أ. د. أبو الحسن سلام - رحلة المسرح عبر العصور

مر المسرح العالمي في رحلته الطويلة بعصور حضارية وتحولات ثقافية واجتماعية تغيرت فيها قيم وأفكار وعادات ، انعكست على فن المسرح نصا وعرضا . ومع ذلك ظل النص المسرحي ، إلى الآن محتفظا بالركائزه الأساسية لنظرية التطهير الأرسطية مثل : ( الوحدات الثلاث ، نظرية الفصل بين الأنواع) سواء في التراجيديا أو الكوميديا ،على الرغم من تفرع المدارس المسرحية ما بين ( الكلاسيكية الجديد والرومنتيكية والواقعية والطبيعية والتعبيرية والرمزية ) التي مر بها المسرح بدءا من عصر النهضة في أوروبا مرورا بالعصر الحديث انتهاء بتاريخها المعاصر ، وهي رحلة طويلة يمكن عرضها عرضا موجزاً حيث يمتد الحديث عنها ليستغرق مجلدات ومجلدات:

أولا: المسرح اليوناني والروماني:

ثانيا: مسرح العصور الوسطي : مسرح ديني ، استخدم المسرح لخدمة الخطاب الديني فيما يعرف بمسرحيات القديسين ، ومسرحيات الأسرار، مثل:( القديس ويقولا، الكريمات الثلاث؛ آدم، إيفري مان)

ثالثا: مسرح عصر النهضة ( ق : ١٥ / ق : ١٦ الميلادي )
تغيرت أسس الكتابة المسرحية في ذلك العصر على أيدي كتاب مثل :
الأسباني : لوب دي فيجا، ومن مسرحياته الشهيرة مسرحية " ثورة فلاحين" والإنجليزي: بن جونسون، كريستوفر مارلو، ومن مسرحياته الشهيرة " يهودي مالطة" ويعالج فيها موضوع ( الغاية تبرر الوسيلة) منتقدا سلوك المرابي اليهودي .
و مأساة الدكتور فاوستس " ويعالج فيها قصة ألمانية عن أحد الأساتذة الذي باع روحه للشيطان في مقابل حصوله على القدرات الخارقة التي منحت للشيطان.

ثم " وليم شكسبير ١٥٦٤١٦١٦) وله ما يزيد على خست وثلاثين مسرحية ، منها : ( روميو وجولييت، ويعالج فيها فكرة انتصار الحب على العادات والتقاليد. - عطيل ويعالج فيها فكرة عاقبة الغيرة العمياء- مكبث. ويعالج فيها عاقبة الطموح المدمر الزائد عن الحد - هاملت ويعالج فيها فكرة الشك القاتل - الملك لير ويعالج فيها خطأ الخروج عن قوانين الطبيعة وفكرة العقوق المتبادل بين الأبناء والآباء - " تاجر البندقية " وفيها يوجه نقدا لاذعا لمغالاة اليهودي المرابي شايلوك وحقده وسوء نواياه التي بسببها يكره الناس اليهود- مسرحية : حلم منتصف ليلة صيف وفيها يعرض للحياة الرومنسية للشباب من الجنسين في رحلة ليلية صيفية يمزج فيها الواقع بالخيال . ( وهي لون من المسرحيات التي يحاكي فيها شكسبير عادة احتفالية صيفية يحتفل بها الناس في أوروبا متخالطين بدون فروق بين امراء وأناس عاديين او فقراء وخدم دون اعتبار لفروق طبقية) بالاضافة إلى مسرحيات أخرى تناول فيها تاريخ عدد من ملوك انجلترا، مثل : ( هنري الثاني ، هنري الرابع ، ريتشارد الثاني، ريتشارد الثالث ، الملك جون وغيرها)

* ملامح اختلاف مسرح عصر النهضة عن أسس المسرح الأرسطي
تبعا لاختلاف الثقافة بين عصر النهضة والعصر القديم طرأت بعض التغييرات الأساسية على كتابة المسرحية في عصر النهضة وما يليه عند كتاب المسرح الفرنسي في القرن السابع عشر ، ومن أهم ملامح التغيير :



* تحطيم الوحدات الثلاث( الموضوع - المكان - الزمان.

* تحطيم نظرية الفصل بين الأنواع ، بظهور لون مسرحي جديد يمزج بين المأساة والمذهلة يعرف ب " التراجيكوميك" أو " الكوميديا القاتمة "

* ظهور سمات رومنتيكية في مسرحيات شكسبيرية مثل: ( روميو وجولييت، حلم منتصف ليلة صيف ، كما تهواها، دقة بدقة

* ظهور حركتين في النص المسرحي الواحد ، كحبكة العقوق المتبادل بين بنتي الملك لير ( الكبرى : جونريل ، والوسطى : ريجن) وعقوق ( لير مع ابنته الصغرى : كورديليا) على التوازي مع حبكة العقوق المتبادل بين اللورد ( جولستر لإبنه الشرعي: إدجار، وعقوق إبنه غير الشرعي : إدموند له)

* التخلص من الجوقة واستبدالها بشخص واحد كما هو في مسرحية شكسبير " ريتشارد الثالث، هنري الثاني ، هنري الثامن " . وكما هو في مسرحيات الفرنسي: " راسين" :
( فيدرا ) ومسرحية ( هوراس- كورني : ق. ١٧)

* تحمل الشخصيات التراجيدية بعاقبة خطئها التراجيدي منفردة حيث وقع فعلها بإرادتها البشرية وليس بإرادة الآلهة .

* عكس سرح عصر النهضة ومسرح القرن ١٧ من بعده إرادة الإنسان وقيمه الانسانية والاجتماعية العامة.
* ظل البطل التراجيدي بطلا نبيلا على الرغم من أنه صاحب إرادة ومسؤولية عن نتائج خطئه التراجيدي.

* اختلف شكل الصراع في مسرحية عصر النهضة من صراع شخصيات عظامية نبيلة مع آلهة أملت عليها أفعالها الدنيوية وقدرت عليها ما تفعل وحددت كيفية سقوطها التراجيدي غيبا ثم عاقيتها ، فأصبح فعل الشخصية التراجيدية العمانية النبيلة بإرادتها وحدها ، وهي التي تتحمل عاقبة سوء فعلها.

* انتقل الصراع الدرامي من صراع الإنسان النبيل مع الآلهة فأصبح الصراع بشريا بين قيم الإنسانية والكونية العليا وقيم المجتمع الدنيوية المتغيرة ، وبين إرادة الإنسان وعواطفه المتنازعة أو المتعارضة مع عواطف إنسان غيره .

ثالثا: المسرح الحديث : ( ق: ١٨ ق: /١٩)

مع ظهور النظ ريات العلمية وظهور الاكتشافات ،( نظرية كروية الأرض) وعلوم الفضاء ونظرية ( النشوء والإرتقاء) لدارون ، والتي افرزت لنا كتابة المسرحية الطبيعية اعتمادا على ( عنصر الوراثة - التي تنقل الصفات الجينية البيولوجية من الأجداد والآباء والأمهات إلى الأبناء والأحقاد- وعنصر البيئة بتفصيلاتها ) وأثرهما معا في دوافع فعل الشخصية الدرامية .
وكذلك كان لظهور الفكر الأيديولوجي ( النظرية الماركسية ) عن صراع الطبقات ، وأثره في تطور المجتمعات انعكاساتها على كل من المسرح الملحمي والمسرح التسجيلي وتغير هدف المحاكاة من التطهير إلى التغيير . وأثر الفلسفة الوجودية لسارتر، وشعار. ( الوجود سابق للماهية) بأبعادها السبعة : ( الوجود والعدم - الحرية والالتزام - الأنا والآخر - الغثيان) كان لذلك كله أثره على كتابة المسرحية الوجودية التي تحض على توافق الذات الفردية ( الأنا) مع الذات الأخرى حتى يمكن للمجتمع أن يتعادل في في حرية يحترم فيها الناس بعضهم بعضا .

وكان لظهور نظرية علم التفس عند " فرويد " عن لاوعي الذات وأثرها على ذات الإنسان ، ونظرية : " يونج " عن اللاوعي الجمعي ، وأثرها على الأمم تلك النظرية التي أدت إلى ظهور المسرحية التعبيرية التي ركز الكاتب فيها على الصراع الداخلي لمعاناة الذات الإنسانية ، تمثيلها عند " أوجست سترندبرج" وبعضها عند الأمريكي تونسي وليامز مثل ( عربة إسمها الرغبة- قطة على نار- هبوط أوفيوس- ليلة السحلية)
كما ظهر لون آخر متأثر بالنظرية الفرويدية، هو المسرحية السكلوجية والسيكودراما العلاجية على يد تلميذ فرويد . كما أثرت ظبية يونج على ظهور المسرحيات المستلهمة للتراث الإنساني الشعبي والأسطوري .

وقد اظهرت الحروب والتوسعات الاستعمارية الأوروبية أشكالا حديثة في الكتابة المسرحية ، تعبر عن عجز العقل البشري عن إدارة شئونه الدنيوية بعيدا عن تدابير الغيب الإلهي ، الأمر الذي ترتب عليه فشل ذلك العقل البشري بعد إبادة ما يزيد على ٥٠ مليون إنسان ضحايا الحربين العالميتين الأولى والثانية . فظهرت المسرحية الواقعية تعكس واقع الحياة الإنسانية وقضاياه الكبري عن الحياة والموت وعن العلاقات الإنسانية الاجتماعية وبرزت الواقعية الاجتماعية النقدية عند هنريك إبسن في مسرحيات منها : ( بيت دمية - الأشباح - ببرجينت - البطة البصرية - عندما نبعث نحن الموتى- البناء العظيم وغيرها) وظهرت الواقعية الرمزية عند أنطون تشيخوف ومن مسرحياته (بستان الكرز- الخال فانيا- الجلف وغيرها)

والواقعية الفكرية عند جورج برنارد شو ومنها. ( أندروكليز والأسد- الإنسان والسلاح - منزل القلوب المحطمة - بيحماليون - المليونيرة - القديسة جون- قيصر وكليوباترا ) وعند الأسباني فدريكو لوركا في مسرحيات منها ( عرس الدم - يرما - الإشكالية العجيبة- بيت برناردا ألبا وغيرها) والواقعية الاشتراكية عند الروسي السوفيتي مكسيم جوركي ز

كما ظهرت المسرحية الرمزية بهدف تجسيد جوهر الإرادة الإنسانية من خلال التجريد ، والمسرحية العبثية على أيدي الإيرلندي صمويل بيكيت في مسرحيات منها ( في انتظار جودو- لعبة النهاية وغيرها) وكذلك يوجين يونيسكو


رابعا : المسرح ومؤثرات الحداثة وما بعد الحداثة

مع تداخل الثقافات الأوروبية / الآمريكية مع ثقافات شرقية (إفريقية وآسيوية) ظهرت ملامح مسرح بدأ بالتجريب في أشكال مسرحية تتداخل في بنيتها الدرامية عناصر فنون أخرى فتضلفؤجرا فنون السيناريو التليفزيوني والصور المتجاورة ، حتى طغت لغة الصورة على لغة الحوار في الكتابة المسرحية ، وصولا إلى أثر درامي متعدد المعاني لخطاب النص المسرحي والعرض المسرحي الواحد ، تحقيقا للاتجاه الحداثي ، فأصبح للمشهد المسرحي أو اللوحة الواحدة أكثر من دلالة بعدد جمهور المتلقين قراء التص النسرحي أو بعدد مشاهدي العرض المسرحي الواحد وأصبح البناء الدرامي للحدث قائما على الاحتمال وليس على الضرورة - تهميش الضرورة الدرامية - وتهميش عنصر الإندماج في الأداء التمثيلي ولدي الجمهور بالطبع . وتهميش عنصر الإيهام حتى يمكن الجمهور من أخذ موقف خاص به مما يعرض عليه ( خاصة فيما يعرف بنظرية التغريب الملحمي عند بريخت) ولم يتوقف الأمر عند بريخت ونظرية التغريب بل تعدى تأثير فكرة الاحتمال تلك فاتصل بالنصوص المسرحية الحداثية عند كتاب المسرح المعاصرين ، حتى وصل الأمر عند كتاب جيل عصر العولمة المسرحيين إلى تهميش الهوية القومية لبلد الكاتب فرأينا الكتابة المسرحية تحتفي بلغة الصورة ولغة الجسد وابنية المتشظية للنص وللعرض المسرحي حتى سيطر ما يعرف بفن الدراماتورجيا على الكتابة المسرحية ، خاصة في إعادتهم لكتابة نصةص مسرحية كذسيكية عالمية بما يعرف بالكتابة على الكتابة ، وفيها يجيز الكاتب مابعد الحداثي لتفسه تفكيك النص الكلاسيكي أو النص الحديث لكاتب سابق معروف فيكشف عن تناقضاته ويضع وجهة نظر مضاطة للتص الأصلي معتمدا غالبا على كتابة الحوار ورسم الشخصيات من جنسيات مختلفة ( انجليزية ئ، عربية ئ، ألمانية ، فرنسية ، أفريقية ، صينية ويابانية في نص دراني واحد وحدث درامي واحد وكل شخصية تتحدث بلغتها مع الآخرين ، تأكيدا لتهميش الهويات القومية للشعةب تمشيا مع ثقافة العولمة التي تفتت القوميات ، في محاولة لجعل الشعوب كلها متداخلة الثقافات ، فضلا عن سيطرة لغة الصورة والرموز والتجريد كلغة توأمية ، ووصل الأمر إلى سيطرة فن السينوجرافيا على العروض المسرحية ما بعد الحداثية،.( معالجات بعد حداثية متعددة لشمسبيريات مثل هاملت بدون هاملت ، أنسوا هاملت هاملت يستيقظ متأخرا وغيرها من النصوص العالمية)
وكلها تحت عنوان دراماتورجيا التص .

وإلى جانب ذلك ظهر ما يعرف بالمسرح التفاعلي ، وذلك بعد التوسع في توظيف (الفيس بوك ) حيث يضع اتب درامي مبرمج فكرة لنص ويرسم شخصيات درامية ويترك للمبرمجين هواة المسرح والفن التداخل والتفاعل مع الفكرة والحدث فيضع شخصوا من أي بلد وبأي لغة جزءا من حوار شخصية ويضع آخر حوار شخصية مضادة بلغة بلطه القونيو وينطق آخر الشخصيات كل بلغتها التي وضعها من وضعها بلغته ويصمم فنان غيره أزياء الشخصيات ويحرك غيره الشخصيات وهكذا يشارك فنانين مسرحيين هواة مبرمجين في صياغة عرض مسرحي مفتوح بلا نهاية حيث لا تتوقف المشاركات والتفاعلات ومثل ذلك المسرح يسقط المؤلف من حساباته نظرا للمشاركات العولمية المتشظية بلغات وثقافات وفنانين من ثقافات مختلفة لا يعرف بعضهم بعضا .
وفي رأيي أن مثل تلك المحاولات المسرحية لا مستقبل لها إذ سريعا نا ظهرت وسريعا ما اختفت . فالنص أكثر بقاء وخلودا ، وخلود النصوص المسرحية اليونانية والشكسبيريات وكلاسيكيات الكتابة المسرحية من مدارس مسرحية مختلفة خير دليل على صدق ذلك الرأي ..



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى