‎عبد الحكم بلحيا‎ - رُوحانِ في جسَد.

إلى إخوتنا الفلسطيّين)


عَلَمانِ في وَطَنٍ.. يُوَزّع حِصّةَ الثّوَراتِ لِلأحرارِ..
وطَنٍ.. يُقَدّمُ وَجْبةً لِلسائِرينَ على حَفِيفِ النارِ..
عاصِفةً.. من الغضَبِ المُعَتّقِ، والهَوَى المِدْرارِ...
وَطَن يُشِيرُ، إذَا يَثُورُ.. يَسَيرُ.. يَدْفَعُ صَخْرةَ التغْييرِ.. مُنْجَرِدًا، ومُنفَرِدًا.. يُصَرّفُ فائِضَ التحريرِ.. مُعتَقَدًا، ومُلْتَحَدًا..
ولا يَسْتَرفِدُ الأعباءَ مِن سَنَدٍ،
ولا يَسْتنظِرُ التَّوْقيتَ من بَلَدٍ،
ولا يَشْكُو إلى أحَدٍ،
ولا يَحتاجُ لِلمَدَدِ
...
عَلَمانِ.. والْتَحَمَا..
حَرْفانِ.. وانْدَغَمَا..
فما اختَلَفا..دَمًا، وفَمَا..
وسارَا في المَدَى قُدُمَا..
وطارَا قابَ تارِيخَيْنِ، فاقْتَسَمَا..
سَبِيلَ الشَّمسِ والزيتُونِ، وانْتَظَمَا..
جَمالًا، وانْتِشاءً.. في مَدارِ الحَقّ، واقْتَحَمَا..
تُخُومَ الثَّوْرةِ العَصماءِ، فاضْطرَمَا..
بِنارِ العِزِّ.. أرضًا حُرّةً، و سَمَا...
عَلَمَانِ في كَفٍّ مُضَرّجَةٍ.. بِلَوْنِ العِزّةِ القانِي.. تُصَدِّعُ عُنوَةً بَوّابةَ الأسرارِ، تَحْمِلُ -وهي تعبُر كالغَمامةِ- كُبّةَ الأنوارِ.. كفٌّ حَيّةٌ تَدْمَى.. إذا تَسْعَى.. تُحَرّضُ أُختَها الأُخرَى.. لتَنْهَضَ مِن رَدِيءِ الحالِ.. تَسحَبُها، لِتَلحَقَ بالمَصِير الطالِعِ، المَحفُورِ فَوْقَ جِبَاهِ مَنْ نَحَتُوا طَرِيقَ العِزّ في الأهْوالِ...
عَلَمَانِ.. فِي كَبَدٍ..
مَعًا.. عَلَمانِ..
يا قَلْبًا بِلا كبِدٍ،
لَكَ اللّٰهُ.. لَكَ اللّٰهُ..
أيا رُوحَيْنِ في جَسَدٍ..
ويا طِفلَيْنِ ما فُطِما بِحضْنِ يَدٍ..
أيا جَسَدًا بِرُوحٍ.. ناقِصٍ رُكْنَا..
ويا وَجْدًا بِحِضْنٍ.. فاقِدٍ حِضْنَا..
وأُغنِيَةً هُنا لمْ تَكْتَمِلْ لَحْنَا..
وقامُوسًا فَرِيدًا،
يا بَعِيدًا..
يا وَحِيدَ الصَّوتِ والمَعنَى
ألَا .. يا واحِدًا.. وحُرُوبُهُ مَثْنَى...
لَقلَّ علَيْكَ أن تُسْمَى لنا بَلَدًا..
وأنتَ كِنَانةٌ من خالِصِ الأوْطانِ..
أنتَ كِنايَةٌ عَن غَيْرنا مِنّا..
أيا صَوتًا مِن الأبَدِ..
ويا رُوحَيْنِ في جَسَدِ..
ويا جِيدَيْنِ في حَبْلٍ مِنَ المَسَدِ..
عَلَمانِ.. وَسْطَ الشارعِ المَمْهُور بالصَّيْحاتِ، بِالصّرَخاتِ.. تَهْتِفُ: "يا وُجُوهَ البَخْسِ، يا ماكِينةَ النكَبَاتِ؛ "رُوحُوا"، وارْحَلُوا عَنّا.. أو انْقَرِضُوا.. أيا أشبَاهَ.. حاشَ فَضِيلةَ الحَشَراتِ.. غِيبُوا، واغْرُبُوا عنْ أرضِنا، عَن حَقْلِنا، عن كَنْزِنا...
يا ساكِنِينَ مَوَاخِرَ السّنَواتِ..
يا لاعِبِينَ أوَاخِرَ اللَّحَظاتِ"...
عَلَمانِ بَيْنَ يَدَيْنِ.. مِن شَجَرٍ وضَوْءٍ.. ها هُنا.. ويَدَانِ نابِتَتانِ من قَلْبٍ يُدِرّ بِكُلّ نبْضٍ نَبْضَتَيْنِ.. بِشارعٍ ما.. لَيْسَ يَقْبَلُ قِسْمَةً أبدًا علَى إثنَيْنِ.. لَكِنْ في الخُرُوج غَداةَ بَعْثِ مَدِينةٍ تَمْشِي، وذاتَ حَراكِ شَعْبٍ ما.. يُوَزّعُ نَبْضَهُ الضافِي علَى وطَنَيْنِ، قُلْ أخَوَيْنِ مِن أُمٍّ، ومِن أبَوَيْنِ.. فهْوَ لِذاكَ دَومًا يَسْتَهِلُّ المِهْرَجانَ بِوَردَتَينِ، وفي أوَانِ المَعْمَعَانِ يُصافِحُ المَوْتَ الذَّبِيحَ بِبَسْمةٍ في عَيْنِهِ، ورَصاصَتَيْنِ...
أَلَمِي أنا.. ألَمَانِ..
صَوْتِي في الهَوَى.. صَوْتانِ..
لَكنْ.. رغْمَ ذَلِكَ.. يا رِفاقَ الجُرْحِ والمَيْدانِ..
أصْرُخُ في عِصابةِ باعَةِ الأوْطانِ..
أصرُخُ في وُجُوهِ الرِّجْسِ والبُهْتانِ:
أنْ قَسَمًا.. وأنْ قَسَمًا...
وأنّي لَيْسَ لِي وَطَنَانِ..
لِي وطَنٌ وَحِيدٌ، واحِدٌ..
لا أشتَري بِغُبارِهِ "إضْبارةَ البُلْدانِ"..
لا أسْتَبِيحُهُ لِلسَّماسِرِ في دَمِ الإنْسانِ..
وطَنٌ وحِيدٌ، واحِدٌ..
وطنٌ عَتِيدٌ، ماجِدٌ..
لا سِلْعةً، أو لُعبةً في سيرَكِ الحُمْلانِ والذُّؤْبانِ...
عَلَمانِ..
ما صُبِغَا سِوَى بِدَمِ الشهادَةِ فِي هَوَى الأوْطانِ..
ما رُفِعَا سِوَى بِيَدِ النِّضالِ الشَّهْمِ يَومَ تَقارُعِ الأثْمانِ،
ما غُسِلَا سِوَى بِجَوَى الحَرائِرِ من بَناتِ العِزّ، صِبْغةِ أُمَّهاتِ الشَّانِ،
ما نُسِجَا سِوَى بِرُؤَى الجَلالِ المُشْمَخِرِّ، رُؤَى الجَمال الرائعِ الألْوَانِ والأفْنَانِ...



عبد الحكم بلحيا‎

2019-04-13



* (النصّ كُتب في الحراك الجزائري قبل سنتين.. ____________

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى