«أدونيس، سلاما ومحبة، وبعد..
حاولت طويلاً أن أتخلّص من رغبتي في الكتابة إليك، وكنت، في كلّ مرّة تجتاحني الأسئلة، أهرع إلى كتبك التي تحيلني بدورها على كتب أخرى، ومن كتب إلى كتب كنت أتلافاك في مزيد من الأسئلة والنّسيان.
لكنني اليوم بين أسئلتي أفتقدك.. أشعر أن الأجوبة التي تقترحها علي تؤدي بي دائماً إلى مزيد من الأسئلة، وأن تحديث السؤال يحيلني – واقعياً – إلى سؤال الحديث/الكلام، أو إلى سؤال الحدث/اللعبة، وأعود مرّة أخرى إلى المدار القديم، المدار الذي عملت أنت شخصياً ما يقارب الخمسين سنة على دحضه.
ماذا يحدث هنا يا أدونيس؟ هل يغلبنا العادي/المؤقت؟ وهل كان جيلكم أكثر وفاءً للحلم من جيلنا؟ أم أننا جيل تعوزه الحرية؟ لماذا لا تنتصر الحداثة إلا في الكتب؟ ولماذا يبدو النّاس مطمئنون لأجوبتهم (هل طمأنينة رضى أم طمأنينة تواطؤ)؟ ثم، لماذا وأنا في الثلاثين لا أجد بين يديّ سوى مزيداً من الأسئلة؟
سأعترف لك: أنا من جيل جاء متأخراً قليلاً في التّاريخ. لقد وُلدت في منتصف ثورة تحريرية كبرى.. وترعرعت في منتصف تحوّلات اجتماعية كبرى.. وتعلّمت في منتصف تحديثات فكرية كبرى.. وحين وعيت أبعادي كانت الثّورة قد أصبحت – في كتب التّاريخ – مجزرة أهلية، والتحوّلات تمخضت عن شعارات، والحداثة الفكرية لم تكن –في حقيقتها– سوى سلفية حديثة.. لقد عشنا بامتياز تراجعات التّاريخ، وقطفنا فاكهة الأزمة.
ماذا يحدث هنا أيّها السيد العالي؟ لقد أيقظتنا كتاباتكم، أنت وآخرون، على إنجازات وانكسارات الماضي، ودفعتم بنا مرّة أخرى إلى قراءة كتب التّراث، وإعادة النّظر فيه جذرياً.نعم، من جهتي أعدت قراءتها مسلحاً بأسئلتكم، مقرراً منذ البداية أن لا أحملها معي إلى المستقبل.. قرأت الشّافعي، ومالك، والبخاري، ومختلف السّير، وفتوحات الواقدي، وانهيارات الغزالي، وشروحات ابن رشد.. دون أن أطرح عليهم أجوبة التّأسيس، تركتهم هناك ومضيت.بلى، قرأت بمتعة كبيرة «ألف ليلة وليلة» دون أن انتقد سياسة شهريار ولا احتيال شهرزاد، ولا حتى فخامة المخترعة هناك..
كانت الحياة جميلة بما فيها من أمل لم يصلنا كما ينبغي. والكتب البعيدة عن السعادة –كما يصفها بن جلون– لا تُقرّبنا من أنفسنا ومن عصرنا إلا بقدر ما تؤجج فينا مخيلة رجال آخرين وعصور أخرى..
هكذا وجدت نفسي بعيداً عن نفسي. لم أطمح أن أكون هامشياً ولا نبياً، وإنما حاولت أن أكون مواطناً يتسلّق فصاحة الحياة، ويوجز فنّ الأشجار في مذاق الفواكه. لكن، ها أنا أجدني وحيدا ومقهوراً.. ماذا يحدث هنا يا أدونيس؟ كل المدن العربية تخبّئ بيروت تحت معطفها، وكل إنسان عربي يتأبّط رغبة في القتل، وهؤلاء المفكرون العرب يبدعون، ربما بعمق، في اختراع منظومات الإقصاء والتّهميش والدّعاية المجانية.. سلسلة كاملة من التراتبية العجيبة، والتّمادي في السلطة، والحياة الناقصة!.. ماذا نسمي هذا العصر الذي يذهب إلى ملاعب كرة القدم حاملاً مفاخر القبائل القديمة؟ ماذا نسمي هذه الخطب الرّسمية التي تؤيد جهة الظلام؟ماذا نسمي هذا المواطن الذي يحمل «جمهوريته» المستقلّة في رأسه دون أي علاقة ثنائية مع «الجمهوريات» الأخرى المحيطة به؟وأخيراً.. ما معنى أن نحيا إذا لم نتطلّع للأفضل، إذا لم نبدع فضاءنا الحضاري، إذا لم نعشق حدّ الجنون؟
إن الحداثة التي نظّرت لها طويلاً يا سيدي لم تستطع اختراق زمننا التّقليدي، فنحن ما زلنا نفهم كرونولوجيا، بالتّراكم والتّكرار.. نحن لا نقرأ الإبداع في حالات تفجره بل في سياقه التّاريخي وهذا ما يسقطنا في الشكلانية والحيثيات.والنتيجة أن تجربة «شعر» لم تقرأ حتى اليوم كلحظة إبداعية، بل قرئت كلحظة أيديولوجية، إلغائيا أوغائيا، ولا تزال خمسون سنة من التبشير بالحداثة حبيسة الأدب بدل انتشارها في أدبيات الحياة. وإذا كنت أفاخر بالمكاسب النقدية لتلك التجربة، وهي كبيرة ومتعدّدة، فإنني لا أزال قلقاً على حياتي في هذا المكان/اللامكان..
صحيح أنكم جنبتمونا عتمات دامسة، ولكن ماذا نفعل بكلّ ذلك النّهار المفرغ من ضوئه؟ إن الأرخبيل الدّموي يوفّر حياة ناعمة للحشرات ولكنه لا يوفر متاع الحياة للأشجار المثمرة. إنني لست يائسا يا سيدي، أنا فقط لا أجد حولي مادّة صلبة لنحت الأمل، ولذلك أصرخ في وجهك– أنت الذي تمشي أمام زمانك–ماذا يحدث هنا يا أدونيس؟.. دعني آخذ من وقتك قليلا وأنشر غسيلي على أليافه العصبية.
إنها رغبة مكينة أيها السيد العالي تلك التي تؤجّج كلماتي إليك، ولا أطمع في أكثر من أن تكون كاهن اعترافاتي.. تأمل معي قليلا هذا الوضع المحرج: لم نتعلّم مما حدث في لبنان طيلة خمس عشرة سنة سوى رغبة تكراره في كل مكان! لقد عشنا موقف اللامعنيين نغني الغضب الساطع آت.. ونحن نراوح مكاننا، وننتظر نشرات الأخبار الرسمية وكأننا ننتظر فيلماً حربياً عادياً. لم نستوعب من حادثة الجنوب المحتلّ سوى أنها معركة أخرى عادية. وقد ازداد تجهلينا في ما يتعلق بالآلة الحربية التي ترعرعت في ضواحي الجليل أو طبريا..
أنا العربي، ماذا يعني لي الجولان؟ سيناء؟ جنوب لبنان؟ جنوب السودان؟ جنوب الصومال؟ وأيضا جنوب العراق؟.. بل ماذا تعني لي الانتفاضة أو الضحكة البلهاء للرّئيس عرفات؟.. لا شيء.. مجرد أخبار روتينية لم يعد الإحساس القديم بها سوى قديماً.. أنني العابر اليومي لهذا المسار العادي حيث تنخفض رؤوس الأفكار وتفقد هيبتها، وبالتّالي ينخفض الوجود ويفقد هيبته.. ماذا تسمّي هذا الكائن الممتدّ من الخليج إلى المحيط؟ ماذا تسمي هذا الركام المسجّى، والتّراكم السّجي، على امتداد ألف وخمسمائة سنة؟ إنني أتخيّل تطلعاته (أي هذا الكائن) لا تقربه سوى من أصله الدارويني.وبفضل الآلة السلطوية المسلّطة عليه يندفع بعماء باتجاه حالة الغبار.
من الصّعب أن أتخيّل نفسي محظوظاً وأدّعي أنني عشت ما قبل عصر الغبار، لأنني ببساطة نتاج له، وربما لذلك لا أجد اسما آخر له. مثلما تعرف يا سيدي أنا أعمل حالياً في صحيفة مستقلة تعتبر كتجربة رائدة في الجزائر. وكان هدفي العميق في اختيار الاستقلالية على طمأنينة البقاء داخل النّظام هو إنجاز جريدة فيها حقّ الكلمة، حقّ الرّاي، حقّ الحداثة.. ولكنني، بعد سنتين تقريباً، تقلّدت مهمة رئيس تحرير في جزء قصير منها، اكتشفت حقيقة بسيطة هي أن حرية التّعبير قيمة في حدّ ذاتها وأنهم أفرغونا– مسبقاً – من هذه القيمة، وبالتّالي لم يبقى لنا سوى الرّكض وراء الأحداث وملء البياض بالأخبار اليومية المسموح بها. وطبيعي أن الحداثة في كلّ ذلك لم تكن سوى أجهزة «الماكنتوش» للتّصفيف والماكيت.
طبعاً، بفضل تجربتك تعرف كم هي دامية هذه التجربة. ومن ناحيتي لا أفصلها عن «ميراث الحداثة الفاشلة» وهي ليست مجرد فشل فردي وإنما فشل جيل كامل، بدأ في «الأهرام» ثم «النّهار» و«السّفير» و«القبس».. وقد انتهت هذه التّجارب الكبيرة إلى تقديم الأخبار للمواطن العربي مثل جريدة «الخبر» علفاً يومياً دون فيتامينات ولا مقبّلات.. مؤسف جداً هذا الوقوف بين زمنين، وبين فكرتين، وبين وطنين، بل دامٍ وقاتل. وليس أمامي– أيها السيد العالي – سوى مزيداً من الأسئلة.
لك تحياتي».
حاولت طويلاً أن أتخلّص من رغبتي في الكتابة إليك، وكنت، في كلّ مرّة تجتاحني الأسئلة، أهرع إلى كتبك التي تحيلني بدورها على كتب أخرى، ومن كتب إلى كتب كنت أتلافاك في مزيد من الأسئلة والنّسيان.
لكنني اليوم بين أسئلتي أفتقدك.. أشعر أن الأجوبة التي تقترحها علي تؤدي بي دائماً إلى مزيد من الأسئلة، وأن تحديث السؤال يحيلني – واقعياً – إلى سؤال الحديث/الكلام، أو إلى سؤال الحدث/اللعبة، وأعود مرّة أخرى إلى المدار القديم، المدار الذي عملت أنت شخصياً ما يقارب الخمسين سنة على دحضه.
ماذا يحدث هنا يا أدونيس؟ هل يغلبنا العادي/المؤقت؟ وهل كان جيلكم أكثر وفاءً للحلم من جيلنا؟ أم أننا جيل تعوزه الحرية؟ لماذا لا تنتصر الحداثة إلا في الكتب؟ ولماذا يبدو النّاس مطمئنون لأجوبتهم (هل طمأنينة رضى أم طمأنينة تواطؤ)؟ ثم، لماذا وأنا في الثلاثين لا أجد بين يديّ سوى مزيداً من الأسئلة؟
سأعترف لك: أنا من جيل جاء متأخراً قليلاً في التّاريخ. لقد وُلدت في منتصف ثورة تحريرية كبرى.. وترعرعت في منتصف تحوّلات اجتماعية كبرى.. وتعلّمت في منتصف تحديثات فكرية كبرى.. وحين وعيت أبعادي كانت الثّورة قد أصبحت – في كتب التّاريخ – مجزرة أهلية، والتحوّلات تمخضت عن شعارات، والحداثة الفكرية لم تكن –في حقيقتها– سوى سلفية حديثة.. لقد عشنا بامتياز تراجعات التّاريخ، وقطفنا فاكهة الأزمة.
ماذا يحدث هنا أيّها السيد العالي؟ لقد أيقظتنا كتاباتكم، أنت وآخرون، على إنجازات وانكسارات الماضي، ودفعتم بنا مرّة أخرى إلى قراءة كتب التّراث، وإعادة النّظر فيه جذرياً.نعم، من جهتي أعدت قراءتها مسلحاً بأسئلتكم، مقرراً منذ البداية أن لا أحملها معي إلى المستقبل.. قرأت الشّافعي، ومالك، والبخاري، ومختلف السّير، وفتوحات الواقدي، وانهيارات الغزالي، وشروحات ابن رشد.. دون أن أطرح عليهم أجوبة التّأسيس، تركتهم هناك ومضيت.بلى، قرأت بمتعة كبيرة «ألف ليلة وليلة» دون أن انتقد سياسة شهريار ولا احتيال شهرزاد، ولا حتى فخامة المخترعة هناك..
كانت الحياة جميلة بما فيها من أمل لم يصلنا كما ينبغي. والكتب البعيدة عن السعادة –كما يصفها بن جلون– لا تُقرّبنا من أنفسنا ومن عصرنا إلا بقدر ما تؤجج فينا مخيلة رجال آخرين وعصور أخرى..
هكذا وجدت نفسي بعيداً عن نفسي. لم أطمح أن أكون هامشياً ولا نبياً، وإنما حاولت أن أكون مواطناً يتسلّق فصاحة الحياة، ويوجز فنّ الأشجار في مذاق الفواكه. لكن، ها أنا أجدني وحيدا ومقهوراً.. ماذا يحدث هنا يا أدونيس؟ كل المدن العربية تخبّئ بيروت تحت معطفها، وكل إنسان عربي يتأبّط رغبة في القتل، وهؤلاء المفكرون العرب يبدعون، ربما بعمق، في اختراع منظومات الإقصاء والتّهميش والدّعاية المجانية.. سلسلة كاملة من التراتبية العجيبة، والتّمادي في السلطة، والحياة الناقصة!.. ماذا نسمي هذا العصر الذي يذهب إلى ملاعب كرة القدم حاملاً مفاخر القبائل القديمة؟ ماذا نسمي هذه الخطب الرّسمية التي تؤيد جهة الظلام؟ماذا نسمي هذا المواطن الذي يحمل «جمهوريته» المستقلّة في رأسه دون أي علاقة ثنائية مع «الجمهوريات» الأخرى المحيطة به؟وأخيراً.. ما معنى أن نحيا إذا لم نتطلّع للأفضل، إذا لم نبدع فضاءنا الحضاري، إذا لم نعشق حدّ الجنون؟
إن الحداثة التي نظّرت لها طويلاً يا سيدي لم تستطع اختراق زمننا التّقليدي، فنحن ما زلنا نفهم كرونولوجيا، بالتّراكم والتّكرار.. نحن لا نقرأ الإبداع في حالات تفجره بل في سياقه التّاريخي وهذا ما يسقطنا في الشكلانية والحيثيات.والنتيجة أن تجربة «شعر» لم تقرأ حتى اليوم كلحظة إبداعية، بل قرئت كلحظة أيديولوجية، إلغائيا أوغائيا، ولا تزال خمسون سنة من التبشير بالحداثة حبيسة الأدب بدل انتشارها في أدبيات الحياة. وإذا كنت أفاخر بالمكاسب النقدية لتلك التجربة، وهي كبيرة ومتعدّدة، فإنني لا أزال قلقاً على حياتي في هذا المكان/اللامكان..
صحيح أنكم جنبتمونا عتمات دامسة، ولكن ماذا نفعل بكلّ ذلك النّهار المفرغ من ضوئه؟ إن الأرخبيل الدّموي يوفّر حياة ناعمة للحشرات ولكنه لا يوفر متاع الحياة للأشجار المثمرة. إنني لست يائسا يا سيدي، أنا فقط لا أجد حولي مادّة صلبة لنحت الأمل، ولذلك أصرخ في وجهك– أنت الذي تمشي أمام زمانك–ماذا يحدث هنا يا أدونيس؟.. دعني آخذ من وقتك قليلا وأنشر غسيلي على أليافه العصبية.
إنها رغبة مكينة أيها السيد العالي تلك التي تؤجّج كلماتي إليك، ولا أطمع في أكثر من أن تكون كاهن اعترافاتي.. تأمل معي قليلا هذا الوضع المحرج: لم نتعلّم مما حدث في لبنان طيلة خمس عشرة سنة سوى رغبة تكراره في كل مكان! لقد عشنا موقف اللامعنيين نغني الغضب الساطع آت.. ونحن نراوح مكاننا، وننتظر نشرات الأخبار الرسمية وكأننا ننتظر فيلماً حربياً عادياً. لم نستوعب من حادثة الجنوب المحتلّ سوى أنها معركة أخرى عادية. وقد ازداد تجهلينا في ما يتعلق بالآلة الحربية التي ترعرعت في ضواحي الجليل أو طبريا..
أنا العربي، ماذا يعني لي الجولان؟ سيناء؟ جنوب لبنان؟ جنوب السودان؟ جنوب الصومال؟ وأيضا جنوب العراق؟.. بل ماذا تعني لي الانتفاضة أو الضحكة البلهاء للرّئيس عرفات؟.. لا شيء.. مجرد أخبار روتينية لم يعد الإحساس القديم بها سوى قديماً.. أنني العابر اليومي لهذا المسار العادي حيث تنخفض رؤوس الأفكار وتفقد هيبتها، وبالتّالي ينخفض الوجود ويفقد هيبته.. ماذا تسمّي هذا الكائن الممتدّ من الخليج إلى المحيط؟ ماذا تسمي هذا الركام المسجّى، والتّراكم السّجي، على امتداد ألف وخمسمائة سنة؟ إنني أتخيّل تطلعاته (أي هذا الكائن) لا تقربه سوى من أصله الدارويني.وبفضل الآلة السلطوية المسلّطة عليه يندفع بعماء باتجاه حالة الغبار.
من الصّعب أن أتخيّل نفسي محظوظاً وأدّعي أنني عشت ما قبل عصر الغبار، لأنني ببساطة نتاج له، وربما لذلك لا أجد اسما آخر له. مثلما تعرف يا سيدي أنا أعمل حالياً في صحيفة مستقلة تعتبر كتجربة رائدة في الجزائر. وكان هدفي العميق في اختيار الاستقلالية على طمأنينة البقاء داخل النّظام هو إنجاز جريدة فيها حقّ الكلمة، حقّ الرّاي، حقّ الحداثة.. ولكنني، بعد سنتين تقريباً، تقلّدت مهمة رئيس تحرير في جزء قصير منها، اكتشفت حقيقة بسيطة هي أن حرية التّعبير قيمة في حدّ ذاتها وأنهم أفرغونا– مسبقاً – من هذه القيمة، وبالتّالي لم يبقى لنا سوى الرّكض وراء الأحداث وملء البياض بالأخبار اليومية المسموح بها. وطبيعي أن الحداثة في كلّ ذلك لم تكن سوى أجهزة «الماكنتوش» للتّصفيف والماكيت.
طبعاً، بفضل تجربتك تعرف كم هي دامية هذه التجربة. ومن ناحيتي لا أفصلها عن «ميراث الحداثة الفاشلة» وهي ليست مجرد فشل فردي وإنما فشل جيل كامل، بدأ في «الأهرام» ثم «النّهار» و«السّفير» و«القبس».. وقد انتهت هذه التّجارب الكبيرة إلى تقديم الأخبار للمواطن العربي مثل جريدة «الخبر» علفاً يومياً دون فيتامينات ولا مقبّلات.. مؤسف جداً هذا الوقوف بين زمنين، وبين فكرتين، وبين وطنين، بل دامٍ وقاتل. وليس أمامي– أيها السيد العالي – سوى مزيداً من الأسئلة.
لك تحياتي».