأصوات داخلها لتصبح النازلة نوازل تتفرّع عن النازلة الكبرى في الليلة المشهودة بدار النيفر ، أي نازلة للاّ زبيدة في علاقتها برسالة الطاهر الحداد مع صبيّ الفرّان ، إلى نازلة سيدي امحمد و وجع اغتصابه صغيرا في الكتّاب من طرف " عيّاد " ، ثم مثليّته و علاقته " بالعربي " نادل المقهى الذي ظبطته معه لويزة بالكشك ، و آثار ذلك على نفسيّته و حياته الزوجية :« غير أنّ أثر ما فعله [ عياد ] بي لن يزول برحيله [ ... ] و لم تحرّك شعرة منّي أنثى قطّ رغم أني بذلت جهدا في تعديل ميولي نحو الطبيعة من غير جدوى » .( من حديث سي امحمد النيفر ص 151).
إنها نوازل تنثال على " دار الأكابر" لتبرز صراعا نفسيا لا يفتر ، بل إنه مرجلٌ يغلي بجميع الشخصيات ، من السادة إلى الخدم إلى عامّة الناس ممّن يخالطهم و يقترب أو يحاول الإقتراب منهم ، وهو ما حصل للطاهر الحداد ، إلا أن نازلته أكبر و أعظم ، فمع إصداره كتابه " امرأتنا في الشريعة و المجتمع" بدأت النوازل تهبط على رأسه من علماء الأمة و المجتمع ، فانفضّ من حوله الجميع الا صديقه " احمد الدرعي " الذي كان شاهداً على رحلته مع للاّ زبيدة منذ بدايتها إلى « أنا هويت و انتهيت »، مروراً بنازلته الكبرى حين فاتح سي علي الرصاع في أمر خطبة للاّ زبيدة ، فكان ردّه عنيفا مهينا : « الله الله ! لم يبق لنا من الأحباب إلاّ كوز الباب ... و لتضع نفسك مع النّخالة ينل منك الدجاج ». ليضيف :« اذا كنت حسبت أن ذاك الكتاب النحيل الذي كتبته و وشّيته بأسماء أعيان الحاضرة من شيوخ الزيتونة الذين قبلوا فضلاً منهم أن يجيبوا عن أسئلتك السّخيفة قد رفعك إلى مقامهم و هيّأك إلى أن تكون لهم ندّا ، فما ذاك إلا ّ من حمقك و فساد رأيك ... [ ....] اذهب حتى تستيقظ من أوهامك و تعرف قدرك و تلزمه في مستقبل أيّامك » . ( من حديث سي علي الرصاع ، نهج العزافين صيف 1949 / ص 128 - 129 ).
و في علاقة بنازلة الطاهر الحداد نجد نازلة سي محسن النيفر الذي يُعَدُّ " شريكا " مع الحداد في للاّ زبيدة و إن كان هو الفائز بها زوجةً ، و لكنه ظلّ مسكونا بالشكّ منذ تلك الليلة المشؤومة بدار النيفر و ما تبعها من أحداث ، أهمّها العراك الذي جدّ بين زبيدة و امحمّد الذي دفعها بعد أن أنشبت فيه أظافرها و أثخنته جراحا ، فكانت النتيجة كما قال سي المحسن مناجيا بهية :« خرجنا أنا وهي ( زبيدة) مشلولين من الحادثة . هي مشلولة القدمين . و أنا مشلول الرجولة و العزم . تعوّدت منذ ذلك الوقت ، أن أستصحب َ رفيقا جديدا سيلازمني عامّة أيّامي [ .... ] رفيق يسمّونه السّأم ».( من حديث سي محسن النيفر، مقبرة الجلاز شتاء 1978 ، ص 423 ).
فبعد ما حدث في تلك الليلة المشؤومة تتحقق نازلة سي المحسن حين سمع ما قالته للاّ زبيدة لحفيدتها هند :« بلى أنت حفيدتي يا هند ... حفيدة زبيدة و حفيدة الطاهر الحداد » . ( ص 427 ) . إنها نازلة وقعت بنفسه فأورثتها " السّأم" ، و لن تتركه في حاله ، بل ستجهز عليه دون رحمة عند زواجه ببهيّة اليهودية التي اختارها خرساء حتى لا ينطق لسانها بجرمه الذي ارتكبه في حقّها حين أجهض حملها في " طبق اللبلابي " ( ص 407 ) رغم حبّه لها و بقيت لعنتها تلاحقه فلم يجد من ملاذ غيرها حتى و هي في القبر ، فظلّ يطلب منها المغفرة : « ٱعذريني يا بهيّة » (ص 426) ، و يخبرها بما يجول بخاطره من هواجس ، فكانت ملجأه الغائب - الحاضر.
و لئن كانت نازلة سي المحسن في زوجتيه زبيدة و بهية ، فإنّ نازلة للاّ فوزية طليقة سي امحمد النيفر في زوجها حين تزوّجته بعد تأجيل الزواج عدة مرات و ما تبعها من أحداث تراكمت عليها فلم تجد بدّا من البوح بها لسلطان المدينة " سيدي محرز " :« سأحدّثك بكلّ شيء يا سيدي محرز [...] يمكنني ان أخرج من مكمني في الظلام و ألقي عليك بحملي الثقيل ». ( من حديث للاّ فوزية طليقة سي امحمد النيفر زاوية سيدي محرز ، شتاء 1951 ، ص 246 ) . ففي حديثها عن هذا الحمل الثقيل تفريجٌ لهمّها و تفريجٌ لباب من أبواب نازلة دار الاكابر لدى القراء من خلال حديثها عمّا شاهدته و سمعته في دار النيفر و خاصة عن زوجها امحمّد النيفر الذي عبث بها ، فكان قول لويزة لها :« أريد أن أقول لك قولا حفظته عن للاّتي الأولى بشيرة رحمها الله و طيّب ثراها . كانت تقول :" إلّي فيه طبّة ما تتخبّى "». ( ص 254 ). لتكتشف نازلتها الكبرى في زوجها الذي يعاشرها معاشرة تأباها الطبيعة البشرية السويّة ، وهو ما صرّحت به في مرحلة أولى لسيدي محرز : « جئتك لتجد لي حلاّ مع زوجي المأ*** . بلى مأ*** و الله يا سيدي محرز . كلمة جديدة تعلّمتها يوم فسّرت لي زبيدة منزلة زوجي المفدّى من منازل الرجال الأسوياء ». ( ص 260) ، ليزداد همّها حين « غضب سي امحمّد كثيراً حين ذكرت أمامه الكلمة . نلت منه الطريحة الشنيعة التي بدأت معها في التخطيط الجدّي للهرب إليك ». ( ص 260) ، لتكون نتيجة هذا الكلام عملية اغتصاب ثان أشنع ممّا كانت تعيشه معه ، :« ألحقني ليلتها بصفوف النساء كما يقال . استفرغ فحولته للمرّة الأولى كما يجب و حيث يجب و لكن بعنف إغتصابيّ لا يوصف .». ( ص 265) .مع ما عاشته معه طيلة فترة زواجهما من تحرّش أثّر على نفسيتها خاصّة مع طلبه منها أن تحمل بولد رغم حسمه أمر الطلاق منها .
إنّ هذه النوازل و لئن مسّت أفراد عائلة النيفر خاصّة و هم من هم من الأكابر ، فإنّها مسّت أيضا عائلة الرصّاع و خاصة " سي علي الرصاع " في علاقته بالطاهر الحداد الذي أدخله منزله و استأمنه على بناته ، إلاّ أنّه " غدره " و مدّ بصره إلى للاّ زبيدة و طلب يدها متناسيا ما بينهما من هوّة إجتماعية .
إنّ نازلة سي علي الرصاع هي في توبيخ الضمير نظراً لما حصل لابنته زبيدة في دار النيفر ، حتى أنه لم يسامح نفسه إلاّ حين دخلت عليه و هو في غيبوبته فأحيته ، « ما أعادني الله إلى الحياة الليلة ، يا بكّار ، إلاّ ليميتني ، متى حان أجلي ، راضياً عن أختك زبيدة ، نقيّ الصّدر من جانبها ».( من حديث سي علي الرصاع { نهج العزافين، صيف 1949} ص 97) ، ليبقى الشّعور بتأنيب الضّمير يلاحقه لسنوات حيث يقر بذلك فيقول :« بقيت سنوات متّصلةً من بعد ذلك أطرح على نفسي السّؤال نفسه يا بكّار . هل كنت مخطئا حين أدخلت شابًّا إلى داري لتدريس بناتي ؟ و هل أنا وحدي من يحمل وزر ما حدث تلك الليلة النكراء في دار النيفر ؟ و ماذا لو رددت على الطاهر يومها بغير ما رددت به عليه ؟ أما كنت سأجنّب زبيدة الوجع الذي حملته و ستحمله بقية عمرها ؟ ».( من حديث سي علي الرصاع { نهج العزافين صيف 1949} ص 127).
