الولد البار محمد زكرياء، ابن الأخ العزيز، الشاعر الكبير محمد علي الرباوي، السلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد فإنَّ اللهَ عَزَّ وجل يمنح بعضَ عباده فُرَصاً ذهبيةً تنير لهم طريقَ السعادة في الدنيا، وتفتحُ لهم آفاقَ الخير العميم في الآخرة إذا عَرَفَ العبادُ كيف يستغلونها، ولا يضيعونها على أنفسهم؛ وإن أجملَ ما في هذه الحياة الدنيا لحظةُ يُمْنٍ وسعادة يَقْضِيها أَبٌ رؤوفٌ رهيفُ الإحساس شديدُ المحبة لأبنائه مع أقاربه وأحبائه، وليس هناك أقرب ولا أعزّ على المرء من زَوْجِه وابْنِهِ وابْنَتِهِ، وليس أحبّ ولا أسعد لِوَلَدٍ أو بِنْتٍ من أن يعيش لحظاتٍ في حضن والدٍ عطوف رهيفِ الإحساس، أو والدةٍ حنون تُدِرُّ المحبةَ على أبنائها بغير مقابل ولا ثمن، أليس كذلك يازكرياء؟ ليسمح لي أخي الشاعر العزيز محمد علي بأن أشاركه شعوراً فأنادي ابنَه كما أنادي ابني: أي بني العزيز محمد زكرياء: لقد عشتُ يوم السبت( 8 فبراير 2014) الأخير لحظاتٍ زاهيةً شَعُرْتُ بأن الزمانَ ينتفخ بها زهوا وسعادةً وحبورا. ولكم كنتُ أتمنى أن تكون أنتَ وأختُك سارة بجانب أبيكما الذي أَثَرْتُه بسؤال بريء: أين أبناؤك ياأخي؟ وأين أمهم؟ ولم يَطُلْ انتظاري للجواب طويلا، فقد أحسستُ بشاعرنا العزير وأعماقُه تفوحُ ألماً لِعَدَمِ حضور أيِّ فَرْدٍ من الأعزة عليه، من الذين طالما أهداهم عصارةَ قلبه ورحيقَ كَلِمِهِ وشَهْدَ مَحَبَّتِه! ولقد علمتُ أنَّ الأمَّ الرؤوفَ فَقَدَتْ أحد أقاربها حَفِظَها الله لكم، ومَتَّعَها بنعمة الصحة والعافية، فكان لها عذرُها، لكني التمستُ لمحمد زكريا ولسارة وهما اللذان لم أرهما ولكني عرفتُ ملامحَهما من خلال قلبِ أبيهما ونبضاتِه ومشاعرِه، التمستُ لهما عذرا فلم أجد؛ وقلتُ في نفسي: إذا لم يحضر الأقاربُ الأدنونَ لحظاتِ التكريم التي يُنَظِّمُها الأباعدُ، فكيف يكون طَعْمُ هذا التكريم على المكرَّم؟ وكيف يكون إحساسُ الأقارب في اللحظة التي يقرؤون فيها كأي أجنبيٍ بعيدٍ غريبٍ أخباراُ أو تعاليقَ أو يشاهدون صُورا أو أشرطةً أو أقراصا تُثْنِي على أَحَبِّ الناس إليهم وتشهدُ له بالمكانةِ الرفيعةِ في قلوب الناس الأباعدِ وفي فضاءِ الإبداعِ والإنسانية والمحبة؟ في غيابهم، وهُمُ الأَجْدَرُ بالْقُرْبِ وهُمْ الأَحَقُّ بإعلانِ الفَرْحَةِ بالتكريم، بل هُم الأَولى بِتَكْرِيمِ حَبِيبِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ. أَيّ بُنَيَّ، هذه كلماتٌ لم أصطنعها ولكنها فاحتْ من صدرٍ يُكِنُّ لأبيكَ كلَّ مَحبة وتقدير وإكرام، ويُكن لأسرته وأحبائه كلَّ تقدير وإكرام حَفِظَهُ اللهُ لَكُم ولَنَا وللشعر والأدب، وللدعوةِ الصادقةِ الصادحةِ إلى الله بِفَنٍّ رَفِيعٍ وشِعْرٍ إنساني راقٍ رائقٍ بليغ، وحفظ الله له لكم الأمَّ الكريمة، وأحياكم الله في ظلهما أولادا طائعين محبين شاعرين بحنان الأبوة ومسؤولية البنوة واللهُ يحفظكم ويرعاكم ويسدد خطاكم--