عزيزاتي الرفيقات.
بدلاً من أن أكتب لكّن دراسة عن المرأة السورية، أرى نفسي مضطراً لأن أبعث إليكن بهذه الرسالة، مبيناً فيها لماذا لا أستطيع أن أقوم الآن بالدراسة المطلوبة. كنت قد وضعت مخططاً كيف سأجمع المعلومات للدراسة. لدينا في سورية إدارة إحصاء اسمها "المكتب المركزي للإحصاء"، لكن البيانات الإحصائية ليست دائماً دقيقة، ولا مكتملة، وأخيراً ليست كافية من أجل دراسة أوضاع المرأة. لذلك فكرت مباشرة "باتحادنا النسائي". فهذا الإتحاد، مع المكتب المركزي للإحصاء، مع بعض الأحاديث مع نماذج نسائية مختلفة، يمكن أن يكون أساساً للدراسة.
وباعتبار أنني مواطن سوري أعرف الظروف السورية وأعيشها، فقد حاولت عن طريق أحد معارفي أن أصل إلى السيدات المبجلات في اتحادنا النسائي. ولم يكن من السهل علي أيجاد شخص يعرف عضوة في الاتحاد. على كل حال تم الأمر أخيراً، وسمح لي أن أقابل إحدى المسؤولات يوم الخميس الساعة الحادية عشرة في مبنى الاتحاد. ولن أستطيع أن أرقى إلى الرئيسة، لأنه- كما قال لي الشخص الذي توسط لي- لا وقت لديها. لكن الأمر كان عندي سواء، أقابلت رئيسة أم الآذنة، المهم أن احصل على المعلومات.
في الموعد المحدد كنت هناك. المقر يقع في أرقى حي بدمشق، وهو الحي المسمى "المالكي"، الذي ينتهي إليه الشارع البورجوازي الأرستقراطي المعروف " أبو رمانة". في الداخل بدا الجميع في انشغال. سألت عن المرأة الوسيطة، كي تقودني إلى المرأة المسؤولة، وهي على مستوى أعلى في الهرم التنظيمي. دخلت أخيراً إلى إحدى الغرف، لكن كان عليّ أن أنتظر بعض الوقت. في هذه الأثناء رأيت في إحدى خزانات الكتب منشورات تتضمن كل ما قد أحتاجه، هكذا بدا لي من العناوين.
الآن أصبحت المرأة المتفرغة لي. جاءت إلي طاولة قائمة في جانب من الغرفة، جلبت كرسيين، جلست على إحداهما، تناولت ورقة، دعتني للجلوس على الكرسي آخر، أمسكت قلماً بيدها وسألتني:
-الاسم؟
-فلان الفلاني.
-شو؟
-فلان الفلاني.
-المهنة؟
-موظف في مصرف سورية المركزي.
-ماذا تريد؟
حدثتها بأن مجلة نسائية ألمانية غربية، يصدرها اتحاد نسائي، تنتظر مني دراسة عن المرأة السورية، وحبذا لو أنها تساعدني في ذلك. طرحت علي بعد إذن العديد من الأسئلة التي لا أستطيع أن أستعيدها في تسلسلها، لأنها كانت دون ناظم:
-ما أسم المجلة؟
-هي مجلة يسارية، تصدر في فرانكفورت، أنا أعرف هؤلاء، لأنهم ينتمون إلى " الآس دي آس" أي اتحاد الطلبة الألمان الاشتراكي، وكنت صديقاً لهم إبان دراستي في ألمانيا.
- أن إذا كن طالبات فعليهن أن يتوجهن إلى الاتحاد الوطني لطلبة سورية، هذا من اختصاصهم.
- لا، حقاً أن الاتحاد أنشئ من قبل طالبات، لكن أي امرأة تستطيع الانتساب إليه، هو اتحاد نسائي.
- ولكننا نعلم أنه لا يوجد في ألمانيا الغربية أي اتحاد نسائي، عن هذا الاتحاد لم نسمع شيئاً!.
- صحيح، فهذا الاتحاد ليس تقليدياً، هو يساري، ضد النظام السائد هناك، هو غير رسمي.
- ما هي النشاطات التي يقون بها؟
- هو يناضل ضد النظام، يشارك في المظاهرات، وهو ما نسمعه عن أوروبا..
- طيب، نحن لدينا صلات بالاتحادات النسائية في البلدان الشرقية. إذا أردن أن يقمن صلات معنا، فعليهن أن يكتبن لنا عن طريق وزارة الخارجية.
- هذا أمر يتعلق بكما أنتما الأثنين، لا يتعلق بي، وهن لم يطلبن مني ذلك، هن أردن فقط أن يعرفن شيئا عن المرأة السورية.
- يستطعن أن يكتبن لنا عما يحتجن، ونحن ندرسه ونقرر.
- لقد قلت لك بأنهن لا يردن شيئاً منكن، يردن مني الدراسة، وأنا أسألك: هل عندك شيء لي أم لا؟
- بالتأكيد عندنا، ولكننا لا نستطيع أن نعطي شيئاً، إذا لم نعرف المنظمة. من يعلم؟ ربما تجلس هناك نساء يهوديات!
- هل عندكم أكثر مما لدي المكتب المركزي للإحصاء!
أردت بهذا السؤال أن أدحض مخاوفها، إذ أن إحصاءات هذا المكتب تصل إلى كل العالم. أجابت:
- نعم، نحن نتعاون، ولدى المكتب أيضاً إحصاءات تعطى لأناس معينين، وليس لأي كان.
- وهلق؟
- في الوقت الحاضر لدينا كتاب تحت الطبع، يتضمن كل شيء عن المرأة السورية من النواحي الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
- طيب، سوف أشتريه.
- ربما تستطيع أن تأخذ نسخة من السيدة ميم، بما أنك تعرفها. (ظنت أنني اعرفها، نظراً لأنها دبرت لي المقابلة).
- ألا يعرض الكتاب في السوق؟
- لا، هو مخصص لنا، وإذا أعطت السيدة سين عين (تقصد رئيسة الاتحاد) موافقتها، تستطيع أن تحصل على نسخة، وربما يحدث هذا عن طريق السيدة ميم.
كان عليّ أن أسألها، لماذا هذا الكتاب، إذا كان مخصصاً للناس الذين ألفوه، لكنني كنت قد امتلأت منها. وهكذا خرجت. لم أستطع أن اعرف شيئاً من الاتحاد عن المرأة السورية، لكنني بالمقابل عرفت الكثير عن الاتحاد نفسه.
إنه واحد من الإدارات الكثيرة، حيث يجلس بيروقراطيون، مفصولين عن أولئك الذين يدّعون أنهم يمثلونهم، إدارات منظمة هرمياً، يلعبون فيها لعبة السرّيات، مستعبدين لروتينهم. وفي الخارج يجري كل شيء كما كان.
مع تحياتي القلبية
بوعلي ياسين
بدلاً من أن أكتب لكّن دراسة عن المرأة السورية، أرى نفسي مضطراً لأن أبعث إليكن بهذه الرسالة، مبيناً فيها لماذا لا أستطيع أن أقوم الآن بالدراسة المطلوبة. كنت قد وضعت مخططاً كيف سأجمع المعلومات للدراسة. لدينا في سورية إدارة إحصاء اسمها "المكتب المركزي للإحصاء"، لكن البيانات الإحصائية ليست دائماً دقيقة، ولا مكتملة، وأخيراً ليست كافية من أجل دراسة أوضاع المرأة. لذلك فكرت مباشرة "باتحادنا النسائي". فهذا الإتحاد، مع المكتب المركزي للإحصاء، مع بعض الأحاديث مع نماذج نسائية مختلفة، يمكن أن يكون أساساً للدراسة.
وباعتبار أنني مواطن سوري أعرف الظروف السورية وأعيشها، فقد حاولت عن طريق أحد معارفي أن أصل إلى السيدات المبجلات في اتحادنا النسائي. ولم يكن من السهل علي أيجاد شخص يعرف عضوة في الاتحاد. على كل حال تم الأمر أخيراً، وسمح لي أن أقابل إحدى المسؤولات يوم الخميس الساعة الحادية عشرة في مبنى الاتحاد. ولن أستطيع أن أرقى إلى الرئيسة، لأنه- كما قال لي الشخص الذي توسط لي- لا وقت لديها. لكن الأمر كان عندي سواء، أقابلت رئيسة أم الآذنة، المهم أن احصل على المعلومات.
في الموعد المحدد كنت هناك. المقر يقع في أرقى حي بدمشق، وهو الحي المسمى "المالكي"، الذي ينتهي إليه الشارع البورجوازي الأرستقراطي المعروف " أبو رمانة". في الداخل بدا الجميع في انشغال. سألت عن المرأة الوسيطة، كي تقودني إلى المرأة المسؤولة، وهي على مستوى أعلى في الهرم التنظيمي. دخلت أخيراً إلى إحدى الغرف، لكن كان عليّ أن أنتظر بعض الوقت. في هذه الأثناء رأيت في إحدى خزانات الكتب منشورات تتضمن كل ما قد أحتاجه، هكذا بدا لي من العناوين.
الآن أصبحت المرأة المتفرغة لي. جاءت إلي طاولة قائمة في جانب من الغرفة، جلبت كرسيين، جلست على إحداهما، تناولت ورقة، دعتني للجلوس على الكرسي آخر، أمسكت قلماً بيدها وسألتني:
-الاسم؟
-فلان الفلاني.
-شو؟
-فلان الفلاني.
-المهنة؟
-موظف في مصرف سورية المركزي.
-ماذا تريد؟
حدثتها بأن مجلة نسائية ألمانية غربية، يصدرها اتحاد نسائي، تنتظر مني دراسة عن المرأة السورية، وحبذا لو أنها تساعدني في ذلك. طرحت علي بعد إذن العديد من الأسئلة التي لا أستطيع أن أستعيدها في تسلسلها، لأنها كانت دون ناظم:
-ما أسم المجلة؟
-هي مجلة يسارية، تصدر في فرانكفورت، أنا أعرف هؤلاء، لأنهم ينتمون إلى " الآس دي آس" أي اتحاد الطلبة الألمان الاشتراكي، وكنت صديقاً لهم إبان دراستي في ألمانيا.
- أن إذا كن طالبات فعليهن أن يتوجهن إلى الاتحاد الوطني لطلبة سورية، هذا من اختصاصهم.
- لا، حقاً أن الاتحاد أنشئ من قبل طالبات، لكن أي امرأة تستطيع الانتساب إليه، هو اتحاد نسائي.
- ولكننا نعلم أنه لا يوجد في ألمانيا الغربية أي اتحاد نسائي، عن هذا الاتحاد لم نسمع شيئاً!.
- صحيح، فهذا الاتحاد ليس تقليدياً، هو يساري، ضد النظام السائد هناك، هو غير رسمي.
- ما هي النشاطات التي يقون بها؟
- هو يناضل ضد النظام، يشارك في المظاهرات، وهو ما نسمعه عن أوروبا..
- طيب، نحن لدينا صلات بالاتحادات النسائية في البلدان الشرقية. إذا أردن أن يقمن صلات معنا، فعليهن أن يكتبن لنا عن طريق وزارة الخارجية.
- هذا أمر يتعلق بكما أنتما الأثنين، لا يتعلق بي، وهن لم يطلبن مني ذلك، هن أردن فقط أن يعرفن شيئا عن المرأة السورية.
- يستطعن أن يكتبن لنا عما يحتجن، ونحن ندرسه ونقرر.
- لقد قلت لك بأنهن لا يردن شيئاً منكن، يردن مني الدراسة، وأنا أسألك: هل عندك شيء لي أم لا؟
- بالتأكيد عندنا، ولكننا لا نستطيع أن نعطي شيئاً، إذا لم نعرف المنظمة. من يعلم؟ ربما تجلس هناك نساء يهوديات!
- هل عندكم أكثر مما لدي المكتب المركزي للإحصاء!
أردت بهذا السؤال أن أدحض مخاوفها، إذ أن إحصاءات هذا المكتب تصل إلى كل العالم. أجابت:
- نعم، نحن نتعاون، ولدى المكتب أيضاً إحصاءات تعطى لأناس معينين، وليس لأي كان.
- وهلق؟
- في الوقت الحاضر لدينا كتاب تحت الطبع، يتضمن كل شيء عن المرأة السورية من النواحي الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
- طيب، سوف أشتريه.
- ربما تستطيع أن تأخذ نسخة من السيدة ميم، بما أنك تعرفها. (ظنت أنني اعرفها، نظراً لأنها دبرت لي المقابلة).
- ألا يعرض الكتاب في السوق؟
- لا، هو مخصص لنا، وإذا أعطت السيدة سين عين (تقصد رئيسة الاتحاد) موافقتها، تستطيع أن تحصل على نسخة، وربما يحدث هذا عن طريق السيدة ميم.
كان عليّ أن أسألها، لماذا هذا الكتاب، إذا كان مخصصاً للناس الذين ألفوه، لكنني كنت قد امتلأت منها. وهكذا خرجت. لم أستطع أن اعرف شيئاً من الاتحاد عن المرأة السورية، لكنني بالمقابل عرفت الكثير عن الاتحاد نفسه.
إنه واحد من الإدارات الكثيرة، حيث يجلس بيروقراطيون، مفصولين عن أولئك الذين يدّعون أنهم يمثلونهم، إدارات منظمة هرمياً، يلعبون فيها لعبة السرّيات، مستعبدين لروتينهم. وفي الخارج يجري كل شيء كما كان.
مع تحياتي القلبية
بوعلي ياسين