هذه النوازل لم تخطئ الخدم أيضاً و كأنّها لعنة تصيب كلّ من يقترب من " دار الأكابر "، فإذا ضحاياها يهوون بين جدرانها الواحد تلو الآخر ، بداية بلويزة و نوازلها منذ قتل خالها والدها و انتقالها للعمل فتاة غضّة في دار الرصّاع ، ثم انتقالها مع زبيدة إلى دار النيفر و زواجها من الفطائري العنّين و ما لحقها منه من أذى جسدي ونفسي . ثمّ خدّوج و فقدانها لأمّها لمّا أصابها ورم في ثديها ثم انتشر كما انتشر في جسمها هي أيضاً ، يتبعه جنون أختها " ياقوته " و عملها في بيوت الدعارة ثم موتها دون أن تعلم خدوج بذلك أو تودّعها . و لا ننسى نازلتها الكبرى مع " الرّزڨي " العامل بمستشفى المجانين و حملها منه سفاحا لولا تدخّل سي المحسن لينقذها من موت محقّق و فضيحة مدوّية .
إنّ هذه النوازل على تنوّعها و تنوّع شخصيّاتها ترتبط في معظمها بمكان " جامع "تتفرّع عنه بقيّة الأماكن أو الفضاءات التي تدور فيها أحداث " الحكاية" التي ترويها لنا أميرة غنيم بل تنطلق منها . و قد لا نتعسّف إن جعلنا " دار النيفر " في المركز الأوّل ، تليها " دار الرصاع" من حيث الأهمية في أحداث الرواية ، فالثانية شهدت نشأة قصة الحب بين الطاهر الحداد و للاّ زبيدة ، و الأولى شهدت النازلة الكبرى بينهما ( و إن بالغياب ) في تلك الليلة المشؤومة دون أن نغفل السياق الذي وفرته أميرة غنيم لنجاح حيلتها السردية ، « فالسياق يكون في مرتبة " وسيط خطابي " لطرفين هما السارد المفترض انه مفوّض عن منتج النص ، و المتلقي الضمني الحاضرة صورته في النص ، بطرق و على أنحاء متعددة ».* (* د م الناصر العجيمي ، سياق التلفظ و قيمته في تحليل الخطاب / مجلة فصول العدد 62 ) ، وهو ما يظهر مع تعدد الرواة و المروي لهم حسب ترتيب الفصول ،لنجد أصواتا متداخلة تتدافع لإعطاء حقيقة ما من وجهة نظرها و تدافع عنها في خضمّ الأحداث المتشعّبة ممّا يعطينا هندسة روائية على النحو التالي :
1- من حديث الخالة لويزة | المروي له هند حفيدة للا زبيدة.
2- من حديث للاّ جنينة | المروي له مصطفى النيفر حفيدها.
3- من حديث سي علي الرصاع | المروي له بكار ابنه .
4- من حديث سي امحمد النيفر | المروي له محمد الحبيب ابن أخيه محسن.
5- من حديث الخادمة خدّوج | المروي له للا زبيدة .
6- من حديث للاّ بشيرة | المروي له سي محسن النيفر صهرها الذي أمّنها على سرّ زواجه من بهيّة .
7- من حديث للاّ فوزية طليقة سي امحمد النيفر | المروي له سيدي محرز سلطان المدينة.
8- من حديث سي عثمان النيفر | المروي له للاّ جنينة زوجته .
9- من حديث سي مهدي الرصاع | المروي له أخته للاّ زبيدة.
10- من حديث سي محسن النيفر | المروي له زوجته بهية ،اليهودية التي تزوجها سرا ( الغائبة الحاضرة ).
11- حديث البدايات ، هو حديث هند للقارئ.
نخلص ممّا سبق إلى أنّ هذه الحوارية و تعدّد الأصوات في سياقات مختلفة ماهي إلاّ حيل سرديّة لم تُغفِل عنها أميرة غنيم الوصف الدقيق لشخصياتها على اختلافهم واختلاف انتمائهم انطلاقا من المكان الذي أسمته « دار الاكابر » ، هذا المكان أو الدار التي ستشهد نازلة تعرّي من خلالها المسكوت عنه في المجتمع عموما و خلف الجدران خصوصاً ، من ذلك المثلية الجنسية عند سي امحمّد النيفر و أيضا معاناة بعض النساء من شذوذ أزواجهن ،وهو ما وصفته للاّ فوزية في مناجاتها لسيدي محرز . لتواصل أميرة غنيم الحديث عن المسكوت عنه و لعلّ أهمّ شيء تناولته بالتصريح حينا و بالتّلميح آخر هو التفاوت الطبقي و الميز العنصري اللذين ينخران المجتمع التونسي، من ذلك جعل الخدم من " الوصفان"( السود ) و إنزالهم مرتبة دنيا ، بل و جعلهم مجرّد وعاء جنسي شافٍ للمصابين بأمراض تناسلية في المواخير ، أو نظرة الإحتقار لهم ، وهو ما عبّرت عنه للاّ بشيرة في حديثها عن خدّوج : « ألف جان و لا شوشان » ( ص 230 ).
ليستمرّ الحديث عن المسكوت عنه من انجاب خارج اطار الزواج ( حمل خدّوج سفاحا من الرزڨي ) و كذلك عن ظاهرة اللجوء للعرافين و الإستقواء بالأولياء و الصالحين ، دون إغفال ظاهرة العلاقات الغرامية خارج إطار الزواج و التي عنوانها الخيانة مثلما حصل بين " الخالة ددّو " زوجة " بوك الفلاوي " ، و البيطري الإيطالي " ألبرتو " ، و في هذا يقول سي علي الرصاع :« عرفت منذ تلك السنّ المبكّرة أنّ ربط التّعفّف بالمظهر الخارجي و الإحتشام في الهندام " منامة عتارس " [ ... ] و فهمت أنّ حبس النساء و التّضييق عليهنّ لا يمنعهنّ ، إذا شئن من إتيان ما لا تأتيه الحرّة الطّليقة .» . ( ص 297/296 ) . و تبقى أهمّ نازلة اجتماعية هي التفاوت الطبقي التي صوّرتها لنا حادثة الطاهر الحداد رغم علمه و معرفته مع سي علي الرصاع حين خطبه في زبيدة ، حيث قال سي علي مستنكرا جراءة الحداد :« أليس من نكد الدنيا على الحرّ أن يجد " ابن الدجّاج " هذا سبيلا للدراسة في جامع الزيتونة الأعظم مع أبناء الأكابر و الأعيان ؟ ». ( من حديث سي علي الرصاع ص 300 )، لتبقى الفكرة الطاغية هي فكرة « البلديّة » و « الرّعاع » في سياق تاريخي متحوّل بتحوّل شخصياته .
إنّ استحضار التاريخ في رواية " نازلة دار الاكابر " ما هو إلا حيلة و فخاخا سرديّة نصبتها لنا أميرة غنيم لتوقعنا في حبائل المتعة التاريخية و إضفاء بعد صدقيّ على الأحداث في جوّ من الاظطرابات النفسية و الإجتماعية التي جسّدتها عائلتا الرصاع و النيفر كمثال عن " البلديّة " في المجتمع التونسي خلال بداية و منتصف القرن العشرين و ما ميّزه من صراعات طبقية و مسكوت عنه بين الجدران أو بين أفراد المجتمع على اختلاف توجهاتهم الايديولوجية و السّياسيّة .
لتبقى قصة حبّ الطاهر الحداد و للاّ زبيدة مجرّد واجهة للأحداث و التحولات الاجتماعية ما بين نازلة و أخرى بتعدّد الرّواة و المرويّ لهم في علاقتهم جميعا بللاّ زبيدة التي شغلت الجميع و رغم ذلك هي الوحيدة التي لم يفرد لها فصل في الرواية للحديث و الدفاع عن نفسها ، بل نجدها صامتة ترفض الافصاح عمّا يختلج صدرها رغم الحاح شقيقها المهدي عليها :« و لماذا تنكرين أنّك خبّأت الرسالة يا زبيدة ؟ و لِمَ تمسكينها عنّا و فيها دليل براءتك إن صدقت ؟ [ .... ] هاتي الحقيقة كلّها . أريحيه ... و أريحيني .» ( من حديث سي المهدي الرصاع ، ص 349 ). ليظلّ السؤال المطروح بالنسبة لنا - و إن تعسّفنا - أليست للاّ زبيدة هي « تونس » في مسارها التاريخي المتأرجح بين التّوهّج و السّقوط و النّهوض و أخيرا الشّلل ؟ و لكنّ الأمل مازال قائما في حفيدة الطاهر الحداد و حفيدة للاّ زبيدة " هند " التي تمثّل تونس الجديدة :« أنظر إلى القفص المتأرجح بيدي فأجده إذا غسلته الأمطار قد عاد جديدا . كأنّه لم تمرّ عليه أحقاب [ ... ] مايزال الأمل قائما يا هند . ».
و هكذا أخذتنا أميرة غنيم في رحلة متخيّلة في تاريخ تونس حتى ليتخيّل للقارئ أنه يتابع شريطا سينمائيّا مشوّقا ، و هذه دعوة للمخرجين إلى تحويل هذه الرواية التي تتوفر فيها جميع مقوّمات العمل الفنّي - الدرامي إلى شريط سينمائي
أو مسلسل تلفزيوني بالنظر إلى ثراء أحداثها و تنوّع شخصيّاتها .
م أ مخلوف ( تونس ).

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى