علي بن عبد الرحمن بن هذيل الأندلسي - تحفة الأنفس وشعار سكّان الأندلس.. المحقق: عبد الإله أحمد نبهان و محمّد فاتح صالح زغل [المقدّمة]

المقدّمة

حفل التراث العربي بالكثير من الكتب التي تحدّثت عن الخيل والفروسية ، وهي مجال تراثيّ خصب في معارفه ، وقيمه العربية والإسلامية ، التي يسعى مركز زايد للتراث والتاريخ بمدينة العين إلى تحقيقها ونشرها.
ويعدّ كتاب (تحفة الأنفس ، وشعار سكان الأندلس) من المؤلفات المهمة في مجال الخيل والفروسية ؛ فمؤلّفه علي بن عبد الرحمن بن هذيل الأندلسي من أكثر علماء عصره ـ القرن الثامن الهجري ـ إجادة للتأليف في مجالات الخيل ، وما يتصل بها من مظاهر الفروسية ، وأهميتها في تربية النفوس ، وصون الحرمات.
وفي هذه النشرة جهد علميّ رصين ، يظهر الكتاب في حلّة جديدة ، مستخرجة من نشرة بعناية (لويس مرسييه) التي ظهرت بطريقة التصوير الفوتو غرافي لنسخة مكتوبة بالخطّ المغربيّ سنة ١٩٣٠ م ، صوّرها مرسييه ، وألحق بها عددا من الصفحات ، ضمّنها تصويبات ، لما وقع في النسخة المغربية من تصحيفات.
وقد وجد المركز ما يوجب نشر (تحفة الأنفس ، وشعار سكان الأندلس) لندرة وجود نسخة مرسييه ، ولأهمية وجود هذا الكتاب بين أيدي القرّاء والباحثين في التراث العربي والإسلاميّ ، ولا سيّما الأندلسيّ منه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المحققان
٧
٨
المؤلف والكتاب
المؤلف : هو علي بن عبد الرحمن بن هذيل الأندلسي ، لا نعرف عنه شيئا ذا بال مع أن له عددا من الكتب المطبوعة ، وقد ضنت المصادر الأندلسية والمشرقية التي نعرفها بذكر أخباره ، فلم نقع له على أي ترجمة أو مجموعة أخبار ، وقد سألنا الصديق الدكتور محمد رضوان الداية ـ وهو من المتبحرين في الأدب الأندلسي وتاريخ الأندلس وتراثها ـ عن ابن هذيل فأخبرنا أنه لم يقع له أيضا على ترجمة في المصادر التي طال تنقيبه وبحثه فيها ، وقد كان ابن هذيل في الجزء الثاني من كتابه في الباب السادس عشر المعقود لذكر الرماح في حلية الفرسان وفي نهاية الفصل الأخير منه قد قال : ومن أبدع ما قيل فيه ـ أي الرمح ـ قول شيخنا القاضي الشريف أبي القاسم الحسني ـ رحمه‌الله.
وأصمّ ممطول الكعوب إذا اقتضى
مهج الكماة فدينه لا يمطل
متوقّد حتى أقول : أذابل
بيديّ منه أم ذبال مشعل
لو لا التهاب النصل أينع عوده
مما يعلّ من الدماء وينهل
فاعجب له إن النجيع بطرفه
رمد ولا يخفى عليه مقتل
وشيخه الذي يشير إليه وينشد أبياته هو الشريف الغرناطي محمد بن محمد بن أحمد بن محمد الحسيني أبو القاسم ، من فضلاء الأندلس وأدبائها وقضاتها ولد بسبتة سنة ٦٩٧ ه‍ / ١٢٩٧ م ، وبها نشأ ، ثم ولي
٩
ديوان الإنشاء بغرناطة ثم القضاء والخطابة فيها ، وولى قضاء وادي آش ، ثم أعيد إلى غرناطة وبها توفي وهو في قضائها ، وكانت وفاته سنة ٧٦٠ ه‍ / ١٣٥٩ م ، فإذا كان هذا القاضي شيخ ابن هذيل فإن هذا الأخير كان بلا شك من رجال القرن الهجري الثامن ، وقد ترجم للحسيني لسان الدين في كتابه الإحاطة في أخبار غرناطة.
آثاره : وإذا كنا قد فقدنا أي أثر لترجمة لابن هذيل فإن الرجل قد ترك مجموعة من الأعمال وجد بعضها طريقه إلى النشر في عصرنا ، وقد قامت أعماله وما فيها من الفوائد مقام ترجمته وأخباره ، والإنسان على كل حال يعرف بأعماله. ونذكر الآن أعماله منسوقة على الحروف :
ـ الأبواب : انظر الفوائد.
ـ تحفة الأنفس وشعار سكان الأندلس ـ سيرد الكلام عليه.
ـ تذكرة من اتّقى : ذكره ابن هذيل في كتابه المطبوع : عين الأدب والسياسة ص ٢٢٢.
حلية الفرسان وشعار الشجعان :
هذا الكتاب هو في حقيقته الجزء الثاني من كتاب «تحفة الأنفس وشعار سكان الأندلس» وقد أفرده مؤلفه بعنوان مستقل ووضع له مقدمة تشبه إلى حد كبير مقدمة تحفة الأنفس. وقد طبع مستقلا غير ما مرة فقد نشره لويس مرسيه Mercier عام ١٩٢٢ م بباريس بطريقة التصوير عن نسخة مكتوبة بالخط المغربي ، ثم نشره المرحوم محمد عبد الغني حسن في دار المعارف بمصر عام ١٩٥٢ م ، ثم نشره مركز زايد للتراث والتاريخ بتقديم من سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ، نائب رئيس مجلس الوزراء ، عام ٢٠٠٢ م.
١٠
ويتألف هذا الكتاب من عشرين بابا معظمها يتعلق بالخيل وما يتصل بها من اللغة والنسب والفرسان وخصصت بعض الأبواب الأخيرة للسيف والرمح والترس.
عين الأدب والسياسة وزين الحب والرياسة :
وهو كتاب مؤلف من أربعة أقسام ، وقد قسم كل قسم منها إلى فصول وسنذكر عناوين الأقسام لأنها تدل على موضوعات الكتاب.
١ ـ من الأحاديث والحكم والأمثال التي يقوى الشاهد بها ويعظم الاستدلال.
٢ ـ في السؤدد والمروءة ومكارم الأخلاق ومداراة الناس والتأدب معهم في حالي الغنى والإملاق.
٣ ـ في طرف من الحكايات والآداب الصادرة عن أولي الألباب والأحساب.
٤ ـ في جمل من الوصايا والمواعظ الحسان العظيمة الفائدة والمنفعة لكل إنسان.
وقد طبع هذا الكتاب بمطبعة الاعتماد بمصر سنة ١٣٠٣ ه‍ / ١٨٨٥ م وله طبعة أخرى على هامش كتاب «غرر الخصائص الواضحة» لجمال الدين الوطواط (ت ٧١٨ ه‍) في المطبعة الأدبية بمصر سنة ١٩٠٠ م ، كما طبع في مطبعة البابي الحلبي بالقاهرة سنة ١٩٣٨ م ، ثم نشرته دار الكتب العلمية ببيروت وصدرت طبعته الثانية عام ١٩٨٥ م ، وطبعاته هذه غير محققة.
١١
الفوائد المسطرة في علم البيطرة أو الأبواب :
طبع في مدريد سنة ١٩٣٥ م وقد علق ناشر كتاب عين الأدب في طبعة دار الكتب العلمية على هذا الكتاب بقوله : هناك بعض الشكوك حول نسبة كتاب الفوائد المسطرة في علم البيطرة. وأجدر بهذا أن يكون من تأليف يحيى بن أحمد بن هذيل الطبيب.
كمال البغية والنيل :
ذكر مرسيه أن ابن هذيل ذكره في كتابه عين الأدب والسياسة.
مقالات الأدباء :
ذكره في كتابه عين الأدب والسياسة ص ٢٦٢.
وهكذا نرى أن هذا الرجل المجهول في كتب التراجم قد ترك تراثا أدبيا جيدا يعتمد الجمع والاصطفاء والترتيب كما لاحظنا في كتبه التي تيسر لنا الاطلاع عليها ، وقد صرح بذلك في غير ما موضع من كتبه ، قال في مقدمته لكتاب «عين الأدب والسياسة» :
«فإن التأليف غير موقوف على زمان ، والتصنيف ليس بمقصور على أوان ، لكنها صناعة ربما قصرت فيها سوابق الأفهام ، وسبيل ربما حادت عنها أقدام الأوهام ، قال بعض الحكماء : لكل شيء صناعة ، وصناعة التأليف صناعة العقل .. والذي عليه في التأليف المدار ، وهو حسن الانتقاء والاختيار ، مع الترتيب والتبويب والتهذيب والتقريب .. وفضيلة هذا التأليف هي في جمع ما افترق ، مما تناسب واتسق ، واختيار عيون وترتيب فنون ، من أحاديث نبوية ، ومكارم أدبية ، وحكم باهرة ، وأبيات نادرة ، وأمثال شاردة ، وأخبار واردة ، ووصايا نافعة ، ومواعظ جامعة ،
١٢
ومروءات سرية ، وسياسات سنية ، ومعان مستظرفة ، وحكايات مستطرفة ، وجميع ذلك مطرد بكل شعر جزل ، سهل ، برىء من الغزل والهزل» ، ولا يعدم القارىء مثل هذا الكلام ، في مقدمة تحفة الأنفس ومقدمة حلية الفرسان ، فالرجل كان بارعا في اختراع الأبواب ثم في ملئها بمختاراته من كتب الأدب والحديث وغيرها من كتب الثقافة التي كانت معروفة وكثيرة في عصره.
الكتاب : عنوان الكتاب كما ذكره في مقدمته ص ٨ : «تحفة الأنفس وشعار سكان الأندلس» وقد ذكر على نحو مختصر في كتابه عين الأدب والسياسة فقال ص ٢٩٦ وص ٢٩٨ : ومن المنقول من كتابنا «تحفة الأنفس» وقد سطر اسم المؤلف في أول المخطوط الذي اعتمدناه ، فلا شك لدينا في نسبة هذا الكتاب إلى مؤلفه.
أما قيمة الكتاب فتكمن في أنه كان استجابة ثقافية لأوضاع البلاد الأندلسية ، وما اعتراها من مد وجزر في ساحة الحروب ، ومن وهن وضعف في مجال السياسة ، فأراد المؤلف التذكير بأهمية الجهاد وكونه العماد الذي تقوم عليه دولة الإسلام ، لذلك نراه يقول : «وذلك هو الذي أوجب على العبد تأليف هذا الكتاب وتلخيصه وتهذيبه وتمحيصه عند ما لاذ به وتمسك بفاضل مذهبه في الجهاد والرباط وما ينتظم بذلك من أي قرآنية ، وأحاديث نبوية ، ومسائل فقهية ، وتواريخ علمية ، وصناعة فروسية ، وآثار ملوكية ، وشجاعة طبيعية ، وحكمة سياسية ، ومكيدة حربية ، وأبيات شعرية ، وجلاء وكفاح ، وخيل وسلاح ، وما يختار ويحمد من صفاتها ، ويكره ويذم من شياتها ، وجميع ما يختص بأحوال المركوب ، ويتضمن تعليم الركوب ، وتتميم المطلوب» وقدم المؤلف كتابه إلى أمير المؤمنين الغني
١٣
بالله أبي عبد الله محمد بن يوسف بن إسماعيل بن نصر في آخر أيام بني الأحمر. وكانت ولاية الغني بالله الثانية عام ٧٦٣ ه‍ / ١٣٦٢ م وواضح أن حديث المؤلف يشمل الكتاب بقسميه ، ونحن إنما نعنى الآن بالقسم الأول الذي اتجه إلى الجهاد والرباط فقط دون الخيل والسلاح. وقد جعل المؤلف هذا القسم في عشرين بابا شاملة لأحكام الجهاد ، وما قيل في التحريض عليه ، وجامعة لما اتصل به من أخبار الشجاعة والإقدام ووصايا أمراء الجيوش وما يتصل بذلك من شرح لأساليب الحرب وأشكال القتال.
هذا وقد جمع المؤلف مادة كتابه من عدد من المصادر منها ما هو موجود لدينا الآن ومنها ما هو مفقود لم نقع له على أثر ، فمما هو موجود ورجعنا إليه ووثقنا الأخبار منه كتاب السيرة النبوية لابن هشام وكتاب العقد لابن عبد ربه وكتاب سراج الملوك للطرطوشي وكتاب الحماسة لأبي تمام وكتاب مروج الذهب للمسعودي أما كتاب ابن يونس في فقه الجهاد وكتاب راحة القلوب والأرواح في الخيل والسلاح وما يماثلها مما هو مذكور في مقدمة المؤلف فلم نقع لها على أثر مع الأسف.
النسخ المعتمدة في التحقيق :
١ ـ نسخة الأسكوريال (س):
كتبت هذه النسخة بخط أندلسي وجاءت في ٢٧١ صفحة مشتملة على كتاب تحفة الأنفس بقسميه ، ولم يذكر اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ ، لكننا وجدنا في الصفحة الثانية تمليكا يفيد بأن هذه النسخة كانت
١٤
متداولة عام ٨٢١ ه‍ ، أي في زمن قريب من عصر المؤلف وسنذكر ها هنا نص التمليك مصححين ما ورد فيه من أغلاط الإملاء والنحو :
«الحمد لله وحده ، اشترى هذا السفر بثلاثة ذهب عبيد الله ، أقل عبيده وأكثرهم ذنوبا وعصيانا ، راجيا عفو الله سبحانه وغفرانه (كلام مطموس) تاب الله عليه ولطف به وغفر الله له ولوالديه ، وأماته الله على الإيمان والإسلام ولمن قرأ وقال : آمين آمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله (كلام مطموس) عنه في أواخر المحرم عام أحد وعشرين وثمان مائة».
احتل القسم الأول من الكتاب ١٢٣ صفحة ، كان من المفروض أن تشتمل على عشرين بابا ، لكن أبوابا سقطت منها ولم يتنبه عليها مرقم صفحات الكتاب ، فقد سقط منها الباب الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر .. وقمنا باستدراك هذه الأبواب من نشرة مرسيه.
٢ ـ نشرة مرسيه (م):
كان لويس مرسيه Louis Mercier المستشرق الفرنسي قد نشر القسم الثاني من «تحفة الأنفس» بعنوان مستقل هو «حلية الفرسان وشعار الشجعان» في باريس عام ١٩٢٢ م مصورا عن مخطوطة بخط مغربي ، وألحق بها صفحات من الأغلاط التي وقعت مع تقديم اجتهاد في تصحيحها ، ثم قام عام ١٩٣٣ بنشر القسم الأول بعنوان «تحفة الأنفس وشعار سكان الأندلس» وقال في مقدمته «فدونك ذلك الجزء الأول تحت عنوانه الحقيقي ، وخطابه الخاص به نشرته بوسيلة الفتوغرافية مثل ما سبق مني للحلية حتى تقوم لديك النسخة محل الأصل المغربي المخطوط».
١٥
جاءت صورة هذا المخطوط في ٨٧ صفحة في كل صفحة خمسة وعشرون سطرا متوسط كلمات السطر خمس عشرة كلمة كتبت بخط مغربي ، واشتملت على الأبواب العشرين تامة وقد وضع عنوان بخط كبير لكل باب ، وألحق مرسيه بالكتاب اثنتي عشرة صفحة على أنها جدول للخطأ والصواب.
عملنا في الكتاب :
اعتمدنا في تحقيقنا للكتاب مخطوطة الأسكوريال (س) لأنها النسخة الأم وهي الأقدم كما بدا لنا ، وبعد نسخها عارضناها بنشرة باريس التي رمزنا لها بالحرف (م) وأثبتنا الفروق بين المخطوطتين ، واستدركنا الأبواب الساقطة من نسخة الأسكوريال بالأبواب تامة كما جاءت في نشرة باريس ،. ثم عمدنا إلى الأخبار فحرصنا على ربطها بمرجعيتها التي كانت عماد المؤلف ، وقارنا نص الأخبار بأصولها فصححنا ما احتاج إلى تصحيح وقومنا ما احتاج إلى تقويم ، وترجمنا لأعلام الكتاب وخرجنا الآيات الكريمة ومعظم الأحاديث الشريفة ووضعنا له الفهارس اللازمة حتى يأتي كصنوه الجزء الأول في دقة التخريج وجمال الإخراج. وبصدوره يكون كتاب تحفة الأنفس قد صدر تاما بعنوانين ، يحمل القسم الأول العنوان الأصلي للكتاب ، ويحمل القسم الثاني عنوان «حلية الفرسان وشعار الشجعان».
وإنه لمن الواجب الذي تمليه أخلاقية العمل العلمي أن نتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ـ نائب رئيس مجلس الوزراء ، حفظه الله لرعايته هذا العمل وتبنيه وتقديمه يد العون. وإلى مركز زايد للتراث والتاريخ ممثلا بمديره الدكتور حسن
١٦
محمد النابودة على جهوده وخدمته للعلم والعلماء. وحسبنا أننا بذلنا ما نستطيع من جهد في إخراج هذا العمل في هذا المستوى الذي نرجو أن يكون به لائقا.
المحققان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى