حمدي عابدين - مختارات

روعةُ الحربِ في الدمِ الذي يتدفقُ من جنودٍ يتامى

خافوا على حبيباتِهم فارتدوا فِراءَ الرعاة

في رائحةِ دبابةٍ كانتْ تعملُ تاجرَ محروقات

في محفظةِ سمسارٍ يرتبُ كمبيالاتِه

ويتأهبُ لدقِ أبوابِ مدينيه

في ابتسامةِ قادتِها الفاتحين

وهم يتذكرون ضحاياهُم

وأرصدتَهم في البنوك

في ركامِ البناياتِ التي انهارتْ بسكانها.

روعةُ الحربِ في الأذرعِ المبتورة

في الرصاصِ وذكرياتِنا المفتتة

في التحفزِ للقتل

في بعثرةِ أصابع على أرضٍ ما وطأتها أقدامُ أصحابِها المجهدة

في جثتٍ تشتكي وحدتَها لجاراتِها في المدافنِ الجماعية

في الخطبِ الجبانةِ التي ما جَرُأَتْ على حملِ سلاح

في غناءِ الذين فقدوا أحباءَهم

انتظروهم طويلًا، دون جدوى، وهو ينشجون

ثم جلسوا على أبوابِ أحلامِهم يحرسونَ المصابيحَ

ويشعلونَ النارَ في شهوةِ العائدين.

روعةُ الحربِ في ساديةِ الذئبِ ولحيتِهِ المباركة

في امرأةٍ متسولةٍ تتشحُ بالسواد

في نهاراتٍ تنزلقُ أقدامها على البساط

وربابةٍ خمسينيةٍ يقتلُها الحُواةُ كل ساعة.

--------------------------------------------

فوق مقعدٍ لم يكنْ يومًا يعرفُ لنفسِهِ وظيفةً

سوى حملِ الأجسادِ المُنْهَكَة

يَجْلِسُ أمينًا على مَخَازِنِ الفراغ

قبل الثلاثين من عمرِه كانوا يُسَمُّونَه الوشم

لكنَّه مع مُرورِ ظِلٍ يستندُ إلى آخر

صَارَ قاطعَ طريقٍ

رايةً لفلولِ جيشٍ ما عادَ أطفالُه يحفظون سوى مواقعَ هزائمِهم

ظلًا يتابعُ مرورَ قوافل المصابين بالجذام

وينتظرُ ربما مَرُّوا بجثتِه في مدى نباحِ كلب

كان يعتمدُ في وضعِ نهايةٍ لطموحاتِه على السقوطِ مغشيًا عليه

كان مَلَلُه من الانتظارِ لا يكرمُه حتى ببئر ساقية

لكنه أخيرًا وجدَ عاهرةً مأجورةً تبيعُ الأحلامَ البائسة

تَظَلُ من صباحيَّةِ ربِ العبادِ تدورُ في الأسواق

قدماها مشققتان، وشفتاها مبللتان بالتوسلات

ومن ضِمْنِ مُصِيبَتِها أنَّ اللهَ ابتلاها بمخلوقاتٍ عجيبة

كُلَّما مروا بها يُشِيرُونَ إلى أذنيها المبتورتين

ونَهْدَيْهَا اللذين يَسِيلان على أيدي المُعَاقين

من أين أصيبت هذه المرأة بطفلها؟

ذلك الميت عند عتبة الباب

وكيف تركَها صاحبُ الفندقِ الرثِ تَتَسَاقطُ هكذا أمام دائنيه

دُونَ أن يأخدَ عمولةً من باعتِها الذين يموتون في الفضائح

هؤلاء الذين يسرقون قبصةً من صَفِيفِ شَعْرِها

ويِسْقُطُونَ في البارات.

___________________________

فجأة توقف أربعة رجال مسنين وزوجاتهم.

كان هو يتجول بصحبتهم منحنيا

يلتقط حواس آدمية

قالت واحدة من النساء:

كان يجب أن نتوقف قبل الكارثة

قطع القصدير تتناثر في طريقنا

كنا نراها ونتجاهلها

بينما كان بعضنا

يلملمها دون أن يدري

كل ذلك يحدث

ونحن غفل عما يحاك لنا؟!

يجب أن يأخذ الناس بالهم منا

سلمنا حتى نظاراتنا

ولا نملك الآن سوي حقائبنا الصغيرة

ظروفنا صعبة في مواجهة البحر والرمال

يجب أن يرسلوا لنا ما يعيننا

نحتاج بعض الشفاه

وبعض الآذان والعيون التي ما زالت تعمل

نحتاج برامج لتدريبنا علي الابتسام

وبعض المحبين

ليضعوهم في طريقنا

نستهدي بهم

ونتذكر دائما إننا يجب أن نموت

ونحن نفعل أشياء حميمة.

-------------------------

استقبلوهم في غرفة شاسعة

هواؤها مكيف

وبلاطها من الرخام الفاخر

فيما وضعوا سياراتهم

التي جلبوهم بها

علي جانبي الغرفة

واتجهوا جميعا إلي المائدة

الأطعمة التي ما رأوها إلا في أحلامهم أمامهم الآن

وأشجار الفاكهة الغريبة تحيط بهم من كل صوب

وقد تعلقت بفروعها آنية الماء

وظلت تتأرجح كأنها في يوم عيد

حين انتهوا من عشائهم الاحتفالي

تعالت الأصوات تطالبهم بالنوم:

لديكم مبكرا أعمال كثيرة.

الوسائد والمراتب كانت مصنوعة من ريش النعام

لم يفكروا في شئ

عندما مالوا بأجسادهم فوق الآسرة غاصوا في جنانها

جميعهم ناموا دون كوابيس

دون أحلام مزعجة

فيما كانت ساعات الليل كافية ليدخل كل لحظة ضيوف جدد

امتلأت الغرفة عن آخرها

وفي الصباح عندما استيقظ الجميع

لم يجدوا أحدا في انتظارهم

كانت الأبواب موصدة

حاولوا البحث عن مراحيض لقضاء حوائجهم

منعتهم الرؤوس والسيقان التي تغطي البلاط.

اختفت الشوارع التي كانت مرصوفة علي امتداد الغرفة

ماذا يمكن أن يفعل هؤلاء الناس بسيارتهم!!

كيف يقودونها بوجوه ما زالت برائحة النوم!!

الحكاية ليست شوارع وإشارات وبنزين

هذه الأشياء يمكن الاستغناء عنها

القصة أنهم ذاهبون حالا إلي جهنم

ولابد أن يغسلوا وجوههم

كما أنهم لن يجدوا وقتا كافيا لإخراج ما في بطونهم الممتلئة

كيف انطلت عليهم حيلة هؤلاء الشياطين!!

لماذا لم يفكروا فيما وراء الطريقة التي توفرت بها المائدة الخيالية!!

كانوا يطعمونهم من القمامة أعواما طويلة!!

وينيمونهم في عشش الحيوانات!!

الآن...

وبعد أن شحنوهم في كبسولة الجحيم هذه

سوف يرسلونهم بأمانيهم البسيطة

إلي غير رجعة.

--------------------------------------------

كانت كلما مشت في طريق بكت أصحابه

مشت كثيرا

كان نشيجها يشغل المارة عن حاجاتهم

فما يستطيعون مضيا في الدموع

هم أنفسهم صاروا يسيرون معها

ويتذكرون

وفي كل مرة كانت دموعهم تبلل الكلام:

لن تنمحي سيرتهم

كيف وأنت التي تتذكرينهم؟!

التذكر يا أخت حمي بلا دواء...

بحاره تمتلئ بملوحة الحكايات وأشجانها.

مشت في أنحاء ودروب ومدائن

تذكرت حتي نفاياتها

وما توقف البكاء

مشت في حروف

في اتكاءة كلمات وهي تعبر شفاه

مشت في قلوب وعيون وإشارات

وعندما وصلت إلي طريقها

هي الواقفة هناك

قرب انحناءة روحها تنتظر من مروا محملين بلا شئ

هي الموقوفة عند سواد عباءتها

عندما مشت في طريقها

لم تجد ما تتذكره

-------------------------------

كلما مروا بزاوية ما من العالم

طاردتهم رائحتهم

حاولوا كثيرا أن يراوغوها

أن يتخفوا ويهربوا منها

لكنها كانت تمسك بهم في كل مرة

كانت الرائحة تعرف نيتهم مقدما

كانت تعرف أنهم لا عهد لهم ولا صديق

لذا كانت لا تصدق مواثيقهم

كلما سمعت

- معا حتى جهنم

كانت تغلق أنفها من ريح الكذب المرسلة

كانوا إذن يريدون أن يتبرأوا منها

لكنهم لم يرغبوا في إعلان ذلك هكذا علي الملأ

كانوا يخشون لحظة فورانها وثورتها

لذا قالوا كثيرًا في سرهم:

- لسنا أبناءها

بينما كانوا كلما ذهبوا في طريق

تظهر الرائحة دائما ممسكة بأيديهم

وفي نهاية المطاف

كانوا يعودون بها نائمة فوق أكتافهم

كان جبنهم يمنعهم من الهرب

وتركها حيث لا تعود

كل مرة كانوا يفكرون في ذلك

كان الرعب من أن يأكل الناس وشوشهم

يحميهم دائما من الهلاك

كان حرصهم الدائم علي وجوه كاملة

يذكرهم أنهم لن يكونوا أبدا بمفردهم

في أي رحلة ينتوونها إلي جلودهم.

------------------------------------

ظل طوال ليله يحرث أرض عاصمته

الممتدة بطول سرير غرفته المطلة علي ملك جاره

قال:

- عما قليل سوف أرويها من النهر الذي يجري تحت

الخيام.

لكن ضجيج آلاته المفزع

أيقظ الجموع النائمة فوق بلاط الغرف المجاورة

- انتهى كل شئ

انتظروا قليلا

سوف أطعمكم من الفاكهة الطازجة

لماذا تنظرون تحت أقدامكم

كل شئ جاهز في القوارير

حلمت لكم بأعناب ونخيل

بنساء عاريات كأنهن مصابيح الجنة

يسبحن في عيون خمركم الذي تعصرونه خلف التل.

كان يريد أن يرتاح

يترك لأهله بعض أشجار

يستظلون بها

كان يريد أن يرحل مطمئنا

مرتاح الضمير

من صراخ حيواناتهم

التي انتهزت فرصة غيابه

وافترشت الميدان.



---------------------------

بعدما كدت أفقد رائحة روحي

بعدما كادت تتسرب مني

في دجى الغدوة والرواح

بعدما سرت وراءها ثلاثة أعوام كاملة

أستعطفها في المطارات والأسواق

هاهي أخيرا تستدل عليَّ

بينما يقودني الرجال والأطفال والنساء

هنا علي مقربة من مراياهم

كي لا أصبح عبأً علي الريح وأوراق الشجر

كانت الرائحة تمسك الرجال من رعونتهم

وتشد النساء من أغصانهن

تمشي في مقدمة النحيب

وتروغ

لتُرَي في المؤخرة

ممسكة بذراع طفلة يتيمة

أو امرأة تجرجر سواد سدولها

- لا تخافين

لن يدفنوه في الليل

هم يخافون عليكما من الوحدة

كما أن عليه أن يراكما قبل أن يهيلوا عليه التراب

هذا شرطه لكي يستقبل الملائكة.

جاءت جموع

تبللني بالماء والكلام الكسيح

وبالقرب من غبار أقدامهم

وعلي رأس مقبرة كانت تضم جناحيها

بدت رائحتي

ترتدي لباس خيانتها

وتخشى أن يشمها أحد.

-------------------------------------

ماذا يمكن أن يرى العاشق المكفوف

لو أنه ضبط نفسه ينظر من الشرفة؟

- رجلا يتأهب لإفشاء آخر أسرار زوجته.

- شجرة تميل

لتَرى أوراقُها

كيف تحب الشجيراتُ سيدَها الريحَ

وهي عائدة منهكة.

- مراهقة تستعد لارتداء أخف أحلامها

قبل أن تغمض شرفة مواجهة جفنين مؤرقين.

- مصباح إنارة صغيرا يتصبب عرقا

لأن ألحان أرملة لامست ظله قبل أن ينطفئ

يقول:

ألا يراني ذلك الأعمى

أنا الحزين الوحيد في الحي

ألا يستحق فؤادي المعطل عن أحلامه بعض العناء؟!

ألا يجدر به أن يرسل ابنته

بغمامتين نائمتين في إيماءاتها؟!

قولوا له سوف تعود

هو حتى لن يلامس غصنيها.

في الليل يجدر بنا أن نكون أكثر رحمة بسكارى عمياننا

خمرهُ المعتقةُ رأفةً بروحه تجعله

يتحسس كلام أغنياته قبل أن يتركها

لحال سبيلها.

هو حتى لا يوصيها بشئ مثل غيره من

عبيد البارات

يلامسها بلسانه المثقل بالبكاء

ويسلم نفسه للطريق.

----------------------------

حينما تنظر لنفسها في المرآة

وتغني لنهديها الخليين

لنهديها السعيدين في خبائهما

المبللين بدموع عازف تعلقت صورته في جدار

يحمر ورد خدودها

بينما يراقبها هو من ثقوب أيامه الماضية

الصورة هكذا

هي تهدهد مرآتها

حتى لا تتسرب صورها إلي منزله

فتضطر كل ليلة أن تغمرها في نغمات موسيقى الرجل

وهو يبلل أوتار كمانه

كي لا يحترق العود وباقي الآلات

هكذا راحت هي ترعى مرآتها

وهو يسهر على بلابله كي لا تنفلت الأمور من بين يديه

وهذا هو المشهد بريحه التي تهب عليكم في خيامكم

لكن لِمْ لا يسأل أحدكم نفسه مرة واحدة

ماذا علينا نحن أن نفعل؟!!

--------------------------------

يمد رأسه من ثقب قبره

وينادي

- هاااااي

يا زينة أهل الجحيم

هل تحبينني؟

أنا ابن جارتك التي تتمنى لو تزوجْتِني في غرفة من نور عينيها

أنا ابن النعش الذي يناديك

علّه ينفلت لحظة من غروبه

أنا ابن النائحة التي تستيقظ

من النوم ميتة لتبكي اغترابي

هل تعرفينني؟

أنا ابن التي تحملُ عرشَها الفراشاتُ

منذ يومين حَمَلَتْ روحي للثري الحر

وبَكَتْ لبضع خطوات

سَمِعتْهم يلهجون

- لن تبلله كلماتها قبل صرصرة الريح

لذا لن يميل

انظروا

يًسَّاقطُ علي الأرض كي لا يغني

ويفضحه ظله.

__________________

وأنتِ تبتسمين لزوجك عازف البيانو الكليل

بينما يخلع كفيه ليسندهما إلي جدار

وأنتِ تتوسلين للموسيقي التائه

أن يُدوزنَ آلاتكِ الموسيقية

بهمسِ أناملِه المتعبة

وأنت تؤوبين إليه:

امنحني أنشودة ولو قديمة؟

لا أريدها مبللة بسحرِ مليك

اي أنشودة يا حبيبي

لا أريدها محمومة

أي أنشودة والسلام

مُرَّ فقط علي شفتيّ تصلْكَ الرسائل

أتخشى فقدانها؟

لا يَضِلُ السبيلَ يتمُ يتيم

مُرَّ علي برج الحمام

ولسوف ترضى

من يجيب المسكين إذا دعا إلا هواه

قولي له:

من يعفو عن المكروب

ثم ناوشي الصاري إن استطعتِ

ووشوشي الدفة.

________________________________

في مقبرة عبد الحليم حافظ

تذيع الملائكة يوميا أغنية قارئة الفنجان

هناك في لحظات الفجر الأولى

وبعد أن يخرج الإمام من باب مسجد قريب

يتحلق الناس حول الضريح

ينصبون أذانهم بمحازاة رأس المطرب العاطفي

جميعهم في ذروة الموسيقى يشاركونه الغناء

يغمضون أعيونهم

آملين أن يوفر لهم ذلك العماء الاختياري

فرصة لدخول الحفل

كان حلم الاقتراب من أوركسترا

تبوح آلاتها بأسرار رحلة طويلة

قضاها فنان يتيم يجمع أفرادها

بعد رحيله

يجعلهم يتنفسون من هواء الجنة.

الذين منَّ عليهم الله بنعمة الالتصاق بخشبة المسرح

ظلوا لساعة كاملة

يحاولون لمس شعره الفاحم

ويغرقون ملابسهم في أمواج موسيقى

تأخذ خصلاتهم في رحلات ربيعية

لمجنون لا ينام.

المشهد يتكرر منذ سنوات بعيدة

كل يوم

دون أن أسقط في قيد اندهاشة لحظية

كيف يفعلون ذلك بهذه الرومانسية باهظة التكاليف

المغفلون لم يحسبوا مشهد النهاية.

بعد أن ينتهي المعذب في عشقه

من أغنيته تماما.

ويتجه لوداع جمهوره.

لن تجد الملائكة سواهم

إنقاذا للموقف.

سوف تعمل على إدخالهم فرادى وجماعات

ليكونوا جمهورا دائمين لأغنيته الأخيرة

_________________

** صانع العاهات



أما عن رواية الأحداث

فلا أحد يخرج من منزله

بلا هوية

ويقدر علي مقاومة غوايتها

لا أحد

عاقلا كان أو مجنونا

يعرض عليه الملك

فيصمت

أو يتثاءب

ما بالكم بي أنا

مربي الخنازير

صانع العاهات الكبير.

عند رواية الأحداث

لا مجال لأن يبقي المرء

في سريره

أو يذهب إلي موعد غرامي

أيا كانت الحورية التي يضاجعها.

كل شيء يحدث لمرة واحدة

والطلقة التي تمرق

لا تعود.

كم يساوي وجودي بينكم

بلا رواية

ووجودكم بعيدا عن أربطة

أحذية الآلهة

كم يساوي وجودكم بلا عاهات.

الأمر ليس كما تتخيلون

الألوهة تحتاج إلي أكاذيب

منتقاة

وأوبئة.

تحتاج إلي أعمار طويلة تتبدد،

وشعوب تتلاشي،

ومدائن تبيد.

الألوهة الحقة

تكره الفناء الجميل.

عندما تنتصب في الفضاء

وتفتح عينيها

وتطل.

يقف إله في قلب خرائبه

ويحكي تفاصيل ما رأي

وما ارتكب من جرائم ضد الأجنة

يبوح بآثامه

ويكتب في كل ساحاته

ما رآه ضروريا لكي يعمل

بعفوية بالغة

حتي ليظن الواحد

وهو يتلقي الطعنة

أنها المشيئة العربيدة

ولا مفر.

الجند في الباحات

في قطرات الندي

وفي شعاع الشمس

لا مفر.

تعلمت صنع التماثيل

سرقة ألعابها من القتلي

وحكايات الضحايا

والأكف المرحة حين تستقبل

المطر.

أنا سارق الكحل الذي تتحدثون عنه

عاشق التشوهات.

كيف يمكنني أن أصب ابتسامة

علي وجه طفل جائع

أو يتيم.

الخالقون الهواة

سيدخرونني أضحوكة لأيامهم

أضحوكة يفجرونها في البراري

يفتحون بها أفواههم عن آخرها

وينسلون إلي أكواخهم

تحت جنح الليل.

تسلقت ضحكاتهم تلال بلدة

ومشت في أراض موحلة

أناموها علي الرف

كي تحمل فوق أكتافها التراب

والنياشين

وأنا غير مؤهل للابتسام

لا أحب أن يبتسم النائمون

في أحلامهم.

عاري وأنا أولي بمراراته.

لو أن عيونكم لا تري النوم

لو أن دموعها قادرة علي إحياء

الموتي.

لأدركتم البلية التي أنا فيها

معجزة أن أظل طوال عمري المديد

أنثق القبور

وأنتقي سكانها.

حققت شهرة واسعة

في هذا المجال

وأحببت ملكي

وها أنا أوطد أركانه.

قبل مجيئي إليكم

هاتفتني امرأة وقبلتني.

قالت لي إنها تبصر أطفالا

ينامون تحت جدران بيتي

تشب في أحلامهم

النار التي تمتد من لفافتي

وكلما حاولوا الوقوف

أجلستهم رائحتي

قالت لي هناك أمور لا تحب

الخوض في جيوبها

وواعدتني

واختفت.

سوف أنزع النخل من أرواح

النبيين

القبلات من قصص الحب

والجنيات التي تسير في الشوارع

من شفاه الرعاة

معي مساحيقي

وعمالي

وحقدي

سوف أرسم المشهد من جديد

أريد أن أكون راوية حقيقيا

الأولاد في مقابرهم مهذبون

والنساء في أسرتهن

ينتظرنني

والرجال طوافون في المكان

يحملون المناديل الورقية

ويعطرون مواكب الأساطير

في الكتب القديمة

والآلهة تبتسم وهي تحمل

الغمام علي أكتافها

وترش الظلال.

لا غير المشيب

علي ركبتي يتكئ الردى.

سوف أعلمكم كيف تنامون

وكيف تخرجون لملاقاة

جيوش أعدائكم.

وكيف تسيرون في الأسواق

وكيف حين لا يحين الموت

ترحلون

هذه ألوهتي

التي جئتكم بها

أنا أعلمكم بأمور دنياكم

عندي ميزان كل شيء

شفاه جديدة

وأجنحة للدواب

والخنازير.

خضت معارك كثيرة

ولم أستطع

في كل مرة

أن أخرج مبتسما.

وفي هذه المرة

أقدم لكم أمراضا وأوبئة

جديدة

أقدم لكم روحي

باردة علي أبدانكم.

لا شبابيك لكم عندي

ولا حوائط

أنا راوية الحكايات الوحيد

وصانع العاهات.

_______________________



حمدي عابدين

- مختارات من دواوين "رجل الهاي لوكس" دار ابن رشد 2015، "عجوز مكومة في ركن بحكايات أليمة" دار ميريت 2020، و "صانع العاهات" 2009



_____________

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى