جوهر فتّاحي - في فلسفة السذاجة..

في الذكاء الإصطناعي، هنالك ألغوريتم يسمّى بايس-السّاذج (Naive Bayes)، نسبة للعالم الأنجليزي توماس بايس.

هذا الألغوريتم، ورغم نعته بالسّاذج، فهو من أعتى برامج التنبوء بالمستقبل، وأفضلها، وأكثرها دقّة.

هو يُنعت بالساذج لأنّه يخرج من فرضيّة، غير متّفق عليها منطقيّا، وهي أنّ المستقبل لا يكترث بالماضي، ولا يهتمّ إلاّ باللّحظة الرّاهنة. بمعنى، إذا كان الشيء يتّصف بأوصاف معيّنة الآن، فلا فائدة من النبش في ماضيه، ويكفي حاضره للتكهّن بمستقبله.

هذه الفرضيّة ينتج عنها اِختزال رهيب -وغير مخلّ- لتلك المعادلات الحقيقيّة التي تأخذ بعين الإعتبار كل التفاصيل وتكتفي بالمهم منها، لتصبح معادلات سهلة الحل، وغاية في الأناقة، ويسر الفهم، وبالتالي الإستعمال.

ويحدث أن الحياة تسير فعلا هكذا، بل وتوشك أن تكون دائما هكذا، مع إستثناءات طبعا.

قد تكون لاحظتَ المفارقة: "الذّكاء" الإصطناعي يعتمد على "سذاجة ساذج"! وأحيانا كثيرة يتفوّق هذا السّاذج على الألغوريتمات الذّكيّة.

والأكيد أنّ توماس بايس لم يكن ساذجا حين وضع فرضيّته هذه، والتي أصبحت فلسفة، فنظريّة، ثم ألغوريتما جبّارا للتنبوء بالمستقبل.

فأحترزوا من السذّج، ومن كلّ ما يبدو ساذجا، فأحيانا يكون السّاذج أشدّ فتكا من ذاك الذكيّ، النبيه، النّابغ.

فالسذاجة أحيانا أعلى درجات الذكاء.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